• ×
الخميس 2 مايو 2024 | 05-01-2024
علي الكرار هاشم

مساحة ثقافية

علي الكرار هاشم

 0  0  6347
علي الكرار هاشم

ساعات ليست للبيع
علي واحد من جدران البيت كانت هناك لوحة عتيقة كتب عليها بخط فارسي جميل عبارة تنطق بالحكمة وتضج بالجمال تقول ( الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك) ظلت تقاوم مدة طويلا ثم توارت اللوحة وبقيت الحكمة الرائعة محفوظة في أذهان الناس وجارية علي كل لسان، بيد أن الأمر المحير هو مدي مفهومنا لهذه العبارة وهل انتصر الزمن وقطعنا الوقت بسيفه الصارم أم ترانا نبحث عن سيف صقيل نأخذه بحقه كما فعل الصحابي الجليل (أبو دجانة) ونقطع به الزمن الذي يفوقنا سرعة وعدوا.
لا تكاد تجد شخصا إلا وحدثك عن مشغولياته وشكي لك مُر الشكوى من ضيق الوقت وانعدام الزمن وتستمر مناحة البكاء علي أطلال الساعات والدقائق تتمدد طولا وعرضا حتى يمضي أسبوعا كاملا لا نحس به ولا نحس بسرعته ونحن نندب حظنا العاثر ووقتنا الثمين المهدر بل ذهبنا لنصف عصرنا بأنه عصر السرعة دون أن نتبين موطن السرعة المقصودة هل هي في جريان عقارب الساعة وذهاب الوقت هكذا ضربة لازب أم عصر السرعة من حيث سرعة الإيقاع في العمل والاتصال والانجاز والإعداد من حيث توفر الأسباب وسهولة الوصول لكل شيء حين صار كل مطلوب متاح وتقارب العالم من كل النواحي واستطاعت عقول كثيرة أن تطوع التقانة لمصلحة البشرية وفائدتها علي كل الأصعدة والمجالات.
كثير من الوقت يضيع سدي ويذهب هدرا في أعمال فارغة وأمور هامشية وأشياء لا تسمن ولا تغني من جوع دون أن ننتبه لها حتى إذا رجعنا لأنفسنا وحسبنا وقتنا وجدناه قد مر مرور الكرام واتكأنا علي وسادة الإيقاع السريع والعصر العجيب. ولعل الغريب في الأمر أن ديننا الحنيف أوصانا بالوقت والزمن والعصر وصية تكاد تجعل المؤمن يرتجف حين يعلم أن أول مساءلة تقابله وهو يدخل العالم الآخر هي مساءلة عن الوقت كيف مضي وفيما تم استغلاله وأن العالم أجمع قد اتفق علي مبادئ وقوانين تنظم وقت العمل ودواماته والعطلات والراحات ليكون هناك فاصل شديد الوضوح بين الوقت الخاص ووقت العمل والجد والإنتاج.
كثيرون هم الذين فهموا هذه المعادلة واستطاعوا ترويض وقتهم وترتيب زمنهم في براعة متناهية وذكاء يحسدون عليه لدرجة تجعلك لا تصدق أن هؤلاء الناس قد أنجزوا كل هذه المهام والانجازات والأعمال في عمرهم القصير ورحلتهم المحدودة, فإذا ما أخذنا علي سبيل المثال شخصا واحدا من العباقرة وصناع المجد والحضارة والذين أسهموا في التطور والارتقاء الفكري والثقافي والمعرفي رغم مرور الوقت وتعاقب القرون علي انجازاتهم وعظمة ما قدموا في عمرهم القصير ووقتهم المحدود فان ذلك فقط يدل علي مدي ما نهدر نحن ونضيع من العمر وفي نفس اللحظة نشتكي إلي الله والله يسمع تحاورنا من عدم الوقت الذي حال حتى دون صلات الأرحام وتفقد الجيران بل وحال دون إنهاء الكثير من المهام العاجلة التي وضعناها علي منضدة الانتظار الطويل علي طريقة بيت الشعر الذائع ( فان يك صدر هذا اليوم ولي فان غد لناظره قريب) وتتوالي الأيام في انتظار الغد البعيد.
الأذكياء فقط هم الذين لا تقنعهم النظريات الجوفاء ولا يخضعون سريعا لكل نظرية دون دراستها والتأكد من جدواها وجودتها ولهذا فانك تري كثير ممن حولك استطاع أن يستفيد من وقته الإضافي في أعمال كثيرة ومهارات جديدة وأشياء متفرقة كلها تصب في خانة الاستفادة من الوقت وعدم ترك اللحظات تمر بمزاجها ولعل هذا نفسه هو الفهم العميق لكون عصرنا هو عصر السرعة فعجلة التطور أتاحت الكثير وجعلت ميدان المعرفة والإنتاج والعمل متاحا في كل زمان ومكان مما يجعل نظرية الاستسلام للوقت والارتهان له نظرية عديمة الجدوى ويجعل (عصر السرعة) هو سرعة التسابق في كل ميدان ودونك والزمن إما أن تقطعه أو فالسيف علي الرقاب.

علي الكرار هاشم محمد
إعلامي مقيم بالرياض





امسح للحصول على الرابط
بواسطة : علي الكرار هاشم
 0  0
التعليقات ( 0 )
أكثر

للمشاركة والمتابعة

تصميم وتطوير  : قنا لخدمات الويب

Powered by Dimofinf CMS v5.0.0
Copyright© Dimensions Of Information.

جميع الحقوق محفوظة لـ "كفر و وتر" 2019