• ×
الجمعة 26 أبريل 2024 | 04-25-2024
احمد الفكي

سِرَّك في بئر

احمد الفكي

 0  0  4878
احمد الفكي
سِرَّك في بئر


أوتاد - أحمد الفكي
في مجتمعنا السوداني كثيراً ما نسمع مثل هذه العبارات : ( للبيوت أسرار ... القطر فيه كمساري .. للمجالس اماناتها .. الحيطان ليها آذان .. سِرَّك في بئر )
و في الدوائر الحكومية و المؤسسات الخاصة و الشركات و البنوك و الجهات النظامية نجد أهمية حفظ السر و أسرار العمل و التقارير السرية التي تعمل عمل كاميرات المراقبة . و من واقع العولمة و التقنيات الإلكترونية أصبحت كلمة السر و الرقم السري من المصطلحات المألوفة و المعروفة .
و من البرامج التلفزيونية التي وجدت متابعة و نجاح برنامج سري للغاية الذي كانت تبثه قناة الجزيرة القطرية في سابق دورتها البرامحية .
مما لا شك فيه أن كتمان السر يساعد على النجاح في الأعمال، ويؤمِّن السالك من أخطار الطريق، ويريح الضمير، ويحفظ للإنسان مكاسب طيبة ما دامت بعيدة عن علم الغير، ولا يتيح للمنافس أو العدو فرصة يظهر بها عليه أو ينال بسببها منه .
في تراثنا السوداني يكثر ترديد المثل سِرَّك في بئر وقصته قد تكون عالمية تُروى بروايات مختلفة و لكن المقصد واحد . مغزى قصة مثل سِرَّك في بئر تهدف إلى مكانة و أهمية حفظ السر و مجاهدة النفس على كتمانه وما تحمله عاقبة إفشائه . حيث تقول الرواية أنَّ ملكاً كان أصلع ، يفتقد للتصالح الذاتي من واقع انه كان يضع قطعة سوداء تشبه الشعر مغطياً بها صلعته و من فوقها التاج ، وحتى يخفى أمر صلعته عن رعيته قام بتعين حلاق خاص به عُرِفَ باسم حلاق الملك . و عندما قام حلاق الملك بأداء واجبه اكتشف أنَّ الملك أصلع وليس في رأسه سبيبة شعر واحدة . أراد أن يخبر الناس بما يتصف به رأس الملك ولكنه خاف أن يكون مصيرة الحكم عليه بالإعدام ، نازعته نفسه ما بين كتمان السر و إفشائة ، فلم يجد بُداً من إفشاء ما عرفه من أمر رأس الملك ،. فذهب إلى بئر مهجورة ليس بها ماء خارج نطاق السكان فوقف على فوهة البئر ولم يستطع أن يكتم السر وقال بصوتٍ مسموع داخل البئر ثلاث مرات : (الملك أصلع .. الملك أصلع.. الملك أصلع ) فاستراح قلبه و سكن خاطره ، و لكن لسوء حظ ذلك الحلاق كان يرقد داخل البئر رجل من معارضي الملك ، فخرج. من البئر مسرعاً وذاع ما سمعه من قول الحلاق . وقتها عمَّ الخبر وذاع و انتشر و وصل مسامع الملك و ما هي إلا لحظات وقد. أُحضر الحلاق و تم قطع راسه نكال ما بثه من سرٍ لم يكتمه و يصونه.
من واقع تلك القصة نفهم أنَّ إفشاء السر موجب للعواقب و الضغائن ، موقع في الحرج، مفرق بين الأحبة، مخرب للأسرة، مسبب في اضطراب الأمن، ممكِّن للعدو من النيل من الإِنسان أو الجماعة، فقد يكون عند الإِنسان ثروة لو عرف الغير سرها لأغرت اللصوص أو أكثرت الحساد عليه، وقد يكون مشروع علمي لو اطلع الغير عليه لسبقه إليه أو تخطيط حربي لو عرفه العدو لأفاد منه . و كثير ما تفشل الإنقلابات العسكرية بسبب إفشاء سر وقت ساعة الصفر . ومن أجل ذلك جاء التحذير الشديد من إفشاء السر، و الأمر بحفظه و صيانته .
ألا تأملنا قوله تعالى على لسان سيدنا يعقوب لابنه سيدنا يوسف عليهما السلام وعلى نبينا الحبيب المصطفى أفضل الصلاة والسلام حينما قص عليه رؤياه بسجود الكواكب والشمس له : ( قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ) 5 يوسف
و من تعاليم ديننا الحنيف ما جاء في صحيح مسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن أعظم الأمانة عند الله يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم ينشر سرها ) .
وفي الحديث أنه صلى الله عليه وسلم قال : استعينوا على قضاء حاجاتكم بالكتمان فإن كل ذي نعمة محسود .
و من حِكم و أقوال سيدنا علي رضى الله عنه : (سرك أسيرك، فإن تكلمت به صرت أسيره) .
* آخر الأوتاد :
سِرَّك في بئر في معناه العام المفهوم يقصد بهعدم إفشاء السر و كتمانه بالمحافظة علىه ، ولكن كل سر جاوز الاثنين شاع ، لذا يجب أن يُقال سِرَّك في الصدر بدلاً عن سِرَّك في بئر .
من ضمن ما جاء في شعر الأصمعي في وصيته للفتى الذي وقع في بحر العشق قائلاً له:
إذا لم تجد صدراً لكتمان سره
فليس له شيء سوى الموت ينفع
امسح للحصول على الرابط
بواسطة : احمد الفكي
 0  0
التعليقات ( 0 )
أكثر

للمشاركة والمتابعة

تصميم وتطوير  : قنا لخدمات الويب

Powered by Dimofinf CMS v5.0.0
Copyright© Dimensions Of Information.

جميع الحقوق محفوظة لـ "كفر و وتر" 2019