• ×
الإثنين 29 أبريل 2024 | 04-28-2024
جلال داوود ابوجهينة

نحن كدة

جلال داوود ابوجهينة

 1  0  1864
جلال داوود ابوجهينة

نايلة ، فتاة سمحة وجميلة و يتمناها الكثيرون كزوجة.
ورغماً عن هذا، تم طلاقها بعد خمسة وخمسين يوماً بالتمام والكمال من تاريخ زواجها.
والأسباب مجهولة، ولكن السبب المتداول أنها كسولة و ( لا تنفع ست بيت ).
شقيقتها منيرة ، حظها من الجمال قليل، بل قليل جداً.
ولكنها ( ست بيت) من درجة ( الخمسة نجوم ) .
وكما يقول أهلنا : ( شايلة البيت على راسها ) .
طوال ساعات اليوم إما في المطبخ أو محتضنة (طشت) الغسيل أو تقوم (بكى) الملابس أو بتنفيض البيت من الأتربة والغبار، دون كلل أو ملل.
الأب كان قد تنفس الصعداء عندما تزوجت نايلة، و لكن هاهي تعود ( لمراحها ) ، فصار همه مرة أخرى مضاعفاً.


طرق الباب ذات يوم أحد أقرباء الأب .
مغترب كانت أخباره قد انقطعت عنهم لفترة طويلة. سمعوا أن زوجته قد توفيت في أول ولادة لها ولم يتزوج بعدها.
برزت علامة إستفهام كبيرة وحائرة لدى الأسرة : يا تري، ما الذي رمى به في طريقنا بعد كل هذه السنوات ؟ أيرغب في إحدى البنتين ؟
نايلة قالت في نفسها وهي تنظر في المرآة : أكيد سمع بي طلاقي وجايي يعرسني. بس ال يخش في إيدي والباقي هين. دة ما بطير مني زي الأولاني.
وابتسمت لنفسها وأصلحت من هندامها وهي تتأبط شيئاً في نفسها الأمارة بالزواج مرة أخرى.
منيرة ، تعرف أنها لا تملك شيئا تتباهى به غير ( فنها المطبخي والمنزلي ) لذا فهي تعتمد على مباهاة أمها بها أمام الجارات والأقارب.


وجاء المغترب وتجاذب أطراف الحديث مع صاحب البيت لبرهة ثم خرج مشيعاً بنفس علامة الإستفهام و التي كبرتْ وتضخمتْ.
غرق الأب في التحليل والتخمين وهو ينظر للفتاتين: يا ربي ياتا فيهن؟
والأم حائرة ، لمن ترشحه إذا تقدم.
بالطبع قفْزٌ مبكر على معطيات الأمور.
ولكنه حدْس الأم الذي يقوده خوفها على مستقبل البنتين وحرصها على أن تدخلا بيت الزوجية.
ومنيرة تنظر للأب وكأن لسان حالها يقول : أنا يابوى ، الدور علي أنا.
نايلة، معتمدة على جمالها ، تقبع في غرفتها وهي تتظاهر بعدم المبالاة ،
رغم الأسئلة الكثيرة التي تزحم رأسها والآمال العريضة التي تتراقص أمام عينيها.
بعد عدة زيارات غير معلنة الأهداف ، تأكد للجميع ، أن ( زولنا ) يقوم بزيارات إستكشافية.
فزادت وتيرة المباراة في البيت.

نايلة تتألق بثياب وبقايا ( ذهب ) زواجها الأول التي تسميها صديقتها ( الحزن القديم ) .
ومنيرة أخرجت كل ما في جعبتها من أصول الطهى وتلميع الكبابي وتبخيرها بالمستكة وتقديم الشاى المنعنع و أبو هبهان و زنجبيل و قرفة.
الأم تقف محايدة، والأب يقف بحذر في صف المطلقة لأسباب مقتنع بها في دخيلة نفسه.
صراع خفي يحتدم بين الفتاتين .
والأم في جهة والأب في جهة أخرى ،
ولكنه صراع مكبوت، تفضحه أحياناً التصرفات أو التعليقات.
لم يحدث قط أن وصلت الأمور بين الشقيقتين إلى هذا الحد من المناكفة و الغيرة.

يأتي (زولنا) ، فتهرع نايلة بكامل أناقتها وأسلحتها الهجومية وتفتح له الباب مبتسمة ابتسامة عريضة..
وما أن يستقر على الكرسي حتى تكون منيرة قد أتت بالعصير وارتطام مكعبات الثلج بجوانب الجك الزجاجي يموسق خطواتها الخجولة.
بعد أن شرب ( الزول ) نصف الجك وقال إنه عصير لم يشرب مثله من قبل ، تقول نايلة لمنيرة، بحكم أنها الكبيرة : بعد دة أنا بودي العصير.
تقول منيرة وهي متحفزة : خلاص ، سويهو إنت و وديهو.
فتسكت نايلة على مضض ، فهي تكره دخول المطبخ.
وعندما سبقت منيرة يوماً نايلة في فتح الباب للزول ، قالت نايلة و هي تلوي ( بوزها ) : الخفة العليكي شنو ؟
فترد منيرة : يعني هو لما خبط الباب ، قال يا نايلة تعالي أفتح الباب ؟

