• ×
الجمعة 26 أبريل 2024 | 04-25-2024
صلاح شكوكو

لاولي النهى

صلاح شكوكو

 0  0  2052
صلاح شكوكو
وإن أفتاك الناس وأفتوك

كثر الحديث في الأونة الأخيرة حول مبارة الهلال النهارية الرمضانية بالكاميرون، والمفارقة أن يكون الهلال ميقاتا للصوم (صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته) فكيف للميقات أن يبحث عن سبيل يبيح له سبل الإفطار؟.

والعجيب أن البعض وجد في إباحة الفطر عند السفر فرصة، فتجاوز السفر بمعناه الحركي وهو الإنتقال من مكان لآخر، وفق مسافة القصر (ثمانية وأربعون ميلاً)، ليضم إليها تابعا، رغم أن السفر لم يعد بذات مشقة السفر يوم أن كان بالدواب ونحوها، ليشمل السفر كل أنواع السفر حتى لو كان بالمركبات الفضائية، طالما أنه أمر محسوم وليس فيه إستثناء.

لكن المشكلة هنا ليست في السفر بل في المباراة، لأن هذا الخلط يعتبر جزءا من حلقات المحبة الموغلة وهي ضرب من التعصب الذي يقود الى الهوى، وهو أستدراك للغاية دون النظر الى الوسيلة والسبيل، فأهل الهلال يحدوهم الأمل في تحقيق نتيجة جيدة في هذه المباراة، وهذا في الحقيقة حق مشروع، لكن عدم المشروعية هي أن ألجأ للإفطار لتحقيق غاية الفوز، لأن هذا الأمر يتعارض مع أمر ديني لا يستوجب المساومة، إلا إذا كان الهلال سيصل الى الكميرون يوم أداء المبارة مستفيدا من رخصة السفر.

لإن الله حينما فرض الصيام على المسلم إستوجب تحقيق شروط بعينها بأن يكون المسلمُ بالغا وقادرا على الصوم، أما رخصة الإفطار فكانت للمريض والمُسافر ثم المُرضع والحائض وفق مقتضيات محددة، حيث لم ترد أي رخصة للاعبي الكرة.

أما التعليل بإباحة الافطار على أساس السفر فهذا شأن لا يستطيع أي أحد أن يخالف أمر الله فيه، لأنه شأن مقرر بالنص القرآني الكريم، لكن ماذا لو أن السفر قد إنتهى بالوصول الآمن الى محطة الوصول؟ وإتخذ المسافر موطيء نُزله حيث الرفاهية والراحة؟ فماهي مستوجبات الإفطار إذن؟.

ما الرابط بين السفر والإقامة بفندق (10 نجوم)؟ والمبارة حتما لن تكون في الطائرة، بل ستكون بعد يوم أو يومين من الوصول الآمن؟ وبعدها سيكون أمرنا لعبا، ثم ما المشكلة إن إنهزمنا بسبب الصيام؟ اليست الهزيمة فيه أكرم من الفوز بالإفطار فيه؟.

إن الفطر لأداء المباراة أمر لايجوز عقلا ومنطقا، بل يعتبر تهاونا، يتحمل وزره اللاعبون أولا، ثم من بعدهم كل من طلب وكتب وألب على ذلك وساند وأباح ونقل الفكرة أصلا، فمن أراد أن يلعب وهو صائم فهذا شأن يخصه، ومن أراد أن يفطر فذاك شأن يتحمل وزره اللاعبون أنفسهم، ولن يستطيع كائن كان أن يرغم لاعبا على الإفطار، ذلك أن أمر الإفطار أمر متعدى، لكنونه يؤسس لسابقة لا تنتهي بإنتهاء حدثها بل تقود الآخرين الى ذات المنهاج طالما أن الحدث مشابه، حتى لو كان في كرة السلة أو المضرب أو (السيجة).

