• ×
الجمعة 26 أبريل 2024 | 04-25-2024
صلاح شكوكو

لأولي النهي

صلاح شكوكو

 1  0  1584
صلاح شكوكو
الإعْلام والأَعْلام
رحل نجم المستديرة غريب السيرة.. إبن الشرق الصامت.. وأحد أكثر اللاعبين حذاقة في الأداء الرياضي مع كرة القدم، ورحيله عن دنياوتنا شأن معلوم يقينا، فكلنا حتما للموت ذاهبون، لكن الشاهد أننا لم نوثق للرجل حتى نكون عند الحدث، فكلأجهزة الإعلام خاصة الصحف الرياضية والسياسية والإجتماعية نعت الرجل، لكنه كان نعيا خجولا.

فقد كان الرجل حيا بيننا وكأنه يعيش في كوكب آخر.. فقد كُتب عن الرجل بعد رحيلة، كتابات كان أولى بها وهو حي بيننا، خاصة وأنه تميز بحذاقه أدائية لا تضاهى وضعته الحروف في مصاف العباقرة والمتميزين.

والغريب أن كثير من الصحف نشرت سيرة الرجل نقلا من المنتديات الألكترونية لأنها لاتملك مادة له، البعض من محرري هذه الصحف لم يجتهدوا، فكتبوا ذات العبارت التي كانت في المنتديات مزيلين المنقول بأسمائهم، والبعض الآخر حام حول الموضوع بغرض التتويه، لكنهم جميعا نقلوا عن ذلكم المنتدى، لكن لا أحد أشار الى إلى صاحب المادة الأصلي من باب الأمانة الصحفية.

صحيح أن شبكة الأنترنت تعتبر إرشيفا الكترونيا حيّا، طالما بقيت المعلومة على الشبكة، لكن ذلك له مقتضيات حين النقل، وأولها الإشارة الكريمة الى صاحب الموضوع الأصلي، والتنويه الى أن النقل قد تم منه، خاصة عند النقل التطابقي.

لكن القضية ليست هنا في أمانة النقل.. بل أن المشكلة أن الجميع قد سمع عن هذا اللاعب الذي عمّت سيرته القرى والحضر(مجرد سماع منقول)، وأصبح الناس يتناقلون سيرته المرتبطة بموهبته الفذة، لكن لا أحد بين كل هؤلاء، كان قد فكر يوما في إجراء حوار مصوّر معه عبر محطاتنا الفضائية الكثيرة، بل لم يُجرى حوار أو تحقيق صحفي معه يمكّن الجيل الجديد من معرفة هذا الرجل، عدا حوارت عابرة جاءت فيها سيرته، فقُبرت سيرته قبل موته.

نعم .. نحن قوم لا نعرف الأرشفة والتوثيق وإكرام مبدعينا، لذا لا نجد لهم مادة تغنينا عند الحاجة، فيتم دائما النقل المتعجل، وتُنقل الإنطباعات الى الورق، فيكتب الصحفيون أحيانا حديثا أقرب الى الخيال منه الى الواقع، فكثيرون قرأوا ما كتب عن الطاهر حسيب، لكن الذين صدقوا ذلك هم الذين شاهدوه فقط، أما الأجيال التي لم تشاهده فقد إكتفت بالمشاهدة الصامتة لحال صحافتنا التي تفتقر للإقناع، لأنها نقلت إنطباعات عابرة كانت على المنتديات الألكترونية فإتخذتها مادة لرثاء الراحل وبلغة الخواطر.

حدث ذلك من قبل أيضا حينما باغت الموت بسطوته أخينا وحبيبنا عزالدين الصبابي، الذي كنت قبلها قد وثقت له بعضا من سيرته العطرة، فلم تجد الصحافة المتعجلة وراء فجائية الخبر، إلا أن تلوذ الى كتاباتي المتواضعة المودوعة في أحشاء الألكترون مع صور خاصة كنت قد إخترتها بعناية فائقة لصاحبي الراحل.

لا ضير من إقتباس الصور بإعتبارها تجسيد حي، لكن الإقتباس الكامل للمادة منسوبة للمحرر الذي نشر بالصحيفة وليس صاحبها الأصلي فيه قدر من عدم الأمانة، فقد تم النقل تارة عبر الدوران والطيران الهادي والمنخفض حول ذات المادة، أو من خلال النقل الصريح دون رتوش، لتظهر الصحف في اليوم التالي متشابهة في الوجه والملامح.. وقليلون جدا هم الذين أضافوا إسم الكاتب عرضا في طيات سردهم، لكن من يفتقد فارسا كعزالدين، لا يأبه بالحوشي التي تبقى بعده.

