• ×
الإثنين 29 أبريل 2024 | 04-27-2024
جلال داوود ابوجهينة

نحن كدة

جلال داوود ابوجهينة

 3  0  1656
جلال داوود ابوجهينة
مدينة جدة ،،
الشقة لمغترب سوداني يسكنها مع زوجته وأولاده وبناته ،،
شقة واسعة في حي من أحياء جدة القديمة ،،
هو من قبيلة المحس من الشمال و هي من بنات الجزيرة ،،
هما في منتهى الكرم والأريحية والصبر وطول البال ،،
يستقبلون المعتمرين في كل المواسم ،،
ويستقبلون الحجاج والحاجات ،،
ويستضيفون بقلب قوي شجاع كل الزائغين من الحج والعمرة الباحثين عن العمل والعاطلين عن العمل والهاربين من كفلائهم ،
و الحردانات أزواجهن إلى حين حضور الأجاويد ،
كل هؤلاء من أهل الشمال والجزيرة ،،
لذا تجد الشقة خليط من الثرثرة باللغة النوبية و إنبهال الكلام بلهجة أهل الجزيرة الموغلة في الدارجة السودانية و التبداوية ،،
و تأتيك أحيانا زخات من الدوبيت و المسادير منطلقة من الصالون ،،
و تنطلق من حين لآخر أغنية باللغة النوبية من مسجل في ركن قصي بنفس الصالون ،، فيختلط حابل ذاك بنابل هذا.
أهل العوض يعرفون أن البساط احمدي ،، لأن ست البيت ( بنتهم وهم أخوالها وأعمامها )،،
أهلنا المحس ،، ماخدين راحتهم بالكامل ،، فصاحب البيت هو ولدهم و أبن حتتهم.
اللغة النوبية تنطلق دون توقف و هذا ما يزعج أهل العوض و يجعلهم ( يطنطنون تحت تحت : و الله ما فاهمين الــتَكْتَح ). فيستعملون كلمات لا يعرف أهلنا المحس مغزاها فهي من الدارجة ( العميقة الموغلة في مفردات بيئة أهل الجزيرة ) ، حتى أن واحد من عندنا سمع من أحد أبناء الجزيرة كلمة : ( متل أَتَكَنٌو ) فحسبها ماركة ساعة يابانية فحاول أن يسأل عن سعرها و يقتنيها..
ها يا زول إنت بي صُحَك ولا بتهظر ؟.
بنووراما الشقة تبدو جليا في الأحداث التالية:
عُمْرة في عز الحر ،، الشقة عامرة بأهل الجزيرة وأهل الزوج المحسي ،، نساء ورجال ،، شيبا وشبابا.
الصالة وغرف البيت ،، والسطوح ،، لا مكان يخلو من البشر ، كتل متراصة دون ململة.
الصالون جردوه من الطقم وتم فرش المساحة كلها بالسجاجيد والأبسطة والمخدات والملايات والبطاطين والألحفة.
العمائم في كل ركن ومعلقة خلف الأبواب على المسامير ،، وشالات من كل الأشكال والأحجام بعض العراريق موضوعة على المخدات لتجف من العرق ..
تقبع حفاظة ماء كبيرة بالقرب من الباب وترقد عدة أكواب بلاستيكية على الغطاء.
حقائب من مختلف الأشكال والأحجام تملأ الأركان.
سلال النفايات البلاستيكية عامرة ببقايا ( الصعوط ) وقشر الفواكه و التسالي.
المكيف الصحراوي لا يتوقف ليل نهار ،، تشفق عليه وأنت تسمع أزيزه فكأنه يشتكي لك من البلل الدائم و نشفان القش والسيور.

الزوجة تقف منذ الصباح الباكر كعادتها كل يوم ،،
تطبخ حلة ماكنة من ملاح الويكة ،،
ثم ( تلخ ) عجينا لزوم القراصة وآخر لزوم الكسرة.
الابن الأكبر لا يجد كراسة الرياضيات ، فقد أخذها أبن خالة أمه وأقتطع منها عدة ورقات لزوم ( تضريبات المنصرفات ) ثم رمى بالكراسة تحت السرير.
حوض الغسيل مسدود المياه طافحة وسائلة حتى باب غرفة النوم بسبب إستفراغ حاج عبدالله فيه إستفراغا كثيفا بعد إن التهم ( خمسة سندويتشات شاورما ) يبدو أنها كانت بايتة ومليئة بالمايونيز المضروب.
المسجل الجديد في البيت لم يعد يعمل ، فقد وضعه أحدهم على خط 220 فاحترقت فيوزاته.
أشتبك ( صالح ) مع ( الخير ) لأن الخير أنطلق ( يدوبي ) بأعلى صوته فإنتهره ( صالح ) : إنت هسع مش جيت من بيت الله ؟ أقرا ليك قرآن ولا حديث يا أخي ،، بعدين صوتك دة مزعج خالص.
انتهى الاشتباك بأن أقنعوا ( الخير ) بالذهاب للسطوح لإفراغ موهبته ، فخرج و هو يهجو ( صالح ) بأبيات من الدوبيت وهو يضغط على مخارج حروفها كمذيع برنامج ( البادية ) حتى لا يلتقط ( صالح ) معانيها.
الحاجة بتول تصر على أن تترك ست البيت عملها في المطبخ و تناولها غويشات و ( أحفظ مالك ) والخواتم التي تخص حفيدتها لتملأ عينيها من الأصفر الرنان.
( إسماعيل ) يحاول جاهدا أن يفهم فئات العملة السعودية ، فهو لا يعرف الفرق بين الفئات الورقية ، فقد أشترى علبة بيبسي و أعطى صاحب البقالة البنغلاديشي ورقة ( أم خمسين ) دون أن ينتظر الباقي و رجع إلى البيت و هو يتجشأ غازات المشروب( ويصر عينو بعد كل تجشؤ ) ..
أحد الجيران المصريين ، يشتكي لصاحب البيت بأن أثنين من الضيوف طرقوا باب شقته منتصف الليل وهم يصرون على أن هذه هي شقة الزول ، حتى وبعد أن أتى المصري بزوجته وعياله و قال لهم : أنا صاحب البيت يا قماعة ، شأتكو التانية اللي في الوش دي،، حرام عليكو ،، عاوزين ننام بأة ..
البنت الصغيرة و هي تبكي لأمها : يمة ،، الراجل أب صلعة داك أكل كيس الشيبس بتاعي كلو.
( حمد ) بأعلى صوته من الحمام : يا جماعة صابونة الجن دي قدر ما أدسها ما ألقاها.. وبعدين منو دة البيستعمل بشكيري دة ؟
يرد عليه ( جبريل ) بصوت خفيض و هو يغمز ( لحاج بابكر ) : الصابونة ما بتاخد معاهو غير دعكة واحدة أب جسما زى أبو القنفد دة ،، هو بي نضمو دة عاوز ليهو صابونة شحدة ساي.

