• ×
الأحد 5 مايو 2024 | 05-03-2024
جلال داوود ابوجهينة

نحن كدة

جلال داوود ابوجهينة

 0  0  1458
جلال داوود ابوجهينة
حروف القاف والكاف والسين والشين واللام والراء ومشاكل نطقها عند بعض الناس.
وهي حروف يقف اللسان عند البعض حجر عثرة في نطقها الصحيح ( لأسباب يقف علم الكلام والنطق عاجزا عن فك طلاسمها وعلاجها ) ..

يقول الطب أن اللسان به أعصاب دقيقة للغاية ، وكأن بهذه الأعصاب رادارات تلتقط هذا الحروف ( الثقيلة ) دون غيرها ومن ثم تقوم بإبلاغ اللسان الذي يستعد لتلافي نطقها بالشكل الصحيح ..
ولكن الغريب مثلا ، أن حرف السين لا يحتاج إلى تحريك اللسان ، إنما يحتاج فقط إلى غلق الفم مع انطباق صف الأسنان العلوي مع جزء من صف الأسنان السفلي ، ولكن رغم هذا نجد أن البعض يقول لك ( شمك بدلا من سمك ). فيستعيض بسهولة نطق السين إلى مجاهل الشين التي تحتاج إلى استعمال تلك الأعصاب في اللسان. ثم يقول ( شمن بدلا عن سمن ) ..

القاف حرف حلقي ، فنجدهم ينطقون ( القلب ).... الدلب،
معنى هذا أن الحلق أيضا له نفس خصائص اللسان المذكورة أعلاه.
قال الأصمعي في كتابه المعني بهذا الشأن:
إذا تعتع اللسان في التاء : فهو تمتام ( وهو الشائع عندنا في السودان) .
وإذا تعتع في الفاء : فهو فأفاء
( لي قريب فأفاء و تأتاء ، و لكنه عندما يغني ينطلق منه صوت ساحر وتنتهي التأتأة و الفأفأة وتنطلق الحروف بانسيابية.. هل للحالة الإنسجامية دخل في هذا ؟؟ )

قال محمد بن عبد السلام الجمحي : كان عمر بن الخطاب رحمه الله إذا رأى رجلا يتلجلج في كلامه ، قال : خالق هذا وخالق عمرو بن العاص واحد ( عمرو بن العاص كان خطيبا مفوها ولكنه يتلجلج في الكلام ) ..

ويقال في لسانه حُبْسَة : إذا كان الكلام يَثْقُل عليه و لم يبلغ حد الفأفاء و التمتام .. ( وهذا النوع من البشر يكون سريع الغضب، تشوبه تصرفاته نوع من الحماقة التي يندم عليها سريعا ) ..
ويقال في لسانه عُقلة إذا تعقل عليه الكلام. وخاصة في حرف الراء فينقلب اللسان إلى الداخل منطويا فيتم نطق الراء بشكل أقرب إلى حرف اللام وأحيانا إلى حرف الغاء ( و كأنه يطرقع لبان لادي أو كأنه يلتهم عجورا أو خيارا ) .. فيقول صاحب العُقْلة :
( ملقت السلايل في الحوش عشان ألقد في الهمبليب ..).
يقصد : ( مرقت السراير في الحوش عشان أرقد في الهمبريب.).
ويقول نفس الجملة صاحب عقلة آخر : مغقت السغايغ في الحوش عشان أغقد في الهمبغيب ..
ويقال في لسانه لُكْنة : إذا أدخل بعض حروف العجم في حروف العرب ، وجذبتْ لسانه العادة الأولى إلى المخرج الأول، وهذا ينطبق على الكثير ممن كانت اللغة العربية ليست لغته الأم،،، فقد ذهب واحد من عندنا إلى محل يملكه أحد التجار من أبناء غرب السودان وقال له : عندك هيت ؟ فلم يفهم التاجر طلبه .. وبعد محاولات يائسة و استعمال كل تعابير الصم والبكم ولغة الإشارة ،، أستل زولنا خيطا سائبا من جلبابه و أراه إياه ،، فقال التاجر الغرباوي : آآآآ ، إنت آوز (كيت)؟
ما السر في أن نوبة الشمال ينطقون حرف الـ(خ) هاءا .. بينما أهل الغرب والجنوب ينطقونه كافا ؟

ومن المستغرب أن غير الناطقين باللغة العربية ، أو أولئك الذين تكون اللغة العربية هي لغة مكتسبة بالتجاور أو التعلم بعد الكبر ، هؤلاء ينطقون حرف ال ( ح ) هاءا ، فيقولون ( مهمد) وأحيانا يقولون ( خديد ) لكلمة ( حديد ) و يقولون ( هيتة ) لكلمة ( حيطة ) ويقلبون ( الهاء ) إلى ( ح ) فيقولون ( هلو ) لكلمة حلو ، وينطقون ال ( خ ) كافا أو هاءا ( فيقولون (كروف أو هروف ) .. معنى ذلك أنهم لديهم إمكانية نطق هذه الحروف التي ينطقونها معكوسة .. فما السر في عكس الحروف هذه ؟ .. ( تماما كمشكلة القاف و الغين عند الناطقين بالعربية عندنا..ليت أهل العلم يفتوننا ..).
رحمها الله إحدى خالاتي كانت مريضة بمستشفى الخرطوم الجامعي ،، وبما أنها لا تعرف غير كلمات معدودة في اللغة العربية ،، وكانت الزيارة ممنوعة عنها في ذلك اليوم وجف حلقها من قلة التحدث بالنوبية ، تبحلق في الرائح والغادي وهي تتمنى أن تجد من ( يطق معاها الحنك بكلمة أو كلمتين بلغتها النوبية ) ، وفجأة شاهدت ممرضا توسمتْ فيه من سحنته أن يكون نوبيا من بني لغتها وجلدتها ،، فقالت له بصوت عالٍ وهي فرحة :

