• ×
الإثنين 29 أبريل 2024 | 04-28-2024
جلال داوود ابوجهينة

نحن كدة

جلال داوود ابوجهينة

 2  0  1311
جلال داوود ابوجهينة


الخرطوم بحري ( ذات صيف )
لبيت دعوة أحد المعارف في بيته، وهناك واجهني أحدهم دونما سابق أي معرفة.
قال : ممكن أعمل معاك ريبورتاج صحفي ؟ معليش المكان والوكت ما مناسبين ولكن إنت ما بنلقاك بسهولة.
نظرت إليه، فوجدته أنيقا .. ذي وجه طلق بشوش، ولكن يشوبه قلق بائن.
فوقفت وسلمت عليه بحرارة وأنا أحاول أن أستوعب سبب إختياره لي دون خلق الله في منزل زميلنا وصديقنا في المناسبة التي ضمت الكثيرين بالخرطوم بحري.
قلت له : وليه أنا بالذات ؟
فقال وكأنه مقتنع تماما بأنني سأستجيب لتحقيقه الصحفي : أنا سمعت عنك كتير وعاوزين نعرف خلفياتك وكدة.
إنتفختْ أوداجي بهذا الإطراء الذي أتخمني به هذا الذي لا أعرفه.
قلت له : طيب أنت بتشتغل في ياتو جريدة ؟
قال وهو يفتح دفترا ويستل قلما من جيبه دون أن يجيب على سؤالى ومتجاهلا إياه تماما : أها ممكن نبدأ الأسئلة؟
قلت وقد غاظني تجاهله لسؤالي : جاوبني بالأول.. إنت في ياتو مطبوعة ؟
قال وهو ينظر لي نظرة مباشرة ومخيفة وعيناه تلمعان ببريق مرعب : أسئلتك كتيرة يا أخي. أنا اللي بسأل مش أنت...
تغامز الجميع وهم يكتمون الضحك، فعرفت أنهم كانوا يعرفون من هو.
أما أنا فقد فاجأتني إجابته الفظة وحاولت أن أقف لأرد عليه الرد المناسب وأنسحب من أمامه، إلا أن زميلي وقف خلفه وأشار لي بيديه، ففهمت من إشارته أن زولنا ( به شيء ما أو خلل عقلي ) وقال زميلنا : أخونا صحفي جانا عن طريق واحد قريبي.
كنت غير مقتنع بمحاورة رجل مختل العقل لا يمكن التكهن بردود أفعاله تجاه أجوبتي وردودي
قلت له ممتعضاً: إتفضل إسأل.
فقال وهو ينظر إلى من تحت نظارته : الأخ متزوج ؟
قلت مستسلما : أيوة و لله الحمد.
فقال وهو يكتب وكأنه قرفان ومجبر على محاورتي : واحد أهبل جايب واحدة من بيت أهلها وخاتيها معاهو وبيصرف عليها...
غالبتُ ضحكة خوفا من أن تخرج مجلجلة فيسيء فهمي هذا (المتصحفن) ،
قلت له : تقصد شنو ؟ دي زوجتي وأم عيالي...
فقال بحدة : أقصد إنك أهبل وبس. ما علينا. أبوك وأمك عايشين ؟
قلت : لا
فقال وهو يكتب : مقطوع من شجرة ويتيم ما عندو ضهر... طيب حبوباتك عايشات ؟
قلت: لا..... الله يرحمهم جميعا
فقال و هو يكتب : ما عندو قديم ، والناس القُدام ما بيتلقوا في السوق الأسود ،، ما علينا. بتشتغل وين ؟
قلت : أنا مغترب
قال : هربان من البلد المسجم والمرمد.
قلت له : ربنا قال ( أسعوا ) في مناكبها بحثا عن الرزق.
فقال : السودان ما فيهو مناكب ؟
طريقة محاورته لي تبدو وكأنه لا يريد التفاهم مع نفسه داخليا، لذا فإنه يسأل ويجاوب على الأجوبة بمفهومه هو ورأيه الشخصي بصوت عال نظرا للخلل الذي أصاب عقله فأفقده خاصية التحدث إلى نفسه دون الإستعانة بشخص يحاوره.
ثم واصل : عندك أولاد ؟
قلت : أيوة ، الحمد لله ............
فقال وهو يكتب : زول ما عندو تلفزيون ولا شغلة بالليل غير التفريخ وولادة الشفع وبيصرف عليهم ولما يكبروا حيفوتوا يخلوهو في الصقيعة. ما علينا، مين أكتر ناس خدموا السودان ؟
قلت : شهداء الوطن طبعا ............
قال وهو يواصل الكتابة : كضبا كاضب. أكتر ناس خدموا السودان هم الشوايقة وعربات الكومر، الشوايقة لأنهم أكتر ناس إشتغلوا في العسكرية والكومر لأنو حام السودان حتة حتة......
هنا ضحكت ، فقال : في حاجة بتضحك ؟
فقلت : الشوايقة عرفناهم ، الكومر ...
وقبل أن أكمل قال : الما عارف يقول عدس، وإنت العدس ذاتو الظاهر بتاكلو وإنت قايلو كاستر بي لبن ...............
