البعكوكة
حجر الزمن البغيض
عبدالحي ابوزيد الرياض
حدثني صديقي والحسرة تملأ عينيه عن هذا الزمن البغيض الذي لفظ كل الأواصر الاسرية وتقطعت فيها سبل التواصل بين الارحام الا من أبى .. قال لي إن أمي يحفظها الله بعد أن مات والدها ترك لها ارثا من الاطفال الصغار وحتى لا تذهب احلامهم وتوئدها الايام قامت باحتضانهم بكل عطف وحنان وكان زوجها في ذاك الوقت يعمل كمدير لاحدي المؤسسات وحاله ميسور بحمد الله فإرتضى ان يتبني مع زوجته اخوتها وقام بتربيتهم بأحسن ما يكون حتى تخرجوا من جامعاتهم وكانوا اربعة ودخلوا معترك الحياة بوظائف جيدة مما اتاح لهم الزواج من اسر ذات حسب ونسب .وتمكنوا بعد فترة من الهجرة والاغتراب وكان وجهتهم بلاد الخليج الجاذبة التي تفئد اليها العقول والقلوب .. وتيسرت احوالهم بأفضل ما يكون ..
شببت عن الطوق كما يقول وراودني حلم الهجرة لالحق بتوهجها وقد سبقني جيل من الشباب .. حملت كل احلامي وجئت يملؤني التفاؤل بأن اجد كل الابواب مفتحة في استقبالي .. ولكن خيالاتى راحت تتجسر بوقائع لم تكن تخطر على البال .. وان الامر ليس بالسهولة التي ساقها لي من سبقني وهم يجسدون لي العيشة الهنية التي هم عليها .. وفي واقع الامر لم يكن لي ملجأ ألجأ اليه الا احد خوالي ليعينني في غربتي الشاقة وقد استقبلني في باديء الامر بحفاوة استراحت فيها سرائري ومضت بعض الايام ولكنها كانت حبلى بالكثير من الالام حيث انكشفت الوجوه المنفرة وصار وجودي في هذا المنزل عسيرا بسبب المضايقات التي ابدتها زوجة الخال وهو ساكت ولا يفعل شيئا لانها كانت هي صاحبة الرأى بقوة شخصيتها .. ولما كان الامر فيه اذلال لشخصيتي تركت ذلك المنزل وبحثت عن مأوى جديد مع بعض الاخوة من العزاب .. ولم يكن لدي ما يكفى لمصروفي وقبلوني بعلاتي افترشت فيها الارض ويلف جسدي النحيل احرام العمرة الذي كان معي بعد ان اديت مناسكها عند قدومي للمملكة .. ولما كان الامر يتطلب توفير مصروفات السكن والمعيشة وعدم وجود وظيفة مناسبة في ذلك الوقت .. كان لابد مما ليس منه بد فقمت بشراء بعض كراتين المياه وبدأت اطوف بها في بعض اشارات المرور في المدينة استجدي العطشي حتى أروي ظمأهم وتمكنت من خلال هذا العمل ان اجمع بعض النقود وأوفيت بحق سكني .. وبدأت بعد ذلك رحلة البحث عن المتاعب .. فالتحقت باحدي الورش كصبي ذقت فيه مرارة الذل والهوان بسبب معاملة صاحب الورشة .. بعد ذلك اتيحت لي فرصة أن اعمل كحمال في احدي المؤسسات فكان شاقا ان استمر فيه الي ان فتح الله لي عن طريق احد الاخوة من السعوديين الذي تعاطف معي واستعان بي في اعماله التي كنت اقضيها بكل امانة وصدق تعززت فيها مكانتي عنده فحظيت بثقته .. وكان ذلك فتحا جديدا في حياتي وتيسرت احوالي بحمد الله وتوفيقه .. لكن اقف هنا عند الامر الذي بات