أنا لست ناغما على الذين نقلوا مادتي، لسبب بسيط هو أن صديقي العزيز قد وجد صورا بهية تليق بشخصه، ووجد مادة مهنية صادقة وتوثيقية لم أضف إليها أي رتوش للتجمل، وأحمد الله أن كل كلمة كنت قد كتبتها عن عزالدين وهو حي، هي صورة معبرة عنه في الواقع، والله سائلني عنها يوم العرض العظيم.

ويبقى السؤال: لماذا لايجد مبدعونا التوثيق اللائق بهم وهم أحياء؟؟ لماذ نلهث خلفهم بعد الممات لتوثيقهم بوثاق النسيان والجحود، وحينما نكتب عنهم نكتب بلغة آخرين غير محترفين، لتصبح الصورة الإنطباعية الضعيفة هي الأصل، ويكتفي المحررون بدور النقل، مع تغييب العقل؟.

رحل الطاهرالحاذق منذ أيام، ونحن في القرن الحادي والعشرين، ولم يجد مادة توثيقية تليق به، وهاهي المحطات الفضائية تعرض أفراح أفراح، ومبدعونا مغيبين عن دائرة الضوء، حتى أضحت الفضائيات بأسماء المدن والأنهر، ولم يسمع أحد عن الطاهر حسيب إلا بعد مماته، ليصبح السؤال الأكبر.. لو أن الطاهر كان بهذه السيرة الأدائية العطرة أين كان الإعلام منه؟؟ لماذا لم تسافروا إليه في مدينته وتلتقوه في عقر داره؟؟ حتى لا تبدو كتاباتكم منبتة عن الواقع.

هي دعوة الى أن تنداح أجهزة الإعلام وتفرد مساحة رحبة للتوثيق، حتى لاتكون منشغلة بالموضوعات الهشة، وحينما نحتاج الى معلومة نلجأ الى ماتيسر منها دون أن نمحص مصداقيتها أو نعالج لغتها التي نشرت بها الكترونيا، ونعلم أن كثير ممن يدونون عبر الإنترنت هم هواة وليسوا محترفين، فيكتبون إنطباعات خاصة تحتاج الى معالجات.

منذ أمد بعيد ونحن نسمع عن الطاهر حسيب، لكننا لم نجد له في دهاليز عقلنا صورة تستحضر شخصيته أمامنا.. حتى الصور التي نشرت له كانت شحيحة للحد الكبير، الى جانب بعض صورة إلتقطها هواة وأصدقاء، ونشرت عبر بعض المنتديات.

وكل الذي أذكره عن سيرة الراحل أن بابكر سانتو قال فيه إنه: (كان يفعل بالكرة أفضل مما يفعل رونالدينهو) كذلك أستحضر عبارة على قاقرين الذي قال فيه: (حسيب أحرف لاعب سوداني).. والغريب أن بابكر سانتو وقاقرين أنفسهم قد أصبحوا يحتاجون الى إعادة إنتاج موثق، لإنزواء عدسة الإعلام عنهم، فما بالنا بالطاهر الذي غيبته الكلمة والصورة.

أذكر أننا حينما فجعنا برحيل سامي عز الدين لم يجد التلفزيون الرسمي حينها للرجل مادة يبثها إلا مبارة جوبا التي ظهر اللاعبون باهتين لا نكاد نميّزهم من فرط خيوط ضوئية ظلت تتحرك معهم وكأنهم أشباح.
 رحم الله الطاهر حسيب الذي عاش بعيدا ومات بعيدا منسيا، حتى تفاجأ الناس أنه كان بين ظهرانينا.
 وليستدرك الإعلام الأعلام، لأننا نموج في ساحات الفداء.
----------
ملء السنابل تنحني بتواضع .. والفارغات رؤوسهن شوامخ
----------
صلاح محمد عبد الدائم ( شكوكو)
shococo@hotmail.com



امسح للحصول على الرابط
بواسطة : صلاح شكوكو
 1  0
التعليقات ( 1 )
الترتيب بـ
الأحدث
الأقدم
الملائم
  • #1
    محمد ود الزاكي 12-05-2011 02:0
    .. ياخي دا كلام موزون وكبييييييير تشكر ياأستاذ دائما لا تقول إلا الحقيقة ودائما ما تكون عند الحدث بارك الله لك وفيك محمد ود الزاكي ريتا للإنترنت الشهداء - أم درمان
أكثر

للمشاركة والمتابعة

تصميم وتطوير  : قنا لخدمات الويب

Powered by Dimofinf CMS v5.0.0
Copyright© Dimensions Of Information.

جميع الحقوق محفوظة لـ "كفر و وتر" 2019