• ×
الإثنين 29 أبريل 2024 | 04-28-2024
جلال داوود ابوجهينة

نحن كدة

جلال داوود ابوجهينة

 0  0  1453
جلال داوود ابوجهينة

العواجيز ربما يتذكرون قصة الرجل الذي كان ( يدق في مرتو ) وواحد من بعيد ناداهو قائلا : المرة بيدقوها بالمرة.
فقالت الزوجة وهي تئن تحت وقع الضرب : هوى ، دق دقك ما تسمع كلام المطرطش داك.
ويتذكرون الذي قال لزوجته التي لا يحبها عندما انقلبت بهم المركب في عرض النيل وهو يمسك بزوجته الثانية المفضلة عنده ويسبح بها بعيدا : طبعا إنت بتعرفي تعومي.

سمعت مرة مثلا يقول ( راجل بين مرتين ، أرنب بين كلبين ) ، ولكن حسين قلب هذا المثل رأسا على عقب. فقد كان الرجل والحق يقال ( قطا سياميا مدللا بين زوجتين ) ولكن إلى حين، ليس عشان ( الوسامة ) الفايتة الحد أو ( لسانو البينقط عسل من كل الألوان ) أو (لأن يدو الفارطة بالكرم والجود ) ولكن لأنه كان استغلاليا بارعا بمعنى الكلمة.

عندما يكون المبيت عند زوجته ( فاطمة ) يذهب في اليوم التالي قبل الغداء لبيت زوجته (عيشة) فيقول لها وهو ( لاوي بوزو ثلاث ياردات ) : أعوذ بالله من ضرتك دي ، تصدقي أمبارح معشياني فول وطعمية . و ( يتاوق ) من طرف خفي ليرى تأثير روايته.

فتفرهد زغرودة شامتة في دواخل (عيشة) ، فتتلفح توب الجيران ، ومن دكان إلى دكان ومن بيت إلى بيت ، تلقط في السجك واللحوم والمخللات والسلطات والأنناس المعلب، إلى أن تنجح في إعداد مائدة (مدنكلة) تعج بأصناف الأكل ، فيستف حسين تستيفا و هو يفكر في العشاء قبل أن يهضم ما في معدته .
رجل بُطَيني من الطراز الفريد.
وعند العشاء ، يلهف ثلاثة أجواز من الحمام ( زُغُب الحواصل ) التي لم ( تطير بالريش الدقاق بعد ) ويمضغ العظام بصبر يُحسد عليه ويمصمص بعضها. ويكرع السليقة من كورية ولا يبقي فيها غير حبات من الفلفل في قاعها ، حتى البصل المسلوق ينشفط مع السليقة في تناغم لا يجرح حلقه و لا ( يشْرق).

و ينام حسين نوم قرير العين هانيها ، ويده على بطنه المنتفخة بعد أن تعبتْ من التمليس عليها و كأنه يطمئن على محتويات حاويته.

وفي الغد ، يكرر نفس السيناريو مع فاطمة ، فتجري المسكينة من دكان إلى دكان ومن بيت لي بيت ومن برج حمام إلى برج حمام. يقول الجيران ، أن حمام الحى بعد أن أجهز عليه حسين مصا و قرشا، أنتقل نشاط الزوجتين إلى الأحياء المجاورة ، فأطلقوا عليهما أسم ( النتّافات ) من كثرة ما نتفن من ريش الحمام .

وفي يوم أغبر ، راحت فاطمة لبيت ضرتها عيشة لغرض ما ، وكان حسين قد أمضى الليل مع ضرتها عيشة هذه، و لمحت فاطمة صفيحة الزبالة عند الباب وهي مليئة بريش الحمام وبقايا أحشائه. فنادت فاطمة أصغر أولاد عيشة وقالت له : تعال يا الفالح ، إنتو أمبارح أكلتو حمام في العشا ؟
فتساءل الولد بكل براءة : هو نحن قاعدين ناكل حمام ؟ كل يوم فول وطعمية وجبنة ، لاكين بعد ما يدخلونا عشان ننوم بنشم ريحة الحمام المحمر ، والصباح نلقي الريش في الزبالة.

فرجعت فاطمة ، وليلتها ، كان حسين عندها يقرض رغيفا جافا مع جبنة وطماطم. كما أن عيشة أرسلت له إنذارا شفهيا بأنها متضامنة مع فاطمة وأن ماعون الفول ينتظره لتعبئته من قدرة الدكان المجاور عند حضوره في الغد. ومن يومها ، عاد المثل و أنطبق عليه و لم ير بعدها الحمام إلا محلقا أو ( راكّي ) في الأبراج.

