• ×
الإثنين 29 أبريل 2024 | 04-28-2024
علي الكرار هاشم

مساحة ثقافية

علي الكرار هاشم

 0  0  4941
علي الكرار هاشم
المسافة بين الخروج والعودة

وتمر الأيام في دورتها التي لا تعرف التوقف ولا تعرف الكلل والملل كما لا يتسرب إليها خلل في نظامها ذلك أنه (لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار) ومن رحم هذا التوالد المستمر تنشأ شهور وسنوات هي عمر الإنسان في بلده أو في مهجره فالأمر سيان لكن الفرق الوحيد هو أن لكل عمر طعم ومذاق ولكل لحظة لون خاص تتفرد به وإذا كان الناس قد اختلفوا بين من يبكي علي الشباب ويصيح قائلا ( ألا ليت الشباب يعود يوما فأخبره بما فعل المشيب) فان المتنبي وقف موقفا مغايرا حين رد بقوة ( خلقت ألوفا لو رجعت إلي الصبا لفارقت شيبي موجع القلب باكيا) وهذا هو الاختلاف الذي عنيناه في لون وطعم الأيام.
ولنا جمهور المغتربين علاقة غريبة مع الأيام ودورتها فرغم أننا حملنا معنا أشياءنا من تراث وعادات ومتعلقات شخصية ودلفنا بها إلي بوابات الاغتراب وصارت لنا مناسبات ومواسم من أفراح وأتراح بل وحتى الأربعين (النسائية) والموالد الصوفية وغير ذلك من اللحظات المصنوعة بغريزة حب البقاء والتعلق بالحياة إلا أن الإحساس بالعمر وتقدمه ومرور الأيام وما تصنعه علي الوجوه من خطوط وتعرجات وألوان كل هذا لا يشعرنا بمرور الوقت وتجدنا دائما في انتظار للغد وحرص مفرط علي وصوله فبين من ينتظر راتبه ليسدد ما عليه من التزامات وبين من يحسب الشهور لتجديد إقامته وبين من ينتظر تاريخ سفره لأهله وهكذا يتطلع الكل للغد في شوق مشوب بالخوف وهو من شاكلة ( يا ويح فؤادي من غد).
والعمر في ذاكرة المغترب متوقف عند تلك اللحظة التي فارق فيها الوطن لحظة وداع ذلك الفتي الغض الإهاب ساعة فارق أهله قبل عدة أعوام وظل هائما في دروب الغربة يتمني لحظة الرجوع والعودة ويدس لها الكثير من المشاعر والأحاسيس ويحفظ لها عبارات الشوق ليبثها للجميع ساعة التلاقي حتى إذا ما لامست الأقدام أرض الوطن وصافحنا الناس ورأينا أبناء الدفعة وقد تغيروا والصغار الذين كبروا حينها يحس الفرد بأن الأيام تمر والعمر يتقدم.وحينها فقط يحس بأن الأدوار قد تبدلت وعليه أن ينتقل إلي المربع الآخر ولأنها نقلة فجائية ودورة من الزمن لم نعايش مراحلها فسوف يبقي قبولها صعب علي النفوس.
ومن هنا فانك تحس بالحسرة عندما تجد الذين تقدم بهم العمر رجالا ونساء ولا زالوا يجوبون شوارع المدن البعيدة في المهاجر يتلمسون طريقهم بمشقة وينقلون خطاهم بصعوبة بالغة.وتحس نفس الإحساس تجاه الشباب الذين تربوا بعيدا ولا يعرفون عن بلادهم إلا القليل ولا عن ثقافات أهلهم شيئا يذكر ولكنها انعكاسات الهجرة تلك الرحلة التي ولدت بظروفها وإرهاصاتها وأسبابها ثم تمددت بها الأيام ومرت عليها السنون لتصبح عمرا كاملا نتج عنها الكثير من السلبيات وبعضها قد يستعصى علي الحل.

alialkarar@hotmail.com


امسح للحصول على الرابط
بواسطة : علي الكرار هاشم
 0  0
التعليقات ( 0 )
أكثر

للمشاركة والمتابعة

تصميم وتطوير  : قنا لخدمات الويب

Powered by Dimofinf CMS v5.0.0
Copyright© Dimensions Of Information.

جميع الحقوق محفوظة لـ "كفر و وتر" 2019