طلع الليلة نجمُ أحمد
هذه وقفة و يا لها من وقفة لنفرح معاً بذكرى مولد الحبيب المصطفى صلوات ربي و سلامه عليه . و لماذا لا نفرح بذكرى مولده وهو الرحمة المهداة للعالمين . فأوتادي اليوم لها عظيم الشرف أن تُعرض القليل من نفحات ذكرى مولده صلى الله عليه و سلم , فهي نفحة نشمها و نستنشقها لتعم بها ثقافة التسامح والمحبة والمودة والتعاضد والبناء و نعود بها إلى جادة النور الذي أهداه للعالم أجمع مُنقذ البشرية من الضلال إلى الهُدى , فكما جاء في السيرة : وُلد رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول عام الفيل .
وعن شاعر الرسول صلى الله عليه و سلم حسان بن ثابت رضيَّ الله عنه قال : و الله إني لغلام يفعَة ابن سبع سنين أو ثمان , أعقل كل ما سمعت إذ سمعت يهودياً يصرخ بأعلى صوته على أطمة ( حصن ) بيثرب يا معشر يهود , حتى إذا اجتمعوا إليه قالوا له : ويلك ! مالك ؟ قال طلع الليلة نجمُ أحمد الذي وُلد به .
قال ابن إسحق : فلما وضعته أمه صلى الله عليه و سلم أرسلت إلى جده عبد المطلب : أنه قد وُلِدَ لك غلام فأته فانظر إليه , فأتاه فنظر إليه , و حدثته بما رأت حين حملت به و ما قيل لها فيه , وما أمرت أن تسميه .
فيزعمون أنَّ عبد المطلب أخذه فدخل به الكعبة فقام يدعو الله و يشكر له ما أعطاه ثم خرج به إلى أمه فدفعه إليها و التمس لرسول الله صلى الله عليه و سلم الرضعاء .
لنفرح بذكرى مولده صلى الله عليه و سلم لما فيها من البُشرى ما فيها . فقد جاء في الخبر أن عدو الله أبي لهب يُخفف عنه العذاب كل أثنين لأنه فرح بمولد الحبيب صلى الله عليه و سلم عندما سمع بوالدته فقام بعتق جاريته ثويبة التي كانت أول مُرضعة للمصطفى صلوات ربي و سلامه عليه . فأرضعته ثويبة بلبن ابنٍ لها يُقال له مسروح أياماً قبل أن تقدم سعيدة الحظ حليمة السعدية . فكانت قد أرضعت قبله حمزة بن عبد المطلب المخزومي و عبد الله بن جحش فهما إخوة للحبيب صلى الله عليه و سلم من الرضاعة .
فجاءت سعيدة الحظ حليمة السعدية ابنة أبي ذُؤيب . فإذا سألك سائل عن اسمها فقل له هي : حليمة بنت عبد الله بن الحارث من بني سعد بن بكر .
واسم أبيه الذي أرضعه صلى الله عليه و سلم أي زوج حليمة السعدية فهو الحارث بن عبد العُزى بن رفاعة أيضاً من بني سعد بن بكر .
وللحارث بن عبد العُزى قصة طريفة , كما جاء في الروض الأنف : " يقال إنَّ الحارث قدم على رسول الله صلى الله عليه و سلم بمكة حين أُنزل عليه القرآن فقالت له قريش : ألا تسمع يا حارث ما يقول ابنك ؟ قالوا : يزعم أنَّ الله يبعث بعد الموت , و أنَّ لله دارين يُعذب فيهما من عصاه و يُكرم من أطاعه , فقد شتت أمرنا و فرَّق جماعتنا , فأتاه فقال : أي بُنيَّ , مالك و لقومك يشكونك و يزعمون أنك تقول : إنَّ الناس يُبعثون بعد الموت ثم يصيرون إلى جنة و نار . فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : أنا أزعم ذلك ولو قد كان ذلك اليوم يا أبت لقد أخذت بيدك حتى أعرفك حديثك اليوم . فأسلم الحارث بعد ذلك و حسن إسلامه , وكان يقول حين أسلم لو أخذ ابني يدي فعرفني ما قال لم يرسلني إن شاء الله حتى يدخلني الجنة . "
و إخوة الحبيب المصطفى صلى الله عليه و سلم من الرضاعة أيضاً عبد الله بن الحارث و أُنيسة بنت الحارث و الشيماء بنت الحارث وهو الاسم الذي غلب على اسمها حُذافة . وهم لحليمة السعدية .
فالكل يعلم البركة التي حلت على حليمة السعدية عندما أخذت المولود المبارك صلوات ربي علية فتبدل حالها من فقرٍ و عسرٍ إلى غنىً و يُسر .
من مكارم الرسول صلى الله عليه و سلم وهو رضيع كما جاء في الروض الأنف : " أنَّ رسول الله صلى الله عليه و سلم كان لا يُقبِل إلا على ثدي واحد و كان يُعرض عليه الثدي الآخر فيأباه كأنَّه قد أُشعر عليه الصلاة والسلام أنَّ معه شريكاً في لبانها . "
ما أطيب ذكرى مولدك يا رسول الله صلى الله عليك صلاة دائمة ما دامت السموات والأرض .
آخر الأوتاد :
جاء في سيرة ابن هشام , قال ابن اسحق : " إنَّ نفراً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم قالوا له : يا رسول الله أخبرنا عن نفسك ؟ قال نعم . أنا دعوة أبي إبراهيم , و بشرى أخي عيسى . و رأت أمي حين حملت بي أنه خرج منها نور أضاء لها قصور الشام , واستُرضعت في بني سعد بن بكر , فبينا أنا مع أخٍ لي خلف بيوتنا نرعى بهماً لنا , إذ أتاني رجلان عليهما ثيابٌ بيض , بطستٍ من ذهبٍ مملؤةً ثلجاً , ثم أخذاني فشقا بطني و استخرجا قلبي فشقَّاه , فاستخرجا منه علقةً سوداء فطرحاها , ثم غسلا قلبي وبطني بذلك الثلج حتى أنقياه , ثم قالا لصاحبه زِنه بعشرة من أمته , فوزنني بهم فوزنتهم , ثم قال زِنه بمائة من أمته , فوزنني بهم فوزنتهم , ثم قال زِنه بألفٍ من أمته , فوزنني بهم فوزنتهم . فقال دعه عنك , فو الله لو وزنته بأمته لوزنها . " صلى الله عليك يا علم الهدى يا رسول الله .