أحيانا عندما يأتي زولنا ، تختلق نايلة مشواراً لمنيرة للدكان ليخلو لها الجو، وتبدأ المشاحنة.
ما قبل ذات زيارة ، أخفت منيرة كل الذهب التي تتزين به نايلة.
وحدثت أول مشكلة بينهما يتدخل الوالدان لفضها وهما في حيرة من أمرهما والحال الذي وصلت إليه الشقيقتان وإنقلب حالهما رأسا على عقب.
و (زولنا) يأتي و ينقل بصره حيث شاء بين الفتاتين، وحرب خفية تدور بين الأختين، وهو لا يدري أنه هو الذي قد أشعل أوارها وأوقد نارها.
وانطلقت أسوأ الشرارات عندما أتى (زولنا) بهدية وقال للأب : دي هدية متواضعة لأختنا منيرة.
لولا الحياء لأطلقت منيرة زغرودة تجيدها تماما.
ولكنها أخذت الهدية التي توسدتها بدلاً من المخدة ليلتها،
وسهرت تدعو الله أن يلج الزول في قفصها والتي نذرت إن فعل و ولج القفص لتغلقه عليهما القفص وتبلع المفتاح ( لا دخول لا مروق تاني ).
ليلتها، مرت الساعات على نايلة وكأنها دهور ،
تنظر إلى منيرة تحتضن هديتها وهي تكاد تنفجر من الغيظ. ومنيرة لا تفتأ تغني لكى تزيد من غيظها : أول غرااااام ، ياااااا أجمل هدية.

أتى الزول متأنقاً في اليوم التالي، فبادرته منيرة بفتح الباب له منحنية خجلاً تداري جمالها الشحيح ، وكأنها تشكره على الهدية، وتظهر له إستعدادها لتكملة بقية المشوار، ولكن زولنا فاجأ الجميع بأن أحضر هدية ( طبق الأصل ) لنايلة وهو يعتذر بأنه لم ينس هديتها ولكنه لم يجد مفتاح الشنطة الأخرى في ذلك اليوم.
ألجمت المفاجأة الجميع، وخاصة منيرة. عقلها المحدود لم يستطع أن يحلل مغزى المساواة هذه.
نايلة رغم أنها كسبت معركة ولم تكسب حربا ، أيضاً لم تجد تفسيراً للذي حدث.
ماذا يريد هذا الرجل ؟ ربما هو في صراع نفسي للإختيار والمفاضلة.


وهنا قرر الأب أن يرتاح من هذا الجو المكهرب والحيرة اليومية فسارع بسؤال الرجل سؤالا مباشراً :
إنت يا ولدي إتزوجت بعد موت زوجتك الله يرحمها ؟
قال الشاب بهدوء : لا يا عمي
قال الأب وهو يكتم سروراً : طيب مستني شنو ؟
قال الشاب بلهفة : عشان كدة جيتك يا عمي ، وكل يوم أقول أفتح الموضوع ، ما بلقى الشجاعة وأقول أخليهو لتاني يوم. أهو كويس إنك سألتني الليلة.
وهنا إنفرجت أسارير الأب بإبتسامة عريضة وقال بثقة وهو يمدد رجليه كأبي حنيفة:
أها ، ياتا فيهن يا جنا ؟
فقال الرجل : والله يا عمي هي قالت لو ما إنت وافقت هي مابتوافق لأنك عمها الوحيد و إنت في مقام أبوها..
قال الأب و هو يهب واقفا كالملسوع : دي منو يا جنا ؟
فقال الشاب مطرقاً : بت أخوك الشغالة معلمة في السعودية. حتى أخوها المعاها مُحْرم موافق.
نايلة و منيرة كانتا تسترقان السمع من وراء ستار،
نظرت كل واحدة إلى الأخرى بزاوية حادة من الدهشة المشوبة بخيبة الأمل والغيظ والإحباط ، ثم بلا وعْى إحتضنت كل واحدة الأخرى و راحتا في ضحك هستيري


امسح للحصول على الرابط
بواسطة : جلال داوود ابوجهينة
 1  0
التعليقات ( 1 )
الترتيب بـ
الأحدث
الأقدم
الملائم
  • #1
    عبادة بن الصامت 04-19-2012 10:0
    ابوجهينة يا جميل.... اخرجتنا من الملل والغثاءالذي تعج به محبوبتنا كفر ووتر من كتاب العصبية .... وتسلم اخوي.....
أكثر

للمشاركة والمتابعة

تصميم وتطوير  : قنا لخدمات الويب

Powered by Dimofinf CMS v5.0.0
Copyright© Dimensions Of Information.

جميع الحقوق محفوظة لـ "كفر و وتر" 2019