• ×
الإثنين 29 أبريل 2024 | 04-28-2024
جلال داوود ابوجهينة

نحن كدة

جلال داوود ابوجهينة

 2  0  1442
جلال داوود ابوجهينة


تقديم :
الرومانسية قديما هي مختلفة تماما عن ما هي عليه هذه الأيام.
كانت تنقصنا الجرأة، وكان قانون العيب يقف حاجزا عند كل خطوة.
كنا نكتب كلمة أحبك على جذع شجرة،
وكانت الكلمة تتوسط قلبا يخترقه سهم والقلب يقطر دما، أو نقوم بإهداء الحبيبة منديلا مطرزا بخيوط ملونة على شكل قلبين ملتحمين.
الجلسات في حفلات العرس كانت منقسمة إلى رجال ونساء.
الفتيات لا يقمن للرقيص إلا بعد تحنيس، أو إن كانت صاحبة العرس قد جاملت في عرس يخص المدعوة للرقص.
الشبال كان حكرا على فئات في دفتر القرابة.
أما الآن ... فهاكم عينة :

***
مدخل :
نظر إليها ، فاتسعت حدقتاه.
و تلون بؤبؤ العين بألوان قوس قزح ،
شعر بأن صورتها قد إنحشرتْ في زوايا عينيه ،،
ودَّ لو يحبسها في قمقم و يغلق عليها الغطاء.
تمنى أن تقبع داخل محجريه،
فيغمض عينيه فيراها متوهجة داخله و كأنها تترقرق وسط كرة كريستالية لا يراها إلا هو ،
و يفتح عينيه لتتجسد أمامه كصورة منعكسة من ( بروجكتور ) يتحكم في ظهورها و إختفائها ، و في تكبيرها و تصغيرها.
و لأول مرة يحس بالفعل بأن الدنيا تضحك و تغني و تغرد كما العصافير.
و تحول الجو الخانق حوله ، إلى نسمات ربيعية ترطب وجهه.
و تحول الشارع المغبر إلى ممر معشوشب في حديقة غناء.
و إبتسمتْ له إبتسامة عريضة دون أن تعرف إلى أي حد إنفرجتْ شفتاها.
و رمقته بنظرة ،،
فإنكسر مسار نظرتها بين عينيه الجريئتين و بين الأرض في حركة دؤوبة متواصلة دونما إنقطاع ، و كأنها تحثه على نزال العشق و الوله في تحدٍ سافِر.
ثم إبتسمت له ، فأشرقت أمامه شموساً أخرى.
فنسي توبيخ أبيه له اليوم ، عندما عرف أنه جمَد سنته الدراسية،
و نسي ( المطرقة ) التي هوتْ بها فتاته السابقة فأدمتْ رأسه و قلبه ،
و نسي أنه دفع آخر ما يملك في فاتورة ( فطور ) دسم لشلة من البنات هذا الصباح ، و أنه ربما رجع لبيته مشيا على الأقدام.
نسى كل شيء و ذاب في الصورة و اللحظة.
كستْ روحه مسحة من الطمأنينة و الراحة ، و حطَتْ على وسادة من الأمان الداخلي ، و تمدَدتْ على تلة من رمال الأمل الذي يدغدغ كل ذرة في كيانه.
فأبتسم لها و تخيل أنها تقول في سرها : ليتني أستطيع أن ألتقط إبتسامتك و أضعها في حقيبتي كى تقبع بجوار أشيائي الصغيرة ، أعبث بها و أنا على مدرج الكلية ، و في البص ، و في الكافيتيريا ، أو أضعها صورة على شاشة جوالي.
قال لها : بصوت مرتجف ، و هو يخاف أن تصده :
صباح الخير . كيف ............. ؟
و لم تعرف عن ( كيفية ) أي شيء يسأل.
فقالت له و هي تطلق ضحكة كلها غنج و دلال : صباح النور
فإنبثق نور من دواخله غمر كل إحساسه ،، و شعر أنه ( مخدَر ) تماما ، و أحس بحرارة تلسع نافوخه ،، فتصبب عرقا.
جلسا سويا على المقعد الإسمنتي ، فأحس كأنه مقعد وثير.
تحادثا طويلا ،، يتكلم دون إنقطاع.
تعبث بيد حقيبتها و بالجوال الأنيق .
و يعبث بمفتاح ( درج دولابه ) الذي يشاركه فيه أخوه الأصغر.
تصلح من هندامها و من خصلاتها الشاردة على جبينها.
ينظر إلى حذائه المليء بالغبار ، يرجع رجليه للوراء في محاولة لإخفاء جواربه المثقوبة من الجوانب.
تبلل شفتيها بلسانها بين الفينة و الأخرى و كأنها غير واثقة من نداوتهما.
يقضم أظافره حتى وصل ( اللحم الحى ).
