حصاد الألسن عبدالله مسعود
صوت أم كلثوم (1- 4)
بدأت أم كلثوم تعرف معني الإستقرار الحقيقي علي القمة منذ عام 1960م إذ أن معني المنافسة لأم كلثوم كان قد إنتهي بالكلية. كان الشيخ زكريا أحمد يقول: أم كلثوم وبس، وبعد هذا يتساوي الكل حتي ولو كان لكل لون. إنتهي معني المنافسة بالنسبة لها حتي مع الكبيرات اللاتي نافسنها منافسة حقيقية وحامية في مطلع حياتها الفنية؛ فنراها في يناير 1962م تزور منيرة المهدية التي تركت عرشها لها، ثم فقدت بعد عرشها صوتها في أخريات عام 1963م.
هنالك أصوات جميلة ولكل منها لون ومذاق علي حد تعبير شوقي، ولكن ليس بينها صوت إستطاع أن يكون عادة لنا. أما الأصوات الأخري فهي في النهاية، كما أشرت في درجة سواء بالنسبة لطرق الأداء، إذا غاب أحدها أغني عنه الآخر بلا تغيير محسوس. ليس هنالك صوت متفرد لا بديل عنه. لقد نجحت ليلي مراد مثلا نجاحا كبيرا في الأغنية السينمائية ولكن التعويض تم بسرعة كأنه تلقائي أو مرسوم، فقد خلفتها شادية وفي إقتدار. ولكن الإستحالة الحقيقية وجود خلف لأم كلثوم بصورتها المرسومة. حتي فيروز الصوت النقي الشفاف، فإن صوتها علي صفائه الأبيض ونعومته التي تحاكي القطيفة، هو صوت محدود المقامات والطاقات. فالمنطقة الصوتية لفيروز لا تجاوز الثمان نفحات، بل أن بعض النقاد يعتبرونها بدورها مدرسة لا امتداد لها ألا وهي مدرسة الترتيل الكنسي. فهي، إذا صدقت هذه العبارة، صوت دائري يلتقي أوله بآخره.
ولكن هذا التفرد الشامخ لم يمنع صوتا، يرتفع من حين لآخرولو علي استحياء، مجاهرا بالنقد ومطالبا بالتطور والخروج علي الفورمات الكلاسكية الشرقية التي تلتزمها أم كلثوم أو يلتزمها ملحنوها والتي تتضافر مع المضمون الفردي لأغانيها وتعمل علي تكريسه. ولكن مثل هذا النقد كان يضيع فيما يضوع من بخور القماقم وحملها. ففي مطلع الستينات منحت أم كلثوم جائزة الدولة التقديرية باعتبارها تتصرف في اللحن الأصلي تصرفا فيه لون من التأليف بالغ الأثر في استكمال ذلك اللحن الأصيل والإبقاء علي اللحن الأصلي؛ وفي واقع الأمر أن تصرف أم كلثوم في اللحن هو لون من الوشي الفني لا التأليف، إذ هو إضافة جميلة أو تعميق للخط الأصلي من جمال الصوت واقتداره، ولكن تبقي بعد هذا الدلالة التي يقول بها الكثيرون وهي حالة الإنبهار التي تكاد تلف كل شئ حتي الهيئات الرسمية التي تتحدث هي الأخري عن أم كلثوم بأسلوب الشعر فتكتب عنها أعذب التقارير.
يقول الأستاذ / سليمان جميل في مقال له تم نشره في عدد الأهرام الصادر في10/1/1965م: "شخصية أم كلثوم أو عناصرها هو الصوت؛ وصوت أم كلثوم له مساحة من درجات الأنغام يمكن قياسها بأوكتافين. وكلمة أوكتاف معناها مساحة صوتية من ثمان درجات نغمية. والحقيقة أن مساحة الصوت في حنجرة أم كلثوم والتي تبلغ ستة عشرة درجة نغمية تمتاز بأن كل نغمة فيها تخرج كاملة الوضوح، وذلك من أول نغمة منخفضة في قرار مساحة الصوت إلي آخر نغمة حادة في قمة هذه المساحة الصوتية.