أظن الكثيرين منا قد مروا بتجربة دخول مكان ما ، فتفاجأ بشخص أنت ( متلوم معاهو طب ) وتقول في سرك (أريتا الواطة إنشقت وبلعتني ) ، وخاصة لو متلوم في عزا أو مقصر في حاجة معاهو كان ممكن تعملها ليهو ، أو زول ( زايغ منو ) لأي سبب.
أها عبد الكريم المغترب جاء في إجازة ودخل بيتو في الخرطوم الذي تسكن فيه أصغر زوجاته الثلاثة ، جاء دون علم زوجتيه السكنات في القرية بأقصى الشمال، دخل و هو متورد الخدين بفعل كريم ( جليسوليد ) الذي يحبه ، وابتسامة عريضة ، وعمة جديدة لنج تقول لعمة ترباس أبعدي غادي ، وعطر نفاذ يسبقه ، وفتح الباب وهو فارد ذراعية لاحتضان أصغر الزوجات، فإذا بزوجتيه من البلد قاعدات ( وش ) و ابتسامة تحاكي إبتسامة الموناليزا مرسومة على الشفاه ولكنها صفراء لها بريق متحفز ينذر بالسوء. لم يستطع المسكين أن يبدأ بالسلام فوقف كالمتسمر على الأرض و هو ينقل بصره بين الثلاث وكأن مؤامرة ما قد حيكت ضده.
فبادرته أم العيال الكبيرة :
تجي الخرطوم بعد سنة في إجازتك من دون ما تقول لينا ؟ إنت قايل الأخبار بتندس ؟ نحن متابعنك من يوم ما خشيت السوق في جدة تلقط في حاجات الإجازة يا راجل الهنا.
و نظرت إليه نظرة ، ذكرته قصة ريا و سكينة ( فبسمل و حوقل و قرأ المعوذتين ) ولم يكمل قراءة آية الكرسي قبل أن تقول الثانية من تحت أسنانها :
داير تبرطع هنا و بعدين تجينا في البلد مهلهل و منتّف و تقعد ليك أسبوع و تقول عندي عفش مشحون و تفرتق للخرطوم . مش ؟
و لكزته في صفحته لكزة ( إنفدس لها ) دون أن ينبس بكلمة.
المسكين كان يتمنى بعناق طويل مع حبيبة قلبه الصغيرة ، و لكن ها هما تقفان كالجستابو أما ناظريه. فإبتلع ريقه الجاف و خلع عمته الكبيرة و تشهد.
قالت الكبيرة : أفتح الشنط.
فقال و هو يتلعثم : في الحقيقة
و لم تعطيانه الفرصة ، فقد هجمت الزوجتان على الشنط ، و في ثوان معدودة ، كانت محتويات الحقائب قد تكومت في ثلاث أكوام متساوية.
فقال : بس المقاسات ما ...
قالت الثانية : نحن عارفين جايب الحاجات أغلبها مقاس الست الصغيرة. بس برضو نحن بندورن ضيقات، ما دام منك بنقبل أي شي ، إن شاء الله ما يدخلن من الرقبة ولا من حتات تانية.
وضحكت ضحكة غتيتة.و حدرت ليهو حدرة ، إنخلع لها قلبو الماهو رهيف.

البيت كان مكونا من حجرتين. و مكث عبد الكريم خمسة و أربعين يوما ( يباصنّو التلاتة بيناتن زى خرطوش الشيشة ) ولم يجد فرصة حتى يشيل الفاتحات التي تنتظره أو تسجيل قطعة الأرض التي إشتراها ، كان معسكرا مقفولا ، كل ما فعله هو زيارة والديه و إخوته برفقة الزوجة الكبيرة لزوم المراقبة اللصيقة. و عندما إنتهت الإجازة ، كان عبد الكريم في حالة ( تحنن العدو ).
قالت الكبرى في وداعه بالمطار و هو يستند على عكازة :
أها الإجازة الجاية بتكلمنا ولا نجي برانا في مواعيدك زى السنة دي؟
فقال عبد الكريم : علي الطلاق بالثلاثة منكن التلاتة ما أجي ، إلا كان تجي جنازتي.

امسح للحصول على الرابط
بواسطة : جلال داوود ابوجهينة
 0  0
التعليقات ( 0 )
أكثر

للمشاركة والمتابعة

تصميم وتطوير  : قنا لخدمات الويب

Powered by Dimofinf CMS v5.0.0
Copyright© Dimensions Of Information.

جميع الحقوق محفوظة لـ "كفر و وتر" 2019