إن المرء ليستغرب أصلا في أن يبحث شخص ما عن فتوى وفق هواه، ذلك أن أمر الصيام أمر محسوم ولا يتطلب التفصيل، والأمر برمته لا يحتاج الى بحث جديد، لأن البحث عن فتوى يعني أن هناك نية أصلا للخروج بشيء جديد في سكة الإباحة.

إننا الآن نسير في ذات الخط المنهجي الذي سار عليه أخوتنا المصريون، حينما كان منتخب مصر يخوض مبارة في كرة القدم مع نظيره الرواندي خلال شهر رمضان، في إطار التصفيات الإفريقية المؤهلة لنهائيات كأس العالم لكرة القدم بجنوب إفريقيا، والغريب أن الفريق المصري لعب المبارة وهو صائم، رغم دعاوى المفطرين.

صحيح أن هناك فتوى تقول:- (أنه يجوز للأجير الفطر أو لصاحب المهنة الشاقة الذي يعوقه الصيام أو يُضعِفه عن عمله، كما نُصَّ على ذلك في فقه الحنفية على أن من آجر نفسه مدة معلومة ثم جاء رمضان وكان يتضرر بالصوم في عمله فإن له أن يفطر).

والغريب أن هؤلاء يريدون أن يجعلوا هذا الأمر قياسا على ذلك، ويتصورون أن اللعب مكافئا للعمل، بإعتبار أن عقودات اللاعبين تشابه في إلتزامها عقودات اللاعبين المحترفين، ناسين الفارق الجوهري بين الإثنين معدوم، وقد كانت معظم إنتصارات الإسلام في رمضان (يوم بدر ويوم فتح مكة).

لكن للأسف الشديد القضية لم تعد قضية فتوى، بل أمر وإستهانة يقنية بالدين وحالة من البهتان (بفتح الباء) لقيمتة وحاكميته في العباد، إذ لم يعد هناك فرق عند الكثيرن حول الحميّة الدينية والإستباحة الوهمية، وكأنهم لو فازوا بفطرهم فإننا سنفرح لهم، ثم هل سيفرح اللاعبون أنفسهم لو فازوا لعبا وخسروا صوما؟ لا أتصور ذلك.

نأمل أن يصر اللاعبون على أداء مباراتهم بصيامهم، وأن يفوزوا بعزمهم فيها، وعندها سينتزعون منا جل الإعجاب، وسيكونون عنوانا مشرقا لنا في كل المحافل، بل أنهم سيكونون قد ساهموا في الدعوة الى الله بعزمهم الكبير هذا، وسيكونون ملء السمع والأبصار.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لوابصة: (جئت تسأل عن البر والإثم قلت: نعم، قال : فجمع أصابعه فضرب بها صدره، وقال: استفت نفسك، استفت قلبك يا وابصةـ ثلاثا ـ البر: ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب، والإثم: ما حاك في النفس وتردد في الصدر، وإن أفتاك الناس وأفتوك .
عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (بينما أنا نائم، إذ أتاني رجلان فأخذا بضبعيّ، فأتيا بي جبلا وعرا فقالا: أصعد، فقلت: إني لا أطيقه، فقالا: إنا سنسهّله لك، فصعدتُ، حتى إذا كنت في سواء الجبل، إذا بأصوات شديدة، قلت: ما هذه الأصوات؟ قالوا: هذا عواء أهل النار، ثم انطلق بي، فإذا أنا بقوم معلّقين بعراقيّبهم، مشققة أشداقهم، تسيل أشداقهم دماً، قلت: من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الذين يفطرون قبل تحلّة صومهم).
----------------
ملء السنابل تنحني بتواضع ..... والفارغات رؤوسهن شوامخ
----------------
صلاح محمد عبد الدائم (شكوكو)
shococo@hotmail.com









امسح للحصول على الرابط
بواسطة : صلاح شكوكو
 0  0
التعليقات ( 0 )
أكثر

للمشاركة والمتابعة

تصميم وتطوير  : قنا لخدمات الويب

Powered by Dimofinf CMS v5.0.0
Copyright© Dimensions Of Information.

جميع الحقوق محفوظة لـ "كفر و وتر" 2019