• ×
الجمعة 26 أبريل 2024 | 04-25-2024
صلاح شكوكو

لأولي النهي

صلاح شكوكو

 0  0  13111
صلاح شكوكو
وحدة الإسلاميين.. أشواق ومآلات

ملف التقارب بين المؤتمر الوطني والمؤتمر الشعبي ملف له مواصفات خاصة، بل يعتبر ملفا شائكا، ولكنه فوق ذلك ملغوم إلى درجة لا تتيح المشي على أرضه إلا لأناس على شاكلة المعاركة خبروا هذه الدروب مشوها، وأولي عزم شديد، لكن الشاهد أن المفاصلة الشهيرة قد خلقت حالة من الجفاء المبني على المرارت الشخصية، لتصبح حالة سائدة تشكل إستقطابا، وهذه الحالة هي التي جعلت الشيخ وشيعته ينقلبون على الرئيس ومناصريه، بينما عصبة الرئيس ترى أنها على الأقل تستند على مرجعية ولي الأمر، الذي يستوجب أمره الطاعة، بينما يرى جماعة الشيخ أن شيخهم أولى بها بإعتبارها مرجعية تستند على الإمارة، وهنا جاءت المفاصلة لتشكل برزخا تاريخيا يستوجب النظر، وهذا الأمر يتطلب نهجا فكريا تأصيليا جديدا يقود الى مراجعات فكرية موضوعية، تستند إلى فقه المرحلة الذي يقرأ الأحداث التي جاءت على أرض الواقع وشكلا لونا من الممارسة التصادمية، وهذه هي دروس يجب أن استقراءها من التجارب الحياتية التي جعلت الإسلاميين على قاربين منفصلين في لجة البحر.
في هذا الجو الشائك والملبد بالغيوم والأعاصير، يتحرك الشيخ عباس الخضر وهو موقن من أنه يتحرك في جو ملغوم، لكنه مستيقن من أنه بالغ مراميه متوكلا على الله، ليس ثقة في قدراته فقط، بل لأنه أقدر على فهم الموقف والأجواء، ومستندا على كيان مؤسسي قوي، والغريب رغم أن الكثيرون يرون أن الوقت الآن غير ملائم لهذه المبادرة، إلا أن الرجل مستوثق من الميقات، ومتيقن كذلك من الطريقة والمآلات، بل يبشر من وقت لآخر بأن نصرا قد أحرز هنا وهناك، مما يبعث بمؤشرات إيجابية للذين تحرقهم الأشواق للوحدة ويتوقون لذلك بلهفة، والتي أصبحت حلما يداعب خيالات الإسلاميين الذين أضناهم الإنتظار، وهؤلاء يمثلون الأغلبية الصامتة التي لم تكن بقرب محاور الصراع والإستقطاب.
لكن في هذه الأجواء وفي ظل هذا التناحر عقد إجتماع عاصف بالمقرن، وكان لقاءا متميزا جمع قيادات شبابية من الطلائع الذين شاركوا في مسارح العمليات المختلفة منذ العام ١٩