• ×
الخميس 2 مايو 2024 | 05-01-2024
عبد اللطيف الهادي

فجر المشارق

عبد اللطيف الهادي

 0  0  4091
عبد اللطيف الهادي
فجر المشارق ـ عبداللطيف الهادي

عُذراً مصطفى .. عفواً حِمّيد .. آسف ودسُلفاب وما كفى!

ـــ بعد عقد ونصف عقد من الزمان أغيب اليوم 17 يناير عن التواصل مع القاعدة العريضة والمًستنيرة من معجبي فنان الشعب و(حنجرة) الغًبشْ والغلابة الراحل المقيم الأستاذ مصطفى سيد أحمد من خلال المُلحق السنوي الخاص بتخليد ذكرى وفاته والذي كنت أصدره بالصحيفة الحبيبة والعزيزة على نفسي (المشاهد) التي ترجلتُ عن ركبها وفي بالي وخاطري القصيدة الرائعة للشاعر العراقي الأستاذ مُظفر النواب التي تغنى بها مصطفى وتقول مقدمتها: ( في طريق الليل ضاع الحادث الثاني وضاعت زهرة الصبّار .. لا تسلْ عنّي لماذا جنتي النار .. فالهوى أسرار .. والذي يقضي على جمر الغضب أسرار .. يا الذي يخفي الهوى بالصبر ، يا بالله كيف النار تخفي النار .. يا "غريب الدار" إنها أقدار .. كل ما في الكون مِقدار .. وأيام له إلاّ الهوى ما يومه يوم ، ولا مقداره مِقدار!) .. غبتُ عن هذا العام عن الغوص في أعماق محيط هذا الفنان الإنسان حتى أكتشف الدًرر واللآلئ المُزيّنة لحياته القصيرة والعامرة ، ففي كل 17 يناير من كل عام كنت ألتقي بمن كانت له علاقة وطيدة مع الراحل حتى يخصني بمواقف مبهرة ومشرقة تصدر عن الراحل المقيم فأسعى سعياً حثيثاً ومحموماً لتحبيرها ونشرها لكيما تترسخ في ذاكرة التاريخ ولتكون شاهداً للأجيال القادمة لتتعرف على (زول سوداني) أغبش إختار الإنحياز لـ(صف الجوع الكافر) ما ترفع ولا تعالى عليهم ولا تضجر أو تزمت منهم أو من أحد فيهم .. وكان حتى آخر لحظات عمره يدندن له ـ أي للأغبش السوداني ـ بـ( كيف أنساك وأنت الجرح النازف منو خريف العِتّة .. خريف المحل الما بدارك ، ونجم الطالع شيّلْ وختّا .. رحل الديرة وهج وديرة ، فرع الحِنّة النوّرْ حتّه!).

ــ ومصطفى ـ الهرم الفني الشامخ ـ ظل حياً وميتاً يحُثّنا كسوادنة بهويتنا وسحناتنا وتنوعنا القبلي والجهوي وتعدد أدياننا وتفاوت لهجاتنا على أن نكون أُمّة واحدة مُتعاضدة ومُتماسكة ومُتحدة ، وكان وما زال ـ رغم غيابه الجسدي ـ يدعونا للحب والتسامح والتصالح فيما بيننا ، وقد أختزل ذلك عملياً حينما عبّر بصوته الشجي بـ : ( وطني ولا ملي بطني ، سُكاتي ولا الكلام النيّ .. بليلتي ولا ضبايح ضيّ .. قليلتي ولا كُتُر سِمّي .. سلام يا أمي ، سلام لا هكمي لا دكمي!) .. وأذكر أنه وفي الذكرى التاسعة على رحيله والتي واكبت التوقيع على إتفاقية نيفاشا التي أنهت الحرب في جنوبنا الحبيب أن صرح أحد طلاب جامعة النيلين في الإستطلاع الذي أجرته (شاهد العصر) وسط طلاب جامعات السودان المختلفة قائلاً أن مصطفى هو (بطل السلام) الحقيقي لدوره البارز في تماسك نسيج المجتمع السوداني ولحمته من خلال حنجرته التي هزمت لوحدها (دعاة الضلال) والمهووسين من عاشقي الحروب وممتهني تجارة الموت والمتيمين بأسلحة الدمار، وقد كان موقف الراحل حازماً وواضحاً ومماثلاً لوضوحه في أغنيته (إدّفّقي) التي كتبها الشاعر الأستاذ قاسم أبوزيد حيث يُطالبنا في مقطع منها بـ (إدّفّقي .. ما تكوني رقراق أبقي يا ضُلْ يا شموس .. غطّي المساحات بالوضوح ، إستنهضي الشوق الجلوس .. إدّفّقي ، وهجك شوارع ذاتي في ليل اليباب .. ما تخافي من دم الغروب ، لو رتّشْ اللوحة الضباب .. ما دام ضميرنا الفينا حيّ ، ما عِريقْ العِشق حي ملحوقة يا مُدُن السراب!) .. هكذا كان موقفه الشخصي حيال قضايا الوطن ، لم يُتاجر بمواقفه ولم يساوم في مبديئته فكان حتى مماته ثابتاً ثبات جبل التاكا في الشرق وجبل مرة في الغرب وجبل لادو في الجنوب وأهرامات البجراوية في الشمال ، وفنان بمثل هذه الجسارة والعزيمة والشكيمة كان حرياً بي وبغيري من زملائي الإحتفاء والإحتفال بذكرى رحيله سنوياً ويكفي الحب الرهيب الذي يكنه له جميع السودانيين ـ إلاّ منْ هو بلا قلب ولا همْ له سوى إكتناز المال والذهب! ـ وحرصهم إقتناء أغانيه للإحتفاظ بها للقادمين من أبنائهم وأحفادهم الذين حتماً سيأتون مع (الزمن الفلاني)!.

