• ×
الجمعة 26 أبريل 2024 | 04-25-2024
عبدالله مسعود

حصاد الألسن

عبدالله مسعود

 0  0  1303
عبدالله مسعود
حصاد الألسن- عبد الله مسعود
موسيقى سيد درويش (1-2)
فى معظم ما كتب ونشر عن سيد درويش اهتم الكتاب بتأصيل حياته والأحداث التى مر بها أكثر من اهتمامهم بموسيقاه ، ويرجع ذلك إلى أن معظم من أرخوا لسيد درويش هم من غير الموسيقيين ، أما الشأن الفنى فلم يحظ بالاهتمام الكافى ، ونجد فى الفيلم السينمائى الوحيد الذى أنتج عن سيد درويش عام 1966م ضحالة تامة فى القصة والسيناريو والإخراج ، بل وإساءة أيضا إلى شخص الفنان المبدع والثائر على الفساد والاستعباد ، العاشق للوطن وللحرية ، والغيور على فنه والمحترم له ، والمجدد بل الباعث لنهضة فنية استمرت لعشرات السنين وألهمت أجيالا كثيرة بعده ، ففنان مثله يمكن أن نرى له عشرات الأفلام العظيمة دون أن يتكرر فيها مشهد واحد ، ويكفيه ما قدمه من أوبريتات رائعة ، أنتج بعضها على نفقته الخاصة. ومما يدعو للدهشة أنه رغم اعتراف الجميع ، من أهل الفن ومن خارجه ، بفضل سيد درويش إلا أننا لا نرى أيا من أعماله تدرس أو تبحث فى معاهد الموسيقى ، ومازالت المناهج الموسيقية الشرقية فى مصر رائدة الفنون تعتمد على التراث التركى فى معظمها. وربما يقول قائل أن سيد درويش لم يترك ثروة أكاديمية يمكن أن تعين فى صياغة مناهج التعليم والتدريب ، لكن الشيخ سيد ترك أكبر ثروة فنية فى تاريخ الموسيقى العربية على الإطلاق ، ليس بالكم بل بالكيف ، إذ أن كل لحن وكل قطعة تستحق الدراسة والتأمل. فى أدواره العشرة نجد كل دور من مقام مختلف عرض فيه سيد درويش الكيفية المثلى لمعالجة نغمات هذا المقام وفى ألحان رواياته هناك أكثر من 200 لحن لم تتكرر فيها جملة واحدة ، وفيها من اختلاف المواقف ما يكفى لعرض كافة حالات الشعور الإنسانى وكيفية التعبير عنها. فعلي سبيل المثال لا الحصر أتي ذلك العبقري بما لم تستطه الأوائل في تفرده بما يلي:
* أضاف مقاما موسيقيا جديدا (!) للموسيقى الشرقية أسماه الزنجران أبدع منه أحد أدواره، ولحن منها الأساتذة اللاحقون
* شرع فى تأليف كتاب موسيقى يضم نوت ألحانه.
* ومع انشغاله بتلك المهمة التاريخية لم ينس أن يكتب مقالاته فى الثقافة الموسيقية للصحف والمجلات يعلم وينور ، وكان يوقع بإمضاء خادم الموسيقى سيد درويش، ولكن لم يمهله القدر أكثر من ست سنوات هى كل عمره الفنى ، فقد بدأ فى سن 25 ورحل فى سن 31 ، ولم يكن ليتسنى له التفرغ لعملية أكاديمية وهو مشغول تماما بإنتاج أعظم ما أنتجته مصر من فن فى تاريخها الطويل.
* لقد قام سيد درويش فى مصر بما قام به بيتهوفن فى ألمانيا ، حيث صعد الاثنان ، كل بموسيقاه ، إلى القمة ، وفى حين مهد لظهور بيتهوفن عمالقة مثل باخ وهايدن وموتسارت إلا أن سيد درويش قاد انقلابا هائلا لم يسبقه أي تمهيد.
امتد تأثير سيد درويش إلى كامل المنطقة العربية عن طريق من ساروا على نهجه بعد رحيله ، وقد عاصر سيد درويش أواخر العصر الرومانسى الأوربى الذى شهد آخر مؤلف وهو إدوارد جريج النرويجى (1843 1907م) ، وترامت إلى مسامعه أعمال رواد الفن الموسيقى الأوربى حتى فيردى الإيطالى (1813 1901م) الذى صاغ أوبرا عايدة المصرية لحفل افتتاح قناة السويس عام 1869م، وكان رغم إعجابه بأعمالهم لا يقلدهم وإنما كانت موسيقاه معبرة تماما عن إحساس ومزاج الشعب المصرى الذى حرم طويلا من ممارسة الفنون الراقية بفضل الاستعمار التركى العثمانى الذى احتكر فن الموسيقى وصبغها بصبغته وقصر ممارستها على الطبقات الإقطاعية وأفراد الأسرالمالكة ، وقد تشابه دوره هذا مع دور بيتهوفن حيث وصف كل منهما بأنه خلص موسيقى شعبه من الآثار الأجنبية وانتمى إلى موسيقى أمته مباشرة ثم وصل بها إلى أعلى المراتب. وتنوع إنتاج سيد درويش ليشمل أنماطا عديدة من التأليف الموسيقى حاول بها إثبات أن كل شيئ مكتوب يمكن أن يلحن ويغنى مادامت هناك فكرة ورأى وموقف وإحساس ، حتى الأنماط الأقدم استعملها فى أساليب جديدة ، وما
يهمنا هنا هو أن موسيقى هذا الفنان قد احتوت على قدر عال من القيم الفنية يجعلها جديرة بالدراسة والتحليل والتأصيل والتنميط ، ونحن نشعر بينما نستمع إلى ألحانه أننا نستمع إلى أصول وليس إلى فروع أو تقليد. عندما سأل شيخ الملحنين الموسيقار السكندرى محمد عفيفى ، وهو أكبر حافظ لتراث سيد درويش ، عن بدايات اهتمامه بالفن أجاب: لقد أعجبت بألحان محمد عبد الوهاب كثيرا ، ولكن حينما استمعت إلى أعمال سيد درويش أدركت أننى أستمع إلى الأصل!
عبدالله مسعود
الرياض المملكة العربية السعودية
15/6/1434هـ الموافق 25/4/2013م
(من بحث أعده د. أسامة عفيفي)



امسح للحصول على الرابط
بواسطة : عبدالله مسعود
 0  0
التعليقات ( 0 )
أكثر

للمشاركة والمتابعة

تصميم وتطوير  : قنا لخدمات الويب

Powered by Dimofinf CMS v5.0.0
Copyright© Dimensions Of Information.

جميع الحقوق محفوظة لـ "كفر و وتر" 2019