• ×
الإثنين 29 أبريل 2024 | 04-27-2024
جلال داوود ابوجهينة

نحن كدة

جلال داوود ابوجهينة

 1  0  1374
جلال داوود ابوجهينة

يقال، أن مجمع اللغة العربي بالقاهرة، عندما أراد أن يضع كلمة عربية فصحى تدخل المعجم العربي بدلا عن كلمة ( ساندويتش ) ، قام باختيار هذه الجملة :لتكون بديلا عن هذه الكلمة الدخيلة على العرب : فأختاروا : ( شاطر ومشطور وبينهما طازج ) والشاطر والمشطور هو الخبز المقسوم في الوسط والطازج هو ( الحشوة ) التي نحشوها داخل هذا المنفلق إلى نصفين.

معنى هذا يا هذا ، إن أردت أن تأكل ساندويتش همبورجر دجاج مثلا ، تقف في الصف بالمطعم، وعندما يأتي دورك تقول بكل فخر وراسك فوووق: أيها النادل، أعطني شاطرا ومشطورا وبينهما قطعة من الدجاج المقلي وتكون دائرية الشكل وأرجو أن تُكثِر من أوراق الخس ودوائر الطماطم ولا تضع كثيرا من الشطة، ثكلتك أمك. )..
وإلى أن تنتهي من هذه المعلقة العصماء سيكون ألف واحد من الواقفين خلفكفي الصف قد لعنوا ( سلسفيل جدودك لأنك أخذت من وقتهم الكثير ).

تخيّلتُ فيما يتخيل المتخيل، أن سودانيا متأثر بمفردات هذا المجمع اللغوي، يدخل بيته وينادي أمه ويقول لها :

أماه ، أيهي يا أماه ، أنا جائع و أكاد أشم رائحة أمعائي الغليظة ، هل يمكن أن تطبخي لي قليل من البامية المجففة بالشمس والمسحونة ( بخلاط المولينكس ) ويا حبذا لو كانت الطبخة باللحم المجفف ).... طبعا ( عرفتو يقصد ملاح شنو ؟ ) طبعا ملاح الويكة بالشرموط.

أو أتخيله يقول لزوجته ( يا رفيقة دربي ، لقد أقترب عيد الأضحى المبارك ، لماذا لا تأتين بسطل (جردل )كبير وتضعين به قليل من التمر والحرجل والقرفة الهبهان وتدلقين عليه ماءا فاترا وتضعينه في مكان حار ومكتوم وتصبرين عليه أسبوعا حتى يتخمر ومن ثم أتذوقه لأرى إن كان سيهضم يوم العيد أحشاء الخروف والكبد و الطوحال والرئتين ( طبعا يقصد أم فتفت ) ، فإن لم يكن قويا يا امرأة أضفنا إليه قليلا من خميرة الشعير لنزيد من قوته الهضمية.

وتقول له زوجته المتأثرة بلغته المتمكنة : أبا أحمد يا بعلي وقرة عيني وملاذي، نزولا عند رغبة حكومتنا الرشيدة لمقاطعة البضائع الغربية، لماذا لا تذهب إلى السوق الخارق ( طبعا تقصد السوبر ماركت ) و تأتي لي بالكرة العجينية ذات الرائحة الحلوة؟ )..
أها دى عرفتوها ؟ دي الدلكة ال حتستعملها بدل الكريمات الغربية.

لدينا في شمال السودان بمنطقتنا النوبية أكلة أسمها التركينج ، وهي بالمناسبة أثقل كثافة من الملوحة ، فالتركينج ( كالماء المُهَدْرَج )، كثافته لا تقل عن كثافة اليورانيوم المخصب في مفاعل ديمونة عند صحراء النقب. وهي أكلة مصنوعة من السمك المعرض ( لكتمة شديدة ) في زير فخاري لمدة طويلة في مكان مكتوم وحار مع كمية من الملح حتى يتفتت السمك مع شوكه وعظامه ويستحيل لونه إلى اللون الرمادي الفيراني.
أحد الفلاتة كان يأكل التركينج يمص أصابعه بعد كل لقمة ويقول ( هلو لاكين أفن) فهذا الفلاتي الذي وقع في غرام التركين وجمع بين الحلاوة والعَفَن ، كالذي يقول لك الحصان سريع والبير غريقة.
أخونا السفير عبد المجيد محمد حسن ( أطال الله عمره ) عندما كان سفيرنا بسويسرا، و نزولا عند توصية زوجته، أخذت معي كمية من التركينج هذا في برطمان كبي ، وفي مطار جنيف، ألتفَّ حولي ضباط الجمارك وانهالوا علي بالأسئلة وأحدهم يمسك بالبرطمان وهو يلبس قفازات في يديه ويمسك بالبرطمان بعيدا عنه بعد أن فتحوه وهم يسدون أنوفهم. وأنا أقف وسطهم أحاول أن أشرح لهم سر هذا المعجون الرمادي ، ولم ينجدني إلا حضور أحد موظفي السفارة.

وفي غرب السودان، لدينا المرس والكول ، هما أكلتان تنضجان بالتخمير في برمة فخارية ومدفونة تحت الأرض ، ولا تقلان عن التركينج في الرائحة الصاروخية :
يقال أن أحد المصريين من علماء الأزهر الذين يعطون دروسا في الدين في شهر رمضان المعظم، ذهب إلى هناك ، وعندما أخذ لقمة (ماكنة) من الكول قال ( لا بد لكم من غُسل جَنابة بعد كل وجبة من هذا ). يعني لو أكل تركينج ، كان سيقول ( لا بد لكل من أكل من هذا أن يجلد أربعين جلدة أمام مجمع من الناس حتى تكون عظة وعبرة. أيها الناس ، لقد صبأ أهلكم بالشمال ).


امسح للحصول على الرابط
بواسطة : جلال داوود ابوجهينة
 1  0
التعليقات ( 1 )
الترتيب بـ
الأحدث
الأقدم
الملائم
  • #1
    عبدالرحمن الدول 10-05-2011 04:0
    استاذ جلال متعك الله بالصحة والعافية والله اضحكتنا واسعدتنا وياريت لاتتوقف عن الكتابة والله البيكل التركينج ده الحق مش يجلدوا اربعين جلدة بل يقموا علية الحد من خلاف (انادنقلاوي)
أكثر

للمشاركة والمتابعة

تصميم وتطوير  : قنا لخدمات الويب

Powered by Dimofinf CMS v5.0.0
Copyright© Dimensions Of Information.

جميع الحقوق محفوظة لـ "كفر و وتر" 2019