( كرار ) وهو يضحك حتى يستلقي على قفاه وهو يشير بأصبعه إلى رأس ( السر ) المحلوقة وقطع من القطن تتناثر في عدة أماكن من رأسه : إنت الزول دة حلق ليك بي أسنانو ولا شنو ؟
جو الصالة يعبق برائحة غريبة ، فقد أشعلتْ الحاجة زينب قطعة من القماش لتستنشق دخانه مقتنعة بأنه علاج للصداع النصفي الذي يلازمها منذ زواجها من ( صابر ) ذي الثلاث زوجات قبلها تحت إلحاح أبيها الطامع في ثروة ( صابر ). لا تبالي باحتجاجات بقية النساء و تواصل الاستنشاق و هي تقول : ربنا ما يوريكن وجع الشقيقة دة ،، و الله لو قالوا ليكن إتبخرن بي بعر غنم كان ما بتابَنٌو. حاجة ما بتتقابل.
وتشد نفسا عميقا حتى تدمع عيناها.
( الرضية ) تدخل خلف ست البيت في غرفة النوم ، و تطلب منها على استحياء سلفة لأنها ترغب في شراء ( تياب و شباشب ) للمتاجرة بها في الحلة بالسودان. ست البيت وهي محرجة تعتذر لها و تقول : والله زوجي ليهو شهرين ما أدوهو الراتب ،، بيدوهو على قدر مصاريفنا.
فتلوي الرضية بوزها وتخرج و هي تتمتم : تلقاكي خاتاهن رُزَم رزم.

منتصف الليل ، ينطلق شخير ، بدأ منخفضا ، ثم بدأ يعلو شيئا فشيئا من الصالون ،، فينطلق الاحتجاج من سكان الغرفة المجاورة ، سرعان ما هدأتْ الاحتجاجات فقد بدأ صوت شخير آخر بغرفة المحتجين يفوق درجته ذاك الآخر بأكثر من درجة على مقياس ( شِخْتَر ) ..
( الحاجة سكينة ) تتسلل إلى المطبخ لتسكت جوع بطنها ، فهى قد حردتْ العشاء بعد ملاسنتها مع ( الرضية ) بسبب انتقاد الثانية لها بأن ( توبها ) ما توب واحدة في عمرها. تصطدم بحلة كبيرة على الأرض فيتحدث صوتا أيقظ ست البيت التي جاءت مهرولة إلى المطبخ ،، مما حدا بالحاجة سكينة بأن تتظاهر بأنها تريد أن تشرب الماء ،، فناولتها ست البيت ( جك الماء ) فكرعته كله حتى تنسى الجوع ، و عادت إلى فراشها و هى تلعن الرضية و تلعن المكابرة...
ينتهي موسم العمرة ..
و تبقى الشقة كميدان معركة انجلت لتوها ...
لتستعد لموسم آخر ..
امسح للحصول على الرابط
بواسطة : جلال داوود ابوجهينة
 3  0
التعليقات ( 3 )
الترتيب بـ
الأحدث
الأقدم
الملائم
  • #1
    عزالدين سيد وديدي 08-21-2011 10:0
    الله عليك والله قمة الاريحية من المحسي والجزراوية ومنك ايها الكاتب الرائع فقد عشت معك كل كلمة ورجعت الى ارض الشمال ارض القراصة (الكابيدة) مقال رائع بكل ما تحمل كلمة رائع لله درك ولك تقديري بلا حدود
  • #2
    حسن حل 08-21-2011 10:0
    يا جلال يا اخوي النوبه تم تهجيرهم في الستينات من القرن الماضي الي منطقة البطانه شرق السودان هل تعلم انه لم يتم مصاهره بين عرب البطانه والحلفاويين الا (خمسه حلات )خلال خمسين سنه القصص يجب ان تحاكي الواقع/اطلب منك دراسة الحاله التي ذكرتها لفائدة العرب والنوبه
أكثر

للمشاركة والمتابعة

تصميم وتطوير  : قنا لخدمات الويب

Powered by Dimofinf CMS v5.0.0
Copyright© Dimensions Of Information.

جميع الحقوق محفوظة لـ "كفر و وتر" 2019