ــ وأنا شخصياً أختارني الحزن لأكون صديقاً له ورفيقاً لـ(وحشته!) حينما إختارت المنِيّة إثنان من أعظم وأنبل الرجال الذين عرفتهم في حياتي ، الأول ذلكم القامة السامقة كما شجرة النخيل والممتد في حياتنا كالصحراء والنيل الراحل المقيم الأستاذ محمد الحسن سالم (حِمّيد) ، والثاني الرقيق والوديع والرهيف الراحل المقيم الأستاذ إبراهيم يوسف (إبن عم مصطفى سيد أحمد) ـ أحد معالم قرية (ودسُلفاب) ـ وهذان العملاقان كانا السند والعون لي والمُذللان للصعاب في سبيل صدور الملف السنوي للراحل ، وقد فقدنا ـ حِميد وأنا ـ أبراهيم يوسف ونحن نشرع في الترتيب والإعداد لملف الذكرى السابقة الت(16) ، وها أنا في هذا العام أفقد حميد نفسه بعد رحيله في فبراير من العام الماضي حيث ظلّ معي في العام السابق معاوناً وموجهاً وناصحاً ومشاركاً بالفكر والرأي حتى وفقنا الله في إخراج ملف الذكرى بالصورة التي نالت رضا وإستحسان محبي الفنان الراحل ، وأنا من هنا أتقدم لروحيهما الطاهرتين بخالص الإعتذار من جراء غياب الملف هذا العام ، فتلك أقدار مرسومة لا يد لي فيها وإن كان السبب فيها تمترسي خلف قناعتي بحرية التعبير ، وبإيماني المطلق بمبدئية الرأي والرأي الآخر ، وأقول لهما ـ كما علّلمنا مصطفى ـ (لسه الصوت صراع زمني!).

ــ وإعتذاري يمتد لأهلي الرائعين بودسلفاب وعلى رأسهم إسماعيل وصالح يوسف وعبدالرحيم محمد أحمد وإسماعيل الرشيد وغيرهم من رجال القرية الأشاوس والكرام .. وكذلك العذر لرابطة أصدقاء الأستاذ مصطفى سيد أحمد ممثلين في (الزملاء) نادر النذير وسيف خالد "سوباوي" و(الطير المهاجر) ياسر علي وناصر خليل وغيرهم من الأعضاء .. عُذراً أيها الأفاضل على الغياب .. و .. باكر ضوّاي!.

فجر أخير

ــ طعنا الضُلْ .. طعنا الضُلْ وفي الأحلام طعنا الفيل .. قوافل الغضبة كانت طرحت تلات مرات .. دحين جرّبتّ (عضّة) زول ملان (مغصة!) .. حِبالنا الجوّة ما تِخنت ، حِبال السما الممدود .. حِبال الصوت وكت يرجع يجيب الخاطر المردود .. تعالي نشوف غنيواتنا البقت في الدنيا ما بتشوف .. تعالي نشوف حروف البُكا الجوّاها ما في حروف
امسح للحصول على الرابط
بواسطة : عبد اللطيف الهادي
 0  0
التعليقات ( 0 )
أكثر

للمشاركة والمتابعة

تصميم وتطوير  : قنا لخدمات الويب

Powered by Dimofinf CMS v5.0.0
Copyright© Dimensions Of Information.

جميع الحقوق محفوظة لـ "كفر و وتر" 2019