ثم واصل وأنا أتابع حركات يديه حتى لا يباغتني بضربة من الطفاية أو بطبزة في عيني من القلم الذي في يده :
قال بسرعة : الطير بيتكلم وين ؟
فقلت له : الطير البيتكلم هو الببغاء وبيتكلم لما صاحبو يعلمو الكلام في البيت.........
فقال : إنت عايش وين ؟ الطير بيتكلم في الباقير، لاكين بلدكم طيرا عجم وناسا بجم ....
وضحك ضحكة هستيرية ،
ثم قطع الضحكة فجأة و كست وجهه مسحة الجدية والغضب وقال :
الضحك بلا سبب قلة أدب. والهظار الكتير بيكتل القلب. ما علينا. إنت حبيت قبال دا ؟
قلت : طبعا...........
قال بجدية : طعمو كيف ؟
قلت : الحب بيعيشوهو ما بيضوقوهو......
فقال : ما تتفلسف علينا ... خليك في حدودك. الحب حياة ، والحياة فيها المر وفيها الحلو، أها عشان كدة الحب عندو طعم الحلو مر .....
***
كلام منطقي متسلسل، لا بد أنه ينبع من تجربة مريرة عاشها خلال تمتعه بكامل قواه العقلية............
لعنت زميلي وقريبه وسنسفيل اليوم الذي عرفتهما فيه
ثم واصل : الصلاة بتنتظر الوكت ولا الوكت بينتظر الصلاة ؟
فسكت وأنا أفكر في هذه الغلوتية. فقطع صمتي قائلا : الوكت والصلاة متباريات زى السترة والفضيحة وزى قواديس الساقية وتروس الساعة.
قال : برجك شنو ؟ قلت له بسرعة : العقرب.
فقال : كل المسلمين حيغيروا تواريخ ميلادهم. برجهم حيكون برج التجارة العالمي، وتاريخ ميلادهم حيكون حداشر سبتمبر.
ثم وقف مخاطبا الحضور بخطبة عصماء هي عبارة عن خليط من كل المواضيع والأمور ، وختمها بشتيمة الرئيس البشير والقائد قرنق ، قال فيها :
السودان، بلد الموجوعين وما عندو وجيع، و بلد السادة وما عندو سيد. النار إكتشفوها أجدادنا في سنار قبال جدود العالم الأوائل ، عشان كدة عندنا أم سنط و أم دوم و أبو حراز و أبو عشر و حلفا والحلفاية و قاطعين كهربا ليل نهار. إمامنا المهدي ، أذكى من تشرشل و رومل و هتلر ، لما فكر يعمل دولة إسلامية ، بداها من وسط جبال الغرب، عشان لو سواها في الشمال ، ولَا في الشرق بجوه الجماعة بالبحر و من جهة مصر. نيرون حرق روما و عجوبة خربت سوبا بكيماوي سوداني... سودانا فوق ، عشان كدة ضربوا مصنع الشفا. هلال مريخ ، بن لادن و بوش ، لحم الصاج و فتة بوش ، بترولنا طلع .
عرفت فيما بعد أن زولنا خريج إقتصاد ، ولكنه للأسف تابع تدخين حشيشة البنقو إلى أن آل إلى ما آل إليه مأسوفا عليه.
يخلط الجد بالهزل ، و أحيانا تشعر بأنه أعقل إنسان و أحيانا يفاجؤك بكلام غير منطقي ، و أحيانا عطوف و تارة يثور و يحاول الإعتداء عليك بالضرب.
أحيانا يقوم بتدريس أولاد الحى الرياضيات الحديثة بكل إقتدار ، و أحيانا يمزق كتبهم و كراساتهم ويخرج ساخطا و لاعنا ثم يهدأ و كأنه لم يفعل شيئا..
شفاه الله و حماكم الله و إيانا.
امسح للحصول على الرابط
بواسطة : جلال داوود ابوجهينة
 2  0
التعليقات ( 2 )
الترتيب بـ
الأحدث
الأقدم
الملائم
  • #1
    فيصل الاقرع 01-29-2012 03:0
    استادنا جهينه ان هدا الرجل جن لانه اتهم بالجنون وانا اري ان خطبته ملأ بالمنطق الدي لم نفكر فيه نحن الدين نظن اننا عقلاء ارجو ان تواصل في الموضوع بالرد علي تعليقات القراء
  • #2
    واحد سوداني 01-29-2012 01:0
    بختك يا ابو جهينة هسع ده ما ترفيه مجاااان وكده...ياخي ده زول لقطة... منقة عديل.... هسع زي ده في الغربة تلقاهو وين؟؟؟؟شفت السودان حلو وجميل كيف؟؟
أكثر

للمشاركة والمتابعة

تصميم وتطوير  : قنا لخدمات الويب

Powered by Dimofinf CMS v5.0.0
Copyright© Dimensions Of Information.

جميع الحقوق محفوظة لـ "كفر و وتر" 2019