يقال أن المرأة يبدأ صوتها من المقام الثالث، أما المقام الأول والثاني فوقف علي الرجال، إلا أن أم كلثوم يبدأ صوتها من المقام الثاني. المهم أن صوت أم كلثوم لا يعرف فقط بتقدير مساحته، وإنما أيضا بقدرته علي أداء الحركة الموسيقية، أي الإنتقال من نفحة إلي أخري؛ والمفروض أن كل أصوات المغنيين لكي يتم صقلها لابد من تدريبها علي تركيز الصوت والإنتقال بين درجات السلم الموسيقي صعودا وهبوطا في حدود مساحة الصوت بالطبع، والتي تولد كإمكانية طبيعية في حنجرة المغني.
فأم كلثوم إكتسبت صنعة الأداء من المصادر التالية:
أولا: التدريب العملي علي إلقاء القرآن المنغم وأيضا أداء ألحان الموشحات الدينية.
ثانيا: التدريب العملي علي أداء ألحان القصائد والطقاطيق "الأغاني الخفيفة".
ثالثا: التدريب العملي علي أداء الحركات اللحنية في أغنيات القرية وعلي الأخص الحركات اللحنية التي يتكون منها الموال.
ولم تصل أم كلثوم إلي ما وصلت إليه من مهارة في إخراج الصوت الموسيقي في أنغام محددة واضحة أو في شكل قفزات سليمة بين درجات الأنغام إلا بعد مران طويل وشاق؛ والدليل علي ذلك أننا لو رجعنا إلي الألحان التي سجلتها أم كلثوم في طفولتها سنلاحظ أن ذبذبات الصوت كانت تنطلق من حنجرتها دون أن نحدد درجات ثابتة للأنغام. ويؤكد ذلك الألحان التي لحنها لها أحمد صبري النجريدي "وهو طبيب أسنان وموسيقار هاو" كطقطوقة ياستي ليه المكايدة ياكروان والنبي سلم شفت بعيني ماحدش قاللي وقصيدة علي الجارم مالي فتنت بلحظك الفتاك. ولعلنا لا نجافي الحقيقة إن إعتبرنا بعض ألحان أم كلثوم في العشرينات مجرد تدريبات لتركيز الصوت..أواصل بإذن الله.
عبدالله مسعود
الرياض المملكة العربية السعودية
17/7/1434هـ
27/5/2013م
صوت أم كلثوم (1- 4)
بدأت أم كلثوم تعرف معني الإستقرار الحقيقي علي القمة منذ عام 1960م إذ أن معني المنافسة لأم كلثوم كان قد إنتهي بالكلية. كان الشيخ زكريا أحمد يقول: أم كلثوم وبس، وبعد هذا يتساوي الكل حتي ولو كان لكل لون. إنتهي معني المنافسة بالنسبة لها حتي مع الكبيرات اللاتي نافسنها منافسة حقيقية وحامية في مطلع حياتها الفنية؛ فنراها في يناير 1962م تزور منيرة المهدية التي تركت عرشها لها، ثم فقدت بعد عرشها صوتها في أخريات عام 1963م.
هنالك أصوات جميلة ولكل منها لون ومذاق علي حد تعبير شوقي، ولكن ليس بينها صوت إستطاع أن يكون عادة لنا. أما الأصوات الأخري فهي في النهاية، كما أشرت في درجة سواء بالنسبة لطرق الأداء، إذا غاب أحدها أغني عنه الآخر بلا تغيير محسوس. ليس هنالك صوت متفرد لا بديل عنه. لقد نجحت ليلي مراد مثلا نجاحا كبيرا في الأغنية السينمائية ولكن التعويض تم بسرعة كأنه تلقائي أو مرسوم، فقد خلفتها شادية وفي إقتدار. ولكن الإستحالة الحقيقية وجود خلف لأم كلثوم بصورتها المرسومة. حتي فيروز الصوت النقي الشفاف، فإن صوتها علي صفائه الأبيض ونعومته التي تحاكي القطيفة، هو صوت محدود المقامات والطاقات. فالمنطقة الصوتية لفيروز لا تجاوز الثمان نفحات، بل أن بعض النقاد يعتبرونها بدورها مدرسة لا امتداد لها ألا وهي مدرسة الترتيل الكنسي. فهي، إذا صدقت هذه العبارة، صوت دائري يلتقي أوله بآخره.
