• ×
الإثنين 29 أبريل 2024 | 04-28-2024
جلال داوود ابوجهينة

نحن كدة

جلال داوود ابوجهينة

 1  0  1766
جلال داوود ابوجهينة
علم البديع، علم بديع في لغة الضاد، وفي دارجة أهل السودان حصيلة من المفردات (البديعة) تفوق مفردات علم البديع عند العرب العاربة والمستعربة.
والدلالات على ذلك كثيرة بشهادة معظم الفطاحل والجهابذة في هذه اللغة وبإعترافهم بأن السودان سيكون خط الدفاع الأخير للغة العربية بالأدباء والكتاب الشعراء.
علم البديع هذا يتكون من الأقسام التالية:

(1) المبالغة :
وهي بلوغ المتكلم في وصفه لأمر من الأمور حدا مستبعدا أو مستحيلا ، سواء كان ذلك في الشدة أم في الضعف مثل قول الشاعر عمرو بن كلثوم :

إذا بلغ الفطام لنا صبي تخر له الجبابر صاغرينا

( عمرو بن كلثوم ) هذا لو كان حياً إلى يومنا هذا، ما أن تبشره الداية وتقول له مبروك جاك ولد وتزغرد الحبوبة، حى ترتجف أوصال ناس القصر الجمهوري والقيادة العامة ودول الجوار تعلن التعبئة العامة نتينياهو يقول ألحقنا يا عم سام. و الريس المصري يقول :

الله ، هو قِهْ ( يعني هو جا ؟ ) ، بأوولك إيه يا طنطاوي ، إطلعوا من حلايب و شلاتين بسرعة أحسن الواد دة يطربقها على دماغ اللي خلفونا.

ويوم سماية الولد الهزبر هذا ، يعاد النظر في التوالي و مشاكوس و نيفاشا بشقيها و أبوجا، و الدوحة تغلق ملفات دارفور ويعاد النظر في الأحزاب المؤتلفة و المؤلفة قلوبهم و المهمشة والمهشمة أفئدتهم..

نحن السودانيين ، بلا فخر ، أجدع ناس في علم المبالغة.
فلو أردنا أن نعمل ( زوووم ) لأي موضوع، لا يمكن أن يتم تعديل هذه المبالغة إلا بزوم معاكس من نفس المصدر أو ( بنيران صديقة ) فنقول ( الضحك شرطو) ، هذه المبالغة بالذات تخيفني، فمعنى هذا أن نهاية الشفتين عند إلتقاءهما بالجضوم معرضة للشرط في أي لحظة بسبب ضحكة مجلجلة. وما أكثر المضْحِكات المبكيات أيامنا هذه ...

ونقول عندما نريد أن ندعو على أحد : ( الحمى ال يَجِسُّوها بالمجس أو بالمقص).
يعني الحمى بتاعتك دي ، ومن شدتها لا يمكن لأحد ملامسة بشرتك وسطح جلدك إلا بمقص والذي ستسري الحرارة من خلاله إلى الذي يجس حرارتك البركانية هذه دون قراءة أي أرقام ترموميترية ، يكفي أن نعرف أنك محروق و ريحتك شايطة.
بلاغة غتيتة.

عندنا مثل جميل في السودان ( ما بريدك، وما بحمل بلاك ). فهذا يعني علاقة المصلحة فقط ، أو يصلح كدعوة للتعايش السلمي بين قبائل التماس.

نقول أيضا ( ريحتو ترمي الصقر الطاير في السما ) ، معنى هذا أن لدينا ريحة ( غير متعوب في صناعتها ) يمكن أن نستعملها بدل صواريخ إستنغر أو توماهوك ، سلاح سري لا يحتاج إلى منصات إطلاق .

أنظروا لقوة المعنى و قوة الفخر الموغلة في المبالغة في هذه الجملة : ( سيوفهم تلحس الفِقْرة ) ، فهذه السيوف من حدتها ، ما عندها وقت تقطع أو تجز أو تنحر، إنما هي لحسة واحدة كلحسة اللسان للآيس كريم و تكون فقرات العمود الفقري قد إنقسمت إلى دوائر كحبات الخيار في طبق السلطة.

نذهب للقسم الثاني من علم البديع :

( 2 ) المطابقة : وهو أن يجمع المتكلم في كلامه بين كلمة و ضدها في المعنى ، مثل قول أبي فراس الحمداني :

أراك عصي الدمع شيمتك الصبر أما للهوى نهي عليك و لا أمر

فقد جمع الشاعر بين المصدر ( أمر ) و ضده ( نهى ).