قالت أن أخاها سيحضر ليأخذها للبيت ( بالكامري ) ، و تريد أن تخبره بأن لا يأتي حتى يستطيع هو أن يقوم بتوصيلها.
تحسس جيوبه التي ينعق فيهما البوم ،،
قال : عربيتي في الورشة
جف حلقه ،، و لم يجد ريقا ليزدرده.
قالت إنها عطشى .
تجاهل طلبها ،، فهو يعلم أن صاحب البوفيه لن يعطيه ( قطرة ماء ) حتى يسدد ما عليه من ديون.
إستعمل كل مهاراته الكلامية ،، و حديثه العذب في أن يجعلها تصرف النظر عن العطش و عن دعوتها إلى مطعم فاخر.
قامت مستأذنة.
قال : متى أراك ؟
قالت : أنا كل يوم هنا
في الغد ،، أتى و هو ينتعل حذاء صديقه بعد أن وعده بأنه سيمشي به على مهل ، و أنه سيتحاشى الإرتطام بالحجارة ،
و سيتجنب كل المياة المدلوقة على قارعة الطريق.
في جيبه تقبع بضع جنيهات تكفي لكوبين من العصير
و ساندويتشين و جولة قصيرة ( بالركشة ).
رآها تجلس في عربة فارهة بالقرب من شاب أنيق ، و رأسيهما قاب قوسين أو أدنى من الإلتحام.
إقترب منها ،، ثم إنحنى كما جرسونات فندق خمسة نجوم و قال لها : صباح الخير ،، ممكن تنزلي نقعد هناك في محل أمبارح؟.
نظرت إليه نظرة ملأته شكا و ريبة.
قالت له : شنو قلة الذوق دي ،، مش شايفني قاعدة مع واحد و بتكلم معاه.
ثم نظرتْ إليه نظرة ذات مغزى .نظرة كانت تعني ( أمشي من هنا )
فبهت الذي إنساق وراء أوهامه.
و عرف أنها غاصت في دواخله بعد كل تلك ( الإرهاصات ).
فتحت باب السيارة و قالت له بصوت أحس فيه كل لؤم الدنيا : إنت عارف منو القاعد في العربية دة ؟ أنا و هو شبه مخطوبين.
و لم يطرف لها جفن و هي تنتزع أحشاء أمله الوليد .
فضحك ضحكة هستيرية لفتتْ إنتباه الجالسين و الجالسات .
لم يأبه للذين يحملقون فيه.
كرر ضحكاته بوتيرة تصاعدية ، و هو يتلفت وراءه كالمأخوذ .
و مضى بعيدا و هو غير عابيء بحذاء صاحبه ،، ركل كل حجر صادفه ،،
و ركل أرجل المقاعد الأسمنتية ،،
و تعمد المشي على كل المياة المتناثرة هنا و هناك.
و لعن أشياءا كثيرة في سره ... طالتْ أشياءاً و أناساً ...
امسح للحصول على الرابط
بواسطة : جلال داوود ابوجهينة
 2  0
التعليقات ( 2 )
الترتيب بـ
الأحدث
الأقدم
الملائم
  • #1
    هاشم 02-13-2012 09:0
    أبا جهينة ... حبابك هل كانت هي الحبيبة التي يتهستر (من الهيستيرية) من أجلها؟! هو مخادع ومتجمل وهي تجري وراء نفسها ولا خاسر بينهما... أسلوبك باذخ يا ماتع الهاشم
  • #2
    واحد سوداني 02-12-2012 03:0
    شكلك يا ابو جهينة زعلان من بنات الجيل الحالي السمااااات وسماحة شديدة كمان، صحيح في سماحة زي بتاعت (KY) (العربية الكي واي) ودي طبعا بتكون الوجه شكل والبودي شكل تاني خالص(اسود واصفر) لكن برضو اسمح من بناتكم زمان..قالوا الحلة كلها بكون فيها بت وااااحدة سمحة وهاك يا شكل وصراع. لانو الباقيات كلهن(يقطعن الخميرة من البيت) شناةً ما تديك الدرب.. بعدين يا استاذ منو القاليك كل بنات الزمن ده بعملوا كده؟؟؟ والله في بعضهم مخلصات وصادقات جدا وما بتاعات مصالح... لكن لانهم كتاااار شديد بالتالي الناس بتحس بانهم بتاعين مصالح ولعب... فالتعميم فيهو ظلم شديد...وده نوع من التشبث بالحياة كل زول بدافع عن جيلو.. لكن زمان: النصيحة ليك يا الله مافي سماحة زي هسع...
أكثر

للمشاركة والمتابعة

تصميم وتطوير  : قنا لخدمات الويب

Powered by Dimofinf CMS v5.0.0
Copyright© Dimensions Of Information.

جميع الحقوق محفوظة لـ "كفر و وتر" 2019