• ×
الإثنين 29 أبريل 2024 | 04-28-2024
جلال داوود ابوجهينة

نحن كدة

جلال داوود ابوجهينة

 1  0  1292
جلال داوود ابوجهينة

يقول المثل السوداني :
بليلة المبشر و لا عزومة المكشر
وقرأنا أن حاتم الطائي قد ذبح فرسه لإطعام ضيوفه الذين أتوه فجأة بليل وقد عضهم الجوع بأنيابه ونهشهم بأظافره
و قيل في بعض الإعراب :
فلما إستنبحت كلابهم أضيافهم قالوا لأمهم بولي على النار

يعني لما سمعوا كلابهم تنبح بمقدم بعض الضيوف ،، قالوا لأمهم بولي على النار حتى يوفروا الماء الذي سيستعملونه لإطفاء النار ،، وبإطفاء النار فإن الضيوف ( حيفرتقوا ) دون أن يروهم في الظلام.
ما هو شعورك إن أتاك ضيوف دون سابق إخطار ؟
هل تتعكنن ؟
أم تكون هاشا باشا في وجوههم ؟
هل يختلف إكرام الضيف في المدينة عنه في القرية ؟
هل تتحكم الظروف الإقتصادية في نسبة الكرم و الجود و إكرام الضيف ؟
لم أسمع مثلا مبالغا فيه أكثر من مقولتنا ( يسلخ القملة ) كناية عن البخل الشديد
أما غنوة الصبوحة التي تقول ( يغديني جبني و زيتون و يعشيني بطاطا ) ،، هل هو بخل أم إقتصاد حكمتْه ظروف المحبة و السكن في عش العصفور الذي سيكفيهما ؟
دعونا نتجول في عالم الجود و الكرم
إبني أحمد كنت أناديه منذ صغره بعشا البايتات
فسألني : أنا عشا البايتات كيف ؟
فقلت له محاولا تبسيط المعنى لصغر سنه : إنت مش بتمشي الدكان تجيب حاجات للعشا لما يكونو في ضيوف ؟
قال : أيوة
خلاص ،، إنت سبب من أسباب عشا البايتات في البيت
لم يقتنع ،، لذا فهو يتغدى بالضيفان قبل أن يتعشوا بواسطته فيتناوم مبكرا حتى لا يذهب لدكان عم علي الذي يكجنه لله في لله و المودة بينهما مفقودة تماما لدرجة أنه يذهب كداري لدكان الفوراوي بحجة أن فول عم علي كلو حجار و مسوس.
أهل القاهرة ، مارسوا بعض البخل من جراء ظروف إقتصادية بحتة ، بعكس الفلاحين و الصعايدة في قراهم ،، فقد طفت قرى الصعيد و الفلاحين ، إبتداءا من أسوان و حتى المنصورة و لي فيها أصدقاء ، و وجدت أهل الأرياف و الصعيد فيهم من صفاتنا الكريمة الكثير. و لكن أهل القاهرة ، هم أصحاب هذه الجمل التي تحدث عن نفسها :
( تبات عندنا ولا اللوكاندة أريح ؟ )
هذه بلاغة في الحديث ( تقديم الذي يرفضه و تأخير ما يحبذه بالفعل ).
أو ( تتعشى ولا تنام خفيف ؟ )
أيضا هذه حرفنة بخيل ، فقد قدم الكرم ، و لكنه يستدرك بالنصيحة الطبية هذه.
أو يخرج من جيبه علبة سيجارة و يشعل سيجارة و يقول لك و هو يرجع علبة السيجارة إلى جيبه ( تعفَر ولا بيتعب صدرك ؟ )
أو ( أوصلك ولا تتمشى أحسن ؟ )
دائما الإستدراك البخيل في مؤخرة الجملة ، لأن الإجابة على نهاية الجملة تتم بدافع الإيحاء الواضح على وجه المتحدث الذي يبدو و كأنه يحبذ الرأى الذي يأتي في آخر كلامه
أحد الظرفاء جدا بقريتنا ، جاءه ضيف على حين غفلة وقت العشاء ، فلم يجد غير عقاب ملاح الغدا لتقديمه له ، و كان بصحن الملاح عضمة واحدة يتيمة تطفو على سطح الصحن ، فكلما ( يزحها ) صاحب البيت للضيف ، يرجعها الضيف على إستحياء بطرف لقمة الكسرة لتكون في متناول المضيف و إستمرت اللحمة ( يباصوها ) بيناتهم دون كلمة ، كل واحد ( يلزها للتاني )، وأخيرا أخذها الضيف ليلتهمها، فأمسك به صاحب البيت و قال له : العضمة دي المخلية الملاح طاعم ، خليها آخر حاجة و بعدين شيلها.