كتب أحد الأطباء السودانيين الظرفاء لمريضه و صديقه الأكول النهم :

أراك عصي المضغ شيمتك البلع أما لبطنك نهي عليك ولا أمر
فرد عليه الصديق :
بلى إني أحب الأكل و بي لوعة .......... و لكن جوعي لا يكفيه بحر

و قال الشاعر :
خلقوا و ما خلقوا لمكرمة فكأنهم خلقوا و ما خلقوا
رزقوا و ما رزقوا سماح يد فكأنهم رزقوا و ما رزقوا

معنى هذا أن هؤلاء الناس خلقهم الله و رزقهم من نعمائه و لكنهم كأنهم لم يخلقوا و لم يرزقوا لأنهم تنقصهم المكارم و أيضا بخلاء ، فلا صدقة و لا زكاة تماما مثل الذين يكنزون المال ، إلى أن تأتينا حكومة جديدة ، فيذهبون للبنك و هم يحملون أموالهم في الشوالات المهترءة و الصفائح الصدئة لتغييرها بالعملة الجديدة.
أم رشا عندما كانت في بنك السودان سألتْ أحد هؤلاء الكانزين عندما أتى للتغيير و هو يفرغ شوالاته بالعملة ( التي تغير لونها ) :
قروشك ديل كم يا حاج ؟
فقال : و الله ما متأكد ، لاكين كل ربطة أدوني قصادا ربطة زيها.
و كأن عملتنا قد تحولت إلى ربطات ملوخية و جرجير.

(3) المقابلة :

أن يؤتى بمعنيين متوافقين أو بمعان متوافقة ثم بضديهما أو بأضدادهما على الترتيب مثل قول أبي فراس :

أيضحك مأسور و تبكي طليقة و يندب محزون و يسكت سالٍ ؟

هنا مقابلتان ثنائيتان : الأولى ( أيضحك مأسور ) و معناها أيضحك من هو في السجن ، و يقابلها ( تبكي طليقة ) و معناها هل تبكي من كانت حرة طليقة فأنظر إلى يضحك و تبكي ثم مأسور و طليقة.
المقابلة الثانية ( يندب محزون ) و معناها هل يعدد المحزون أحزانه و يقابلها ( يسكت سالٍ ) ، معناها هل يسكت رجل ذو تسلية . فأنظر إلى يندب و يسكت ، ثم محزون و سال.ٍ

( 4 ) التورية :

أن يذكر المتكلم في كلامه كلمة لها معنيان : أحدهما ظاهر قريب غير مراد أو مقصود و الآخر خفي بعيد لا يفطن له الذهن مباشرة و هو المراد و المقصود ، مثل قول الشاعر :

يمر بي كل وقت و كلما مر يحلو

التورية في كلمة ( مَرَّ ) ، فالمعنى القريب الظاهر غير المقصود و المراد من المرارة بدليل أن الشاعر ألمح بكلمة ( يحلو ) ، و المعنى البعيد الخفي المراد هو المرور.


(5) الجناس :
هو ما إختلفت فيه الكلمات في أنواع الأحرف أو شكلها أو عددها أو ترتيبها مثل :

يا للغروب و ما به من عَبرة للمستهام و عِبرة للرائي

العين في عبرة الأولى مفتوحة و في الثانية مكسورة.
و الجناس بين عبرة بمعنى دمعة و بين عبرة بمعنى عظة و هما متجانستان في جميع أحرفهما و مختلفتان في التشكيل فقط و هذا جناس ناقص ، أيضا مثال :

بيت من الشعر و بيت من الشعر ( بكسر الشين في الأولى و فتح الشين في الثانية).
أما الجناس التام هو ما إتفق فيه كل شيء حتى التشكيل مثل :

خليلي إن قالت بثينة : ماله أتانا بلا وعد ؟ فقولا لها لها

الجناس بين اللفظين لها و لها. فالأولى حرف جر مع ضمير متصل و الثانية فعل ماضي يلهو.

