• ×
الإثنين 29 أبريل 2024 | 04-28-2024
جلال داوود ابوجهينة

نحن كدة

جلال داوود ابوجهينة

 0  0  1666
جلال داوود ابوجهينة
مسرحية من فصل واحد

المشهد الأول :

يجلس أمام الكمبيوتر .. يداعب مفاتيح اللوحة بعصبية واضحة ..
يبث شوقاً ( في الماسنجر ) الداخلي ..
يضع بكل أناة و صبر رداً يحاول جاهداً أن يكون أنيقاً و منمقاً يفوح منه العشق و ما يعتلج بدواخله و هو يتخيلها بإستدعاء صورتها التي أسفل إسمها في المنبر .
يتلقى رداً باهتاً هزيلاً لا يتناسب و ما يبثه من رقة .. رداً لا يَمِتُّ إلى ما يكتب بِصِلَة ..
لا ييأس .. بل يزداد إصراراً ...
يلقمها كلماتاً أكثر إلتهاباًَ .. و ينتظر متلهفاً رداً أكثر حرارة ..
تواصل برودها و إلتفافها حول الكلمات ..
همهم بكلمات ، حمِد الله أنها لن تسمعها منه.
تأكد أنها مراوغة من الدرجة الأولى ..
أو ربما الغزل عبر هذا الفضاء الجديد لا زال يكتنفه الغموض و شيء من الحذر .. معها كل الحق إذن في هذه الحالة.
يواصل قذائف حبه و زخات ولهه و لوعته ..
ترد عليه و كأنها تهز كتفيها لا مبالية ..


المشهد الثاني :

أحسَتْ بأن حرارة إندفاعه قد بدأتْ في التراجع ..
فبدأتْ هي برفع وتيرة الحديث .. و بدأتْ هجوما معاكسا و منظَّما ..
وتيرة الحبيب في تراجع مستمر و كأنه قد بدأ يمل عدم إكتراثها .. أو ربما بدأ تكتيكاً يعتمد التقهقر و التراجع لجَرِّ الطرف الآخر إلى منطقته ثم يبدأ في رمى شباكه بدقة.
فاجأته برسالة تحيطها قلوب حمراء تقفز في إستفزاز : بحبك يا عنكبوتي .. شباكك و لا ( أوهن من بيت العنكبوت ) ولا حاجة .. إنت صياد ماهر .. أساليبك أخطبوطية ..( ثم وضعتْ هنا وجهاً تعبيرياً يمد لساناً أحمراً و كأنه قد شرب للتو عصير كركدي ساخن ) ..

المشهد الثالث :

كلَّمتْه .. و لما كلمتْه .. كَلَّ أصبعه من النقر على اللوحة .. و تثاءب .. و الليل ما زال مشروع جنين في الأحشاء .. فهو يواصل يومه منذ الصباح الباكر دونما راحة بين العمل و شاشة الجهاز..
تنقلا من الماسنجر إلى البريد الأليكتروني .. ثم إلى المنبر ..
ثم رد عليها في ( بوست ) رداً مغلفاً لا تفهمه إلا هي ..
فردتْ بأن وضعتْ وجهاً يعتمر نظارة سوداء كرجال المباحث و المخبرين و تقصد بذلك ( فهمتك يا لئيم ) ..

المشهد الرابع :

أطفأ الجهاز و رقد ..
لم تطفيء الجهاز .. و لم ترقد ..
نقرتْ على أيقونة الماسنجر ..
لا حياة لمن تدعوه للنزال ..
طال أرقه و أيقوناتها التعبيرية تتقافز حول وسادته و أمام جفنيه و خلف مخيخه.. قام إلى الجهاز و كأنه سيتفاجأ بمن سيقول له : مش قلتَ حتنوم .. ليه صحيت ؟..
وجدها تحاول القفز إلى جهازه كقطة تشابي للوصول لكورية اللبن المتدلية من ( المشلعيب ) ..
جلس القرفصاء أمام كلماتها ..
ثم أضمر حاجة .. و أبرم أمراً ..
( تتزوجيني يا إسفيرية ؟ )
لم ترتجف أصابعه .. و لكن ظل وجهه ترتسم على قسماته عدة إنفعلات بعدد توقعاته لإجابتها على طلبه ..
قالت بسرعة : أيوة موافقة.. ( قالتها و كأنها تقبل دعوة للفسحة على الكورنيش ) ..
هنا .. لا مكان لإحمرار الخدود .. و التواري خجلاً و كسوفاً .. فالكمبيوتر قد جعل الوجوه ( خناجراً ) و الأنامل ( سيوفاً بلا أغماد ) و الخدود في لون الدبلان ..
المشهد الأخير :