يعتصرني بالالم فخلال الشهور والايام التي بقت سنوات لم يفتح الله على اخوالي وهم ثلاثة في نفس البلد بالسؤال عني وتفقد احوالي بعد ان اخذت منهم الحياة قيم النبل فكان التجاهل هو عنوانهم . المهم توطدت علاقاتي بالكثير من المؤسسات الخدمية بسبب عملي الذي اتاح لي التعرف بالعديد من الاشخاص الذين كانوا يسهلون مهامي .. واستطعت بعد ان تيسر الحال كثيرا أن آتي باثنين من اخوتي بتأشيرة عمل وهم الان في احسن الاحوال في بعض مدن المملكة .. ثم بعد ذلك ارسلت تأشيرة زيارة لوالدي ووالدتي وجا ؤا الي المدينة التي اعمل فيها وهي كذلك تضم اشقاء والدتي اي خوالي وقد عرفوا بهذه الزيارة لكنهم لم يتكرموا بسؤالى عن استضافتها فقمت باستئجار احدي الشقق المفروشة واكرمت وفادتهم باحسن ما يكون ، ولان مثل هذه الحالات يأتي الناس للزيارة فكانوا يذهبون الي بيت خالي فيسألون عنها ولايجدونها مما ترك اكثر من علامة استفهام عند ذوي القربى او الاصدقاء من المعارف فكان الهمز واللمز والاستنكار مما ترك انطباعا سيئا عندهم .. صبرت على هذا الحال فقد كنت احدث نفسي عن الوفاء لاهل العطاء فكيف هان عليهم تلك الاخت التي سهرت وكابدت من اجل اخوتها ويجدون منها هذا التجاهل واللامبالاة فكتمت غيظي واستدركت ان الحياة تفتقد كل معانيها الجميلة من اواصر الاخاء والمحبة واستدركت ايضا ان بعض زوجات المغتربين لهم اليد الطولى في تغيير مفاهيم ازواجهن مما يفقدهم التوازن في واجباتهم الاسرية والاجتماعية . المهم ولان ايماني بصلة الرحم فلم انقطع عنهم وبالاتصال بهم والسؤال عن احوالهم .. فكان ان مر باحدهم ظرف قاسي فلم يجد مفرا من الاتصال بي لانقذه فقمت بواجبي نحوه واخراجه مما هو فيه وأنا استنبط الماضي الاليم الذي ذقت فيه الذل والمهانة عندهم .. هذه قصة واقعية قد تكون مرت على الكثيرين منكم .. وهي تبين قبح الواقع ومنغصاته والحسرة على القيم والاخلاق التي تتقاذفها الاهواء بلا رحمة .. والله المستعان
حجر الزمن البغيض
عبدالحي ابوزيد الرياض
حدثني صديقي والحسرة تملأ عينيه عن هذا الزمن البغيض الذي لفظ كل الأواصر الاسرية وتقطعت فيها سبل التواصل بين الارحام الا من أبى .. قال لي إن أمي يحفظها الله بعد أن مات والدها ترك لها ارثا من الاطفال الصغار وحتى لا تذهب احلامهم وتوئدها الايام قامت باحتضانهم بكل عطف وحنان وكان زوجها في ذاك الوقت يعمل كمدير لاحدي المؤسسات وحاله ميسور بحمد الله فإرتضى ان يتبني مع زوجته اخوتها وقام بتربيتهم بأحسن ما يكون حتى تخرجوا من جامعاتهم وكانوا اربعة ودخلوا معترك الحياة بوظائف جيدة مما اتاح لهم الزواج من اسر ذات حسب ونسب .وتمكنوا بعد فترة من الهجرة والاغتراب وكان وجهتهم بلاد الخليج الجاذبة التي تفئد اليها العقول والقلوب .. وتيسرت احوالهم بأفضل ما يكون ..
