• ×
الجمعة 26 أبريل 2024 | 04-25-2024
قيلي

نام الخالدي و ماتت الخرطوم...!

قيلي

 0  0  7433
قيلي
زمن ملعون ,كأنه برطوش مرقع و دنيا لا تبتسم . أفيء إلي حضن صوت دافيء يخصني وحدي أيضا . في أيام الصيف القائظة أقطع قلب الخرطوم -راجلا-في أغلب الأحوال من عند صينية كاتارينا مرورا بشارع السيد عبدالرحمن و حتي صينية القندول . لم أسموها القندول ؟ أي قندول كانوا يقصدون مع العلم انه لا يوجد ثمة قندول واحد أعلي الساحة و لا يحزنون ,وحدهم المقاطيع و المشردون و الهوام يتسيدون المكان .لا ادري لماذا تمخر المركبات عباب المدينة حزينة في هذه اللحظة بالذات . السائقون مرهقون و ضجرون .الباعة يركبهم الهم و الكآبة ,طلبة المدارس يتناثرون علي امتداد الشارع كألوان مائية علي صفحة لوحة سريالية بينما موجة الحر المعتادة قد أخذت بتلابيب المدينة حتي فاحت روائح بول السابلة التي كانت تعطن الجدران الاسمنية و كان صوت الأذان ينطلق من الجامع الكبير مبحوحا و فاترا .

تلك الخرطوم و الوقت عصرا لكنها معصورة في حزنها و آلامها عصرا و تخوم أمدرمان تلوح من فوق الجسر الأسمنتي , الحافلة تئن من ثقل الركاب و لكنها تتجاسر علي الطريق .
النيل الأبيض ليس أبيضا تماما لكنه مائل إلي الزرقة .في أي شهر نحن ؟ هل فاض النيل ؟الضفاف ليست ممتلئة تماما و عند الفتيحاب تلمح الصبية يسبحون عند الشاطئ .احد الركاب جزم قائلا أن ثمة غريق البارحة لم يتمكن الناس من انتشال جثته الا عند الساعات الأولي من الفجر بفعل الرياح العاتية و الأمواج الهادرة . و كان صوت مسجل الكاسيت ينطلق عذبا :
- سيرتي ليك كان تبقي سيرة
و تعرفي الايام كتيرة ..
يا حليل قلبي البريدك
و ديمة بحلم بي معادك
الله ما يوريك شقاوة
تلقي انتي الفي مرادك

الصوت يسبح في الفضاء . يغوص في النيل ثم يهدر مع رياح الصيف ثم ما يلبث ان يصعد أعلي ناصية القلب ليهبط بعدها مستقرا في الفؤاد . الخالدي .اه الخالدي . طالبت السائق أن يرفع صوت جهاز التسجيل ففعل بمنتهي الحبور كأنه كان ينتظر أحدا ما يحثه علي ذلك الفعل .
زي كانك ما عرفتي
ريدك ليك يا الحلوة انتي
ما حكيتو ليك قلتو
في عيوني براك شفتو
الا يظهر يا الاميرة زي عيوني عيون كتيرة ..

أتذكر الخالدي في تلك الليالي النضرات . عند أضواء المسرح الكبير قبالة النيل و هو يصدح , علي خشبة نادي اتحاد طلاب جامعة الخرطوم , في حفلات التخرج , نادي الخرطوم جنوب و في أمكنة كثيرة ,سامق القامة و بهي الطلعة لكن محياه يكسوه الحزن . يبدو خجولا لكن في صوته جسارة , لا يبدو أنه يغني لكن يبدو أن موجة الحزن التي تركبه هي التي تصدح بالشجن , تلك النبرة المتكسرة و الموسيقي الصاخبة ليستا في عراك و لكنهما متصالحتان بفعل قانون الجاذبية الفنية . كنت مدمنا علي الصوت كأنما الطرب ما يزال حديث عهد بالكائنات و كان كل مقطع في أغنية للخالدي مرتبط عندي بذكري ما , بهجة ما ,نكسة ما و شجن ما . كنت كالدرويش في ساحة المولد حين تئن الطبول بالعشق . أرقص برجل واحدة , أزغرد و أقطع المسافة في انصاص الليالي بعد انتهاء حفل للخالدي (كداري ) نحو البيت و أنا ثمل بالغناء
.
حين مات الخالدي كانت الخرطوم تنام باكرا كعادتها ,توصد شباك الليل و تغرق في (الهضربة ) فتلك مدينة جفتها الأحلام و تيبست فيها شجيرات الأمل فصارت كئيبة و غارقة في الظلام .
ماتت الخرطوم و نام الخالدي و ما زال حس عوده ينقر في قلبي حزينا :
كلما أقول ليك حني
بميعاد يوم يا الاميرة
بس تقولي ليا اصبر
باكر الايام كتيرة ...
امسح للحصول على الرابط
بواسطة : قيلي
 0  0
التعليقات ( 0 )
أكثر

للمشاركة والمتابعة

تصميم وتطوير  : قنا لخدمات الويب

Powered by Dimofinf CMS v5.0.0
Copyright© Dimensions Of Information.

جميع الحقوق محفوظة لـ "كفر و وتر" 2019