هوى يا ولد ،، إنت تيترون ؟ ( تقصد أن تقول له : إنت بترطن ؟ )
فقال لها الرجل والذي أتضح أنه غير نوبي وخفيف دم في نفس الوقت : لا أنا بوبلين.
( و للحناكيش و من جرى جريهم أقول أن التيترون والبوبلين هما من أنواع القماش الذي ظهر أول ما ظهر في الخليج في الستينات ، وكان قماشا ذا صولة وجولة في دنيا المغتربين ثم أنتقل لنا عبر بوابة باب شريف في جدة إلى أسواق السودان إبتداءا من السوق الشعبي حتى سوق كرمة البلد ) ..
ما علينا .. نرجع لموضوعنا ..
ويقال في لسانه حُكْلة : فإنما يذهبون إلى نقصان آلة المنطق وعجز أداة اللفظ حتى لا تعرف معانيه إلا بالاستدلال. ( هل لهذا علاقة يا ترى بما نقوله : كلام الطير في الباقير ؟ أو كلام خارم بارم ؟ ) ..

ففي السودان من يقول : دعستني الساسوية في الكدمبس. (فهذه الجملة لو جلس لها فحول اللغة في العالم العربي وأتوا بمعجم البلدان وتفاسير القدامى والمحدثين فلن يستدلوا على معانيها.. (ومعناها جرحتني قطعة من الزجاج المكسور في الكوشة بعد أن دست عليها .. ولا بد أن قائلها كان حافي القدمين أو لابس جزمة ماركة ( الشدة ) رحم الله أيامها .. و الشدة جزمة من البلاستيك كانت في الستينات والسبعينات من القرن المنصرم نغسل أرجلنا ونحن ننتعلها ونتحاشى المشي بها في الإسفلت نهارا لأنها موصّل جيد للحرارة وهي أقل متانة من الشبشب ماركة تموت تخلي ) ..

أو إليكم هذه الجملة المموسقة : قاعُوُرَدْ
من يرى حروفها يظنها باللغة الأوردية أو الفارسية أو البشتو..
الجملة أصلا تتكون من كلمتين ( قاعد أورد ) و معناها أن الحمى تنتابني أو انتابتني بالفعل .. وهي كما تلاحظون كلمات مشتقة من رحم الفصحى ثم تغلفتْ بالعامية الموغلة في بيئتنا فصارت بذلك الشكل الأعجمي ..

ثم استمعوا لهذا الحوار .. وبالرغم من أن كلماته عربية ولكن أنظروا للطبقة التي تم دهنها بها حتى صارت سودانية تنتمي إلى قبيلة معينة :
يا جنا .. الحمارة أبوك ما جابَّا ؟
فقال الولد بلحن يشابه مط الشوايقة للكلام : أكان جابَا كنت سمعتَ هِنَّيك وَلَتًا في وِتِتًا .
سؤال الرجل مفهوم وواضح ، فالرجل يسأل إن كان أبوه قد أتى بالحمارة للمراح .. أما الولد فقد أجاب : لو أتى أبي بالحمارة لكنت قد سمعت نهيق الجحش وهو مربوط في الوتد ..
فالتقاط كلمة واحدة من بين هذه الجملة قد تجعلك تستدل على المعنى المقصود في سياق الحديث .. أو تجعلك تتلفت كالأطرش في الزفة ..

ثم قالت فتاة نوبية شبه حنكوشة ( من عندنا.. تغرف من سلسبيل العربية ومعين النوبية ) لأبيها الذي انتابته نوبة من القرف ( لأسباب يعرفها هو وليست البنت , وهي أسباب تتعلق بأهداب الكيف والمزاج ) وحاول الأب الإستفراغ بإدخال أصابعه في جوفه دون جدوى .. قالت له الفتاة :
تُكٌن طُراشْكا حاوْلِتَم ووو بابا .. طبيعينقا سُكٍمِنْقِر ..
(Tokkon Torashka Hawlitam Woo Baba , Tabee Inga Sokke Mengir )

ومعناها .. لا تحاول أن تستفرغ يا أبي .. دعه ينزل طبيعيا ..
ومن سياق جملتها بالنوبية تجد كلمة ( طراش .. و ..حاول .. و ..طبيعي .. و ...بابا ، هي كلمات عربية أضيفت إليها أدوات وصل و حروف تعريف نوبية ، بينما نجد أن الكلمة الأولى ( تُكٌن Tokkon) هي أداة نهى بالنوبية ثم كلمة (سُكِمِنْقِر Sokkemengir) كلمة نوبية وتعني ( دعه ينزل ) ..
فالواقف قرب هذه الفتاة وأبوها القرفان يمكنه أن يستدل ما تقصده هذه الفتاة دون أن يتجشم أي عناء ، و ذلك من محاولات الأب اليائسة ووجهه الذي ينم عن ( الكوفار ) ومحاولته العزف منفردا وتَدَخٌل إبنته بهذه النصيحة المزدوجة اللغة ..
( من قال أن الطير يتكلم فقط في الباقير ؟؟ )


امسح للحصول على الرابط
بواسطة : جلال داوود ابوجهينة
 0  0
التعليقات ( 0 )
أكثر

للمشاركة والمتابعة

تصميم وتطوير  : قنا لخدمات الويب

Powered by Dimofinf CMS v5.0.0
Copyright© Dimensions Of Information.

جميع الحقوق محفوظة لـ "كفر و وتر" 2019