أيام كنت من زمرة المدخنين في أتبرا ،، كنا نقول تخميس السيجارة ،، و من المفروض مادام أنها تخميسة أن نكون خمسة نجبد أنفاسها بيننا ،، و لكننا كنا نكون أكثر من ذلك ، فتأتيك السيجارة المسكينة و كأن نارها نار نافخ الكير و الفلتر مسخن كلديتر عربية هكر ،، و آخر واحد يمصها مص حتى تكاد ترى شعلتها من بين (شفايفو ) ثم يرميها بعد أن تكون النار قد لامست الفلتر الذي تغير لونه من الداخل و الخارج فصارت مثل مرتبة القطن المحروقة.
أذكر أن صديقا لنا كان من المريشين ،،،، و كان يشتري علبة البرنجي وإذا رآنا أخرج سيجارة ورمى بالعلبة وكأنها صارت فارغة ،، و يقوم بتخميس سيجارته معنا بكرم الذي يؤثر على نفسه ولو كانت به خرمة شديدة ،، و إكتشفنا بعدها بأنه يرميها وهي عامرة بالسجاير ولكنه يفعل ذلك حتى لا نطلب منه سيجارة ،، فإكتشف أحد الغتيتين هذه الخدعة فأخذ العلبة وأطلق ساقيه للريح.
و تفنن أحد مدمني الصعوط في خطة تجعل شحادين السفة يبتعدون عنه و يكفون عن شحدته ،، فصنع ( حقة سعوط ) لها غطائين و مقفولة من النص بساتر معدني بحجم الريال الفضة ،،،،،،، ويجعل إحدى الجهات فارغة و الأخرى مليئة فإن طلب منه أحد سفة يفتح الجهة الفارغة و يميلها ويضربها من كل الجوانب و يحلف إنها فاضية ( و هو صادق في قسمه و حلفانه ) في حين يكون الجزء الآخر ممتلئا للطيش.

أما أبخل زول قابلني على وجه البسيطة ،، فهو زميل لنا في إحدى قرى الشمال ،، كان يأتينا بعد الإجازة بشنطة صفيح مليئة بالكعك والمنين والغريبة والبسكويت ،، و يقفلها بطبلة أتقل من الشنطة،، أما المفتاح فكان يتأبطه كالشر،، و لا يفتحها إلا بعد أن نطفيء السراج و نسرح بغنم إبليس في مراعي الهم،، فيقوم متلصصا ببطارية صغيرة و يأخذ ما طاب له و يندفس تحت البطانية و يأكل ( محل ما يسري يهري ) ،، ولكن الله يمهل ولا يهمل ،، فقد إكتشفت جحافل النمل محتويات الصفيحة ،، فداهمت الموقع بقوات منظمة و جعلت محتوياته في أيام معدودة إلى ركام هائل ،، فتابعناه بنظراتنا الشامتة و هو يلقي ببقايا حملة النمل في الكوشة العامة.
هناك بخل مفيد ( رب ضارة نافعة )
زميلي ركب قطار حلفا و جيوبه تنعق بالفلس ،، و عندما داهمته نوبة خرم لسيجارة ،، قادته رائحة التبغ المحروق إلى رجل يجلس على السلم يتلذذ بسيجارة ماركة برنجي ،، فطلب منه الأستاذ المحترم نفسين ،، فما كان من الرجل أن صرخ فيه : إنت وكت ما عندك حق سيجارة بتشربها ليه ؟ عريان و لابس صديري ؟
عندها أقسم زميلي على المصحف أن لا يدخن مرة أخرى ،، و قد كان إلى يومنا هذا.
من المعروف أن العشاء المقدم في مناسبات الزواج ،، يقدمونه في علبة و تكون مكونة من فخد دجاجة صايمة ليها عدة أيام ،، و حتة باسطة عاملة ريجيم ،، و طعمية عديمة الرائحة و حبة مخلل واحدة و خبز همبورجر و أي مشروب. أحد العجايز القادمين من القرى ،، أول ما ظهرت حكاية العشا المعلب دة ،، و هو من الناس الذين يمكنهم أن يأكل دجاجتين دون أن يترك للعظام أثرا ،، و يتمتع بكامل أسنانه اللبنية منها و التي قامت بعد فطامه في خمسة أعوام،، المهم في مناسبة جابوا ليهو العلبة إياها ، فإلتهمها في وقت يدخل به كتاب ( غينيس ) و بدأت الحفلة ،، فإلتفت إلى جاره و قال : الناس ديل إبتدوا الحفلة و لسع ما عشوا الناس ،، الحكاية شنو ؟
فقال له جاره : إنت مش أكلت الأكل الفي العلبة ؟
فقال زولنا فاغرا فمه : أهو داك العشا ؟ أنا ما قايلو تصبيرة ،، بالله شيخ سيد دة حتى في عرس ولدو بخيل؟ اللقوم أكوس لى عشا رجال.

أما أجمل ما قيل في الجود :
قال أحد الشعراء : ( وأعتقد أنه كان يقصد أهل السودان )

إن الكريم ليخفي عنك عسرته حتى تراه غنيا و هو مجهود
و للبخيل على أمواله علل زرق العيون عليها أوجه سود


امسح للحصول على الرابط
بواسطة : جلال داوود ابوجهينة
 1  0
التعليقات ( 1 )
الترتيب بـ
الأحدث
الأقدم
الملائم
  • #1
    واحد سوداني 03-31-2012 05:0
    سلامات يا رائع..وين كنت في مامضى من ايام؟ طولت الغيبة.. بالمناسبة مرة من المرات حكى لي جدنا عمر بان ضيفا قد زاره في المنزل ولم يك يملك اي شيء في البيت.. فقال جدي عمر للضيف: نعمل ليك شاي ولا قهوة؟ وهو في الحقيقة ليس لديه ايٌ منهما.. فقال له الضيف: الاتنين.. لكن الشاي هسع والقهوة خليها بعد الغداء.. فاحتار جدنا من صراحة هذا الضيف الغريب وصار يفتش في وسيلة للغداء والقهوة والشاي...
أكثر

للمشاركة والمتابعة

تصميم وتطوير  : قنا لخدمات الويب

Powered by Dimofinf CMS v5.0.0
Copyright© Dimensions Of Information.

جميع الحقوق محفوظة لـ "كفر و وتر" 2019