• ×
الإثنين 29 أبريل 2024 | 04-28-2024
جلال داوود ابوجهينة

نحن كدة

جلال داوود ابوجهينة

 0  0  1346
جلال داوود ابوجهينة

(الفاضل سعيد رحمه الله في إحدى مسرحياته ) قال معلقا على تشابه بين الولد وتوأمه: قادر الله .. تتشابهو شبه القَرَدة يا يابا .. أتقول أمكم قالت عووووووووووووك و طَرَشَتْكُم).
وهناك مقولات سودانية في التشابه، فنقول مثلا :
يتشابهوا زى التعاريف. ( التعريفة عملة معدنية من الزمن الجميل ).
شبهينا وإتلاقينا
يخلق من الشبه أربعين.
يتشابهو زى صور الكوشتينة.( ولد .. بت .. شايب ) وطبعاً أغلبنا (شيريا).
إنجاب التوائم في الأسرة .. هل هو أمر يتدخل فيه العامل الوراثي ؟
أم هو محض نتاج تلك المعلومة التي مفادها أن التوائم نتيجة انقسام البويضة بعد التلقيح أو دخول حيوانين منويين إلى البويضة ؟
في كل مدن و قرى السودان سمعت مقولة واحدة لا تختلف عن الأخرى ، اللهم إلا اختلاف نوعيتها وأحداثها ومجرياتها .
فالكل يجزم بأن توائمنا ينقلبون إلى ( كدايس ) ليلا وأحياناً نهاراً.
حتى أننا نسمي التوأم إن كان أسمه حسين مثلاً ( حسين كديس ) ..
ما علاقة الكدايس بالتوائم ؟
حقيقة الموضوع شائك .. ويكتنفه بعض الغموض المشوب بالأساطير والقصص التي نؤلفها ومن ثم نقوم بتصديقها.
شخصياً مررت بتجربة حية. ولا أظنها تصب في خانة القاعدة والأساس للموضوع ولكنها شاهد حيوي.
خالتي ( إبنة عم أمي ) لها توأم ( بنتين ) ..
تتشابهان إلى درجة كبيرة جداً بحيث لا يمكن التفريق بينهما إلا بتلك الشامة الموجودة على رقبة إحداهما.
جاءت يوماً تصحب البنتين إلى منزلنا.
لاحظتُ وجود كدمة أعلى خد إحدى البنتين فدار بيننا هذا الحديث الكدايسي :

دة شنو يا خالة ؟ سلامات .. البت دي وقعت ولا شنو ؟
قالت بصوت خفيض : البنية سرحتْ أمبارح عند الجيران وكان عندهم عزومة وضابحين خروف .. أظن البنية هبشتْ ليها لحمة ، قامت ست البيت ضربتا بي مفراكة. ربنا ستر الما جات الضربة في العين.
وجدتها فرصة لكى أتوصل معها إلى نتيجة نهائية لهذه المقولة فقلت لها :
معقولة يا خالة ؟ ما ممكن واحد من بني البشر ربنا يسختو كديسة بالليل ويرجع بالنهار عادي.
فقالت بثقة راسخة : أهادي البت قدامك أسألها كان مكضبني.
قالتها بثقة .. نظرتُ إلى البنت فوجدتها متحفزة لتأكيد كلام أمها.
سألتها : صحي أمبارح رحتِ عند الجيران ؟
قالت بخجل وهي تخط خطاً بأصبع قدمها اليمنى على الأرض : آآي
قلت لها : مشيتي ليهم كيف ؟
قالت وهي تنظر إلي بعينين تشعان ببريق غريب : رحت بعد شميت ريحة اللحمة ..
فأقشعر بدني قليلاً ..
ثم قلت لها : رحتي كيف ؟ بالباب ؟
قالت : ما بعرف .. مشيت ساىْ.. لكن لما خالتي ( أم باقرين ) ضربتني بالمفراكة جريت بيتنا. وما نمت طول الليل من مكان الضربة كانت بتوجعني شديد.
قلت لها : كنتي براكي ؟
قالت وهي تنظر لتومتها بسخرية : قلت لأختي يللاكي ، بس هي أبتْ لأنها خوافة.

منذ ذلك اليوم أنكسر شيء ما بدواخلي تجاه خالتي وبنتيها. فقد رجعت بذاكرتي لتلك الإشاعة التي تقول بأن سكان ( ناوة ) بمنطقة دنقلا ينقلبون إلى سحاحير ليلاً بأذناب طويلة وأن عيونهم تصير كعيون الذئاب تشع بنور وهاج في الظلامن وبأسطورة عملاق جزيرة بِنّة

وسط زخم كبير من الإشاعات التي تدور في السودان .. إبتداءاً من كدايس التوائم .. وسحاحير ناوا .. إنتهاءاً بالدمبعلو .. فهناك لا بد قبس من حقيقة .. فأنا أؤمن بأنه لا دخان بلا نار ..
فقط تكبر الإشاعة من نقطة صغيرة ثم تتضخم ليصدقها مطلقوها ومؤلفوها.
فما هي حقيقة أو نقطة انطلاق حكاية التوائم و الكدايس ؟

أعتقد غير جازم بأن ارتباط التوائم ارتباطا روحيا وثيقاً هو نتاج مرورهما بإعتلاجات الخَلْق في رحم الأم سوياً و اقتسامهما نفس المكان .. يسمعان نبض قلبيهما .. يتبادلان الحركة في حيز ضيق يتغذيان من نفس المصدر ولمدة تسعة أشهر قد تنقص قليلاً ، ثم ينطلقان مطلقين صرخة الحياة في إثْر بعضهما البعض ، ثم يترعرعان سوياً لا ينفصلان. قد يمرض أحدهما بعيداً عن توأمه ، فيحس به الآخر و تجده قلقاً غير مستقر. وهذا النوع من التوائم يقرأ أفكار توأمه بطريقة مذهلة. هذا التلاقح الروحي و الارتباط الوثيق يجعل أسطورة انتقال أرواحهما إلى القطط لتقوم بدلاً عنهما بتناول اللحم أو التسكع ليلاً أمرً يحتاج إلى دراسة تحليلية تقودنا إلى تناسخ الأرواح و ائتلافها.
( الأرواح جنود مجندة .. ما تعارف منها ائتلف و ما تنافر منها أختلف ).
الأم يمكنها بفطرة فطرها الله عليها أن تحس بأي حدث لأبنها الغائب و تتقلب على جمر القلق حتى تأتيها الأخبار بصدق مخاوفها ، فنسمع الجملة المعهودة التي قد تكون في كل بيت : ( أنا مش قلت ليكم ؟ قلبي كان حاسس ) ..
دعوة للنقاش. و دعوة لقصص و نوادر التوائم.
امسح للحصول على الرابط
بواسطة : جلال داوود ابوجهينة
 0  0
التعليقات ( 0 )
أكثر

للمشاركة والمتابعة

تصميم وتطوير  : قنا لخدمات الويب

Powered by Dimofinf CMS v5.0.0
Copyright© Dimensions Of Information.

جميع الحقوق محفوظة لـ "كفر و وتر" 2019