شببت عن الطوق كما يقول وراودني حلم الهجرة لالحق بتوهجها وقد سبقني جيل من الشباب .. حملت كل احلامي وجئت يملؤني التفاؤل بأن اجد كل الابواب مفتحة في استقبالي .. ولكن خيالاتى راحت تتجسر بوقائع لم تكن تخطر على البال .. وان الامر ليس بالسهولة التي ساقها لي من سبقني وهم يجسدون لي العيشة الهنية التي هم عليها .. وفي واقع الامر لم يكن لي ملجأ ألجأ اليه الا احد خوالي ليعينني في غربتي الشاقة وقد استقبلني في باديء الامر بحفاوة استراحت فيها سرائري ومضت بعض الايام ولكنها كانت حبلى بالكثير من الالام حيث انكشفت الوجوه المنفرة وصار وجودي في هذا المنزل عسيرا بسبب المضايقات التي ابدتها زوجة الخال وهو ساكت ولا يفعل شيئا لانها كانت هي صاحبة الرأى بقوة شخصيتها .. ولما كان الامر فيه اذلال لشخصيتي تركت ذلك المنزل وبحثت عن مأوى جديد مع بعض الاخوة من العزاب .. ولم يكن لدي ما يكفى لمصروفي وقبلوني بعلاتي افترشت فيها الارض ويلف جسدي النحيل احرام العمرة الذي كان معي بعد ان اديت مناسكها عند قدومي للمملكة .. ولما كان الامر يتطلب توفير مصروفات السكن والمعيشة وعدم وجود وظيفة مناسبة في ذلك الوقت .. كان لابد مما ليس منه بد فقمت بشراء بعض كراتين المياه وبدأت اطوف بها في بعض اشارات المرور في المدينة استجدي العطشي حتى أروي ظمأهم وتمكنت من خلال هذا العمل ان اجمع بعض النقود وأوفيت بحق سكني .. وبدأت بعد ذلك رحلة البحث عن المتاعب .. فالتحقت باحدي الورش كصبي ذقت فيه مرارة الذل والهوان بسبب معاملة صاحب الورشة .. بعد ذلك اتيحت لي فرصة أن اعمل كحمال في احدي المؤسسات فكان شاقا ان استمر فيه الي ان فتح الله لي عن طريق احد الاخوة من السعوديين الذي تعاطف معي واستعان بي في اعماله التي كنت اقضيها بكل امانة وصدق تعززت فيها مكانتي عنده فحظيت بثقته .. وكان ذلك فتحا جديدا في حياتي وتيسرت احوالي بحمد الله وتوفيقه .. لكن اقف هنا عند الامر الذي بات يعتصرني بالالم فخلال الشهور والايام التي بقت سنوات لم يفتح الله على اخوالي وهم ثلاثة في نفس البلد بالسؤال عني وتفقد احوالي بعد ان اخذت منهم الحياة قيم النبل فكان التجاهل هو عنوانهم . المهم توطدت علاقاتي بالكثير من المؤسسات الخدمية بسبب عملي الذي اتاح لي التعرف بالعديد من الاشخاص الذين كانوا يسهلون مهامي .. واستطعت بعد ان تيسر الحال كثيرا أن آتي باثنين من اخوتي بتأشيرة عمل وهم الان في احسن الاحوال في بعض مدن المملكة .. ثم بعد ذلك ارسلت تأشيرة زيارة لوالدي ووالدتي وجا ؤا الي المدينة التي اعمل فيها وهي كذلك تضم اشقاء والدتي اي خوالي وقد عرفوا بهذه الزيارة لكنهم لم يتكرموا بسؤالى عن استضافتها فقمت باستئجار احدي الشقق المفروشة واكرمت وفادتهم باحسن ما يكون ، ولان مثل هذه الحالات يأتي الناس للزيارة فكانوا يذهبون الي بيت خالي فيسألون عنها ولايجدونها مما ترك اكثر من علامة استفهام عند ذوي القربى او الاصدقاء من المعارف فكان الهمز واللمز والاستنكار مما ترك انطباعا سيئا عندهم .. صبرت على هذا الحال فقد كنت احدث نفسي عن الوفاء لاهل العطاء فكيف هان عليهم تلك الاخت التي سهرت وكابدت من اجل اخوتها ويجدون منها هذا التجاهل واللامبالاة فكتمت غيظي واستدركت ان الحياة تفتقد كل معانيها الجميلة من اواصر الاخاء والمحبة واستدركت ايضا ان بعض زوجات المغتربين لهم اليد الطولى في تغيير مفاهيم ازواجهن مما يفقدهم التوازن في واجباتهم الاسرية والاجتماعية . المهم ولان ايماني بصلة الرحم فلم انقطع عنهم وبالاتصال بهم والسؤال عن احوالهم .. فكان ان مر باحدهم ظرف قاسي فلم يجد مفرا من الاتصال بي لانقذه فقمت بواجبي نحوه واخراجه مما هو فيه وأنا استنبط الماضي الاليم الذي ذقت فيه الذل والمهانة عندهم .. هذه قصة واقعية قد تكون مرت على الكثيرين منكم .. وهي تبين قبح الواقع ومنغصاته والحسرة على القيم والاخلاق التي تتقاذفها الاهواء بلا رحمة .. والله المستعان
