كثيرة هي الدروس المستفادة التي هي بمنزلة الحبال التي يتسلَّقُ بها الإنسان قمم الجبال , كما هي طوق نجاة من الغرق في محيط انعدام المُثل و الأخلاق .
درس مجاني أهداه نادي الأهلي مدني سيد الأتيام عبر مجلس إدارته ممثلاً في رئيس النادي الأستاذ بدر الدين عوض الله المحامي , فيما يخص الوفاء بالوعد , وحفظ العهد , و رعاية الذمم .
نادي أهلي مدني لكرة القدم الذي تأسس في العام 1928 بشعاره الفريد الأسود و الأبيض كان و ما زال هو منجم نجوم كرة القدم .
هو مدرسة قائمة بذاتها تخرَّجَ فيها نجوم لعبت في ناديي القمة الهلال و المريخ , القائمة تطول عند ذكرهم و لكن على سبيل المثال لا الحصر فقد جاء من أهلي مدني لهلال الملايين بابكر سانتو , و الثنائي حمد و الديبة , عمر النقي , عصام غانا , بكري المدينة الذي لم يختم حياته الكروية بالهلال ليذهب للمريخ في واقعة تغيير وجهته الشهيرة بين عشيةِ و ضحاها و كذلك لعب للمريخ من أهلي مدني حارس المرمى أنور أحمد ساتي و المهاجم الفذ المغفور له صلاح الأمين أو كما يحب المريخاب مناداته بصلاح بمبان " طيَّبَ الله ثراه " .
الكل يعلم أنَّ نادي الهلال قد تقدَّم بخطابه إلى النادي الأهلي مدني طالباً خدمات نجمه المهاجم ولاء الدين فكانت الموافقة الفورية من قِبل النادي الأهلي مدني من واقع ثلاث عوامل رئيسه و أساسية هي ( تعامل نادي هلال الملايين الراقي و الحضاري حيث الدخول من الباب مباشرةً و وفد الشخصيات التي دارت ملف التفاوض , تاريخ و هيبة نادي أهلي مدني و هتاف أنصاره العفوي الذي تهتز له جنبات إستاد ود مدني ( مشينا و جينا لقينا أهلينا أرجنتينا ) ثم رغبة اللاعب ولاء الدين . ) تلك العوامل الثلاث مهدت للموافقة على طلب الهلال دون تردد .
أهلي مدني و دَيْنُ نعم ظهر عندما دخل في الخط النِّد الحقيقي للهلال نادي المريخ العريق طارقاً باب أهلي مدني طالباً وُد اللاعب ولاء الدين وهو يعلم علم اليقين أنَّ الهلال قد سبقه في هذه الصفقة , فما كان من رئيس مجلس إدارة نادي أهلي مدني إلا أن يستحضر كتاب الله تعالى الذي من تمسَّكَ به هداه ومن استدل به أرشده هُداه و يردد قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعُقُود ) المائدة 1 , و قوله جلَّ و علا : ( و أوفُوا بعهدِ اللهِ إذا عاهدتُم و لا تنقُضوا الأيمان بعد توكيدها . ) النحل 91 .
ثم كان الحديث الشريف حاضراً في ذهن تلك الإدارة الواعية حيث روى الشيخان عن أبي هريرة رضيَّ الله عنه , أنَّ رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ( آية المنافق ثلاث : إذا حدث كذب , و إذا وعد أخلف , و إذا ائتمن خان . ) فكان الرفض من إدارة الأهلي مدني لطلب المريخ من واقع سبق السيف العزل , و أنَّ كلمةً خرجت من أفواهنا لنادي الهلال ولا رجعة في ذلك مهما بلغ من المال ما بلغ .
وقتها ظهر في العلن قول الشاعر :
إذا قلت في شيءٍ : نعم فأتِمَّهُ ... فإنَّ نعم دينٌ على الحر واجبُ
و إلاَّ فقل : لا تسترحْ و تُرِح بها ... لئلا يقول الناس : إنَّك كاذبُ
ما أجمل هذا الدرس المستفاد في هذا الزمن الذي نحن أحوج إليه لهذا الوفاء
نادي أهلي مدني قدَّم للرياضة السودانية سلوك الوفاء بالعهد , فالوفاء من شيَّم النفوس الشريفة , و الأخلاق الكريمة , و الخلال الحميدة , يعظم صاحبه في العيون , و تصدق فيه خطرات الظنون . يقال الوعد سحابة و الإنجاز مطره .
هنيئاً لإدارة النادي الأهلي مدني هذه المُثل و القِيَّم و الأخلاق و الروح الرياضية السمحة التي كفلت للنجم ولاء الدين تحقيق رغبته للعب في نادي الهلال .
قضية الطائي و شريك نديم النعمان
موقف إدارة أهلي مدني وهي تُفَعِّل مبدأ الوفاء و رعاية الذمم ذكرني بقصة قضية الطائي و شريك نديم النعمان وهنا ألتمس العذر منك أيها القارئ العزيز لنقلِّب صفحات كتب التاريخ و أسرد إليك هذه القصة :
قيل إنَّ النعمان بن المنذر كان قد جعل له يومين : يوم بؤس من صادفه فيه قتله و أرداه , و يوم نعيم من قابله فيه أحسن و أغناه . و كان هذا الطائي قد رماه الدهر بالفقر الشديد , فأخرجته الفاقة من محل استقراره ليرتاد شيئاً لصبيته و صغاره , فبينما هو كذلك إذ صادفه النعمان في يوم بؤسه , فلما رآه الطائي علم أنه مقتول لا محالة . فقال : حيا الله الملك إنَّ لي صبية صغاراً و أهلاً جياعاً وقد أرقت ماء وجهي في حصول شيء لهم , وقد أقدمني سوء حظي على الملك في هذا اليوم العبوس . فطلب من الملك أن يؤجل قتله لآخر النهار و يرجع لأهله كي يوصي بهم أهل المروءة من الحي لئلا يهلكوا ضياعاً ثم يعود للملك و ينفذ فيه أمر القتل
فلما سمع النعمان صورة مقاله وفهم حقيقة حاله قال له لا آذن لك حتى يضمنك رجل معنا فإن لم ترجع قتلناه , فكان شريك بن عدي بن شرحبيل نديم النعمان معه فالتفت الطائي إلى شريك و أنشده أبيات شعر جعلت من شريك أن يضمنه حتى يرجع قبل الظلام .
فكان أن تأخر الطائي حتى تولى صدر النهار و قال له النعمان تجهز لتنفيذ القتل في حقك فقال شريك ليس عليك عليَّ سبيل حتى يأتي المساء عندما حلَّ المساء قال الملك لشريك قم فتأهب للقتل وقتها قدم الطائي مهرولاً فقال مخاطباً لهم خشيت أن ينقضي اليوم قبل وصولي ثم وقف قائماً فقال للملك مُر بأمرك , فأطرق النعمان , ثم رفع رأسه و قال مخاطباً الطائي و شريك : و الله ما رأيت أعجب منكما أما أنت يا طائي فما تركت لأحدٍ في الوفاء مقاماً يقوم فيه و لا ذكراً يُفتخر به , و أما أنت يا شريك فما تركت لكريم سماحة يُذكر بها في الكرماء , فلا أكون أنا ألأم الثلاثة , ألا و أني قد رفعت يوم بؤسي عن الناس , و نقضتُ عادتي كرامة لوفاء الطائي و كرم شريك .
* آخر الأوتاد :
وفاء الأهلي مدني لعهده مع الهلال في النجم ولاء الدين درس يُستفاد منه وهو لا يقل عن قصة الطائي و شريك نديم النعمان .