غرفة البالتوك تضم : الحبيب العنكبوتي و المحبوبة الإسفيرية و وكيل العروس ( عمها و هو ولي أمرها و متصفح للإنترنت و مواظب ) لأن أبوها مغترب ( بيشتغل عامل تربية نحل على الحدود مع اليمن السعيد مع أن تخصصه مساعد طبي ) و ما جايب خبر النت و لا الفضاء العنكبوتي و لم يسمع بهما قط..
و الشاهِد الأول عضو منبر و معه مأذون قريبه ( عندو فكرة بسيطة عن الإنترنت و عالم الكمبيوتر ) ..
و شاهد ثان عضو منبر برضو ..
و عضوة صديقة حميمة للشاهد الثاني و جارته ( حيطة بالحيطة ) لزوم الزغاريد ( و هي متصفحة و ليست عضوة ، قامت بعمل بروفات على الزغاريد أمام المايك و مراية دولابهم المكسورة ) ..
و بدأتْ الطقوس العنكبوتية ..
يللا يا مولانا إتكلم الخط معاك ..
مولانا مستغرباً و مندهشاً و هو ينقل بصره بين الشاشة و الإسبيكر و الموجودين معه ثم قال و هو يداعب مسبحته الكهرمانية: هم حسع كلهم معانا في الخط ؟ يعني ما بقدر أشوفهم ؟
قال أحدهم بغيظ : أيوة معانا كلهم .. بس ما بتقدر تشوفهم ..
قال و هو يرفع جاجبى الدهشة : هم وين حسع ؟
فقالوا له : العريس في نجران و العروس في الإمارات و أنا و إنت هنا و الشاهد التاني في أمدرمان و الزغاريد على زميلة ساكنة جنبهم..
قال مولانا بصوت خفيض يشوبه الخبث و قليل من الإرتياب : دة عرس سحاحير ولا عرس بشر ؟
قالوا له : يللا يا مولانا إبتدي ما تضيع وقتنا ..
مولانا متنحنحاً : العريس موجود ؟
العريس : حاضر ..
مولانا : العروس موجودة ؟
العروس : معاك يا شيخنا .. ( يسمع صوت بنات يتهامسن في خبث ) ..
مولانا : صوتِك بيقطّع مالو يا بنية ؟
العروس متنرفزة : سيبك من صوتي و واصل يا مولانا ..
مولانا : وكيل العروس وين مالو قاطع الحس و الحركة ؟
العم وكيل العروس : داير بي حسي شنو ياخي ؟ خلصنا قبال الخط ما يقطع ..
مولانا : قول وراى يا عريس .. بأنني بكامل قواى العقلية و حالتي المعتبرة و عضويتي التامة بالمنبر أطلب يد إبنة أخيك على سنة الله و رسوله ..
الشاهد الثاني هامسا : شوفوا فلسفة شيخنا .. جاب سيرة المنبر عشان يقولوا الولد فاهم الشغلة ..
صوت يكرر الجملة خلف المأذون ..
العروس : سجمي .. دة ما صوت خطيبي العنكبوتي .. يا حبيب ماسنجري إنت وين ؟
الشاهد الثاني فرِحا: صراحة دة أنا الكررت الجملة ورا المأذون.. و أنا المفروض إتزوجك .. لأني أنا الكنت بكتب ليهو الردود.. هو كان بيتكلم معاك بس و ما عندو غرض فيك و لا بيعرف يكتب جنس الكلام داك الخلاكي تتمسكي بى.. ممكن نغير الأدوار ؟ يعني ممكن تتزوجيني ؟
مولانا : يا أخوانا مش كفاية إنقلابات في البلد كمان بقت في الزواج ؟ الحاصل شنو ؟
العم : معليش يا مولانا .. بنجيبك تاني .. الظاهر في خلط في الباسووردز و تبادل للأسماء و المراكز..

( قبل أن يُسدَل الستار .. يظهر مشرف المنبر على الخط و هو يؤكد إقالة كل المذكورين أعلاه من المنبر و يعقد إتفاقا مع المأذون ليكون مأذون المنبر المعتمد كخدمة جديدة من خلال البورد ) ..
( في الخلفية أغنية مع تغيير طفيف في الكلمات :
شوف عيني الحبيب بي حكمة كاتْب البوست ) ..




امسح للحصول على الرابط
بواسطة : جلال داوود ابوجهينة
 0  0
التعليقات ( 0 )
أكثر

للمشاركة والمتابعة

تصميم وتطوير  : قنا لخدمات الويب

Powered by Dimofinf CMS v5.0.0
Copyright© Dimensions Of Information.

جميع الحقوق محفوظة لـ "كفر و وتر" 2019