(6) الإقتباس :
و هو تضمين الكلام أو الشعر شيئا من القرآن الكريم أو الحديث الشريف :

مثل :
أنا شيخ الغرام من يتبعني أهده في الهوى صراطا سويا
أنا ميت الهوى و يوم أراهم ذلك اليوم يوم أبعث حيا
إن كانت العشاق من أخبارهم جعلوا النسيم إلى الحبيب رسولا
فأنا الذي أتلو لهم يا ليتني كنت إتخذت مع الرسول سبيلا

(7) السجع :
و هو توافق الفاصلتين أو الفواصل في الحرف الأخير من النثر مثل قول الخنساء في أخيها :

طويل النجاد ، رفيع العماد كثير الرماد إذا ما شتى

و نحن قوم في السودان ، يجري السجع فينا مجرى الدم ، و يتلبس الحادي في العتامير و البوادي ، والشاعر في إنقطاعه و الأديب في صالونه ، حتى النساء ، هن ساجعات في بيوت البكيات ، وبيوت الأفراح و حتى الأمهات في تدليعهن للأطفال يقلن و هن يقمن بالتهشيك :
( يا عشا البايتات ، مقنع الخايفات ، أخو البنات ، فارس الحوبات ، دافس العركات ، )
و لزوم مجاراة روح العصر تمت إضافة : راكب الركشات ، فالركشة تحتاج لقوة قلب خاصة في الكلاكلات و الدروشاب ).
أنظروا لهذا التدليع من الأمهات في السودان ، و تدليع الأمهات لأولادهن عند الغير :من العرب العاربة:

تعال يا حبيب ماما يا كميل ( كميل معناها جميل ، و أستبدل حرف الجيم بالكاف لأن الكاف حرف لطيف على الأسنان و الحلق و اللسان خاصة عند مضغ اللبان اللادي ).
تعال يا بيضا يا حلوة يا طعمة . ( هذا من كثرة أكل الجبنة الحلوم).
وينك يا بعد قلبي و كبدي ( دي غايتو شتيمة مبطنة .. لأنو بعد قلبها و كبدها أظنو بيقع الطوحال أو المرارة و الإتنين ديل سمعتهم ما كويسة ).
تعال يا نظر عيني ( يعني ديل أصلهن ما يحتاجن نضارات أو عدسات لاصقة ، لإنو عندهن الولد دة بالنسبة ليهن نظر إحتياطي ).

إحدى المصريات في الرياض ، ذهبت مع جارتها السودانية لتعزية جارتهن التي جاء خبر وفاة عمها بالسودان، و تصادف وجود إحدى قريبات المتوفي ، و هي إمرأة من الجيل الذي شارف على الإنقراض ، و كانت تبكي و هي جالسة في نص الأوضة و النساء متحلقات حولها :
الليلة وووووب يا جمل الشيل ، الليلة ووووب يا ميزان الدهب الوزنو تقيل.. يا بحر الدميرة يا أسد القبيلة ، الليلة ضيفانك باتوا القوى في المسيد ، يا سيد الكرم و قايد الأجاويد).

فهمستْ المصرية في أذن جارتها السودانية : إنت مش قلتيلي إنو المتوفي إسمو الحاج ساتي ، أمال دول كلهم ماتوا إمتى ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

امسح للحصول على الرابط
بواسطة : جلال داوود ابوجهينة
 1  0
التعليقات ( 1 )
الترتيب بـ
الأحدث
الأقدم
الملائم
  • #1
    واحد سوداني 02-05-2012 03:0
    ما اجمل طلتك البهية استاذ جلال... لماذا تطيل الغياب؟؟ انا قلت يمكن زول بحري بتاع المرة الفاتت اعتقلك ولا حاجة؟؟؟ بالمناسبة ما كتبته اليوم يذكرني قصة كانت في قريتنا.. واذكر عندما اشترى احد الجيران تلاجة جديدة فجاءت احدى حبوباتنا وناولناها ليك كوز مويه باااارد فقالت: (ألميكو بارد حار) بتفخيم الراء في كلمة (حار) وتقصد ان المويه او (مويتكم) باردة شديد فذكرت المتناقضين (بارد وحار) لتأكيد المعنى... وقد اصبحت الان من حكاوي القرية.. وما اجملها لغتنانقول (قام قعد) و (كلمتك ستين مرة) و (حذرتك ستين مرة) وغنى الفنان ( تروح ان شاء الله في ستين) ويقول ليكريحة كريهة قدّت الواطة)وغايتو... تحياتي لك مجددا استاذ ابوجهينة.. وما تّطول الغيبة..!!!
أكثر

للمشاركة والمتابعة

تصميم وتطوير  : قنا لخدمات الويب

Powered by Dimofinf CMS v5.0.0
Copyright© Dimensions Of Information.

جميع الحقوق محفوظة لـ "كفر و وتر" 2019