ولكن هذا التفرد الشامخ لم يمنع صوتا، يرتفع من حين لآخرولو علي استحياء، مجاهرا بالنقد ومطالبا بالتطور والخروج علي الفورمات الكلاسكية الشرقية التي تلتزمها أم كلثوم أو يلتزمها ملحنوها والتي تتضافر مع المضمون الفردي لأغانيها وتعمل علي تكريسه. ولكن مثل هذا النقد كان يضيع فيما يضوع من بخور القماقم وحملها. ففي مطلع الستينات منحت أم كلثوم جائزة الدولة التقديرية باعتبارها تتصرف في اللحن الأصلي تصرفا فيه لون من التأليف بالغ الأثر في استكمال ذلك اللحن الأصيل والإبقاء علي اللحن الأصلي؛ وفي واقع الأمر أن تصرف أم كلثوم في اللحن هو لون من الوشي الفني لا التأليف، إذ هو إضافة جميلة أو تعميق للخط الأصلي من جمال الصوت واقتداره، ولكن تبقي بعد هذا الدلالة التي يقول بها الكثيرون وهي حالة الإنبهار التي تكاد تلف كل شئ حتي الهيئات الرسمية التي تتحدث هي الأخري عن أم كلثوم بأسلوب الشعر فتكتب عنها أعذب التقارير.
يقول الأستاذ / سليمان جميل في مقال له تم نشره في عدد الأهرام الصادر في10/1/1965م: "شخصية أم كلثوم أو عناصرها هو الصوت؛ وصوت أم كلثوم له مساحة من درجات الأنغام يمكن قياسها بأوكتافين. وكلمة أوكتاف معناها مساحة صوتية من ثمان درجات نغمية. والحقيقة أن مساحة الصوت في حنجرة أم كلثوم والتي تبلغ ستة عشرة درجة نغمية تمتاز بأن كل نغمة فيها تخرج كاملة الوضوح، وذلك من أول نغمة منخفضة في قرار مساحة الصوت إلي آخر نغمة حادة في قمة هذه المساحة الصوتية.
يقال أن المرأة يبدأ صوتها من المقام الثالث، أما المقام الأول والثاني فوقف علي الرجال، إلا أن أم كلثوم يبدأ صوتها من المقام الثاني. المهم أن صوت أم كلثوم لا يعرف فقط بتقدير مساحته، وإنما أيضا بقدرته علي أداء الحركة الموسيقية، أي الإنتقال من نفحة إلي أخري؛ والمفروض أن كل أصوات المغنيين لكي يتم صقلها لابد من تدريبها علي تركيز الصوت والإنتقال بين درجات السلم الموسيقي صعودا وهبوطا في حدود مساحة الصوت بالطبع، والتي تولد كإمكانية طبيعية في حنجرة المغني.
فأم كلثوم إكتسبت صنعة الأداء من المصادر التالية:
أولا: التدريب العملي علي إلقاء القرآن المنغم وأيضا أداء ألحان الموشحات الدينية.
ثانيا: التدريب العملي علي أداء ألحان القصائد والطقاطيق "الأغاني الخفيفة".
ثالثا: التدريب العملي علي أداء الحركات اللحنية في أغنيات القرية وعلي الأخص الحركات اللحنية التي يتكون منها الموال.
ولم تصل أم كلثوم إلي ما وصلت إليه من مهارة في إخراج الصوت الموسيقي في أنغام محددة واضحة أو في شكل قفزات سليمة بين درجات الأنغام إلا بعد مران طويل وشاق؛ والدليل علي ذلك أننا لو رجعنا إلي الألحان التي سجلتها أم كلثوم في طفولتها سنلاحظ أن ذبذبات الصوت كانت تنطلق من حنجرتها دون أن نحدد درجات ثابتة للأنغام. ويؤكد ذلك الألحان التي لحنها لها أحمد صبري النجريدي "وهو طبيب أسنان وموسيقار هاو" كطقطوقة ياستي ليه المكايدة ياكروان والنبي سلم شفت بعيني ماحدش قاللي وقصيدة علي الجارم مالي فتنت بلحظك الفتاك. ولعلنا لا نجافي الحقيقة إن إعتبرنا بعض ألحان أم كلثوم في العشرينات مجرد تدريبات لتركيز الصوت..أواصل بإذن الله.
عبدالله مسعود
الرياض المملكة العربية السعودية
17/7/1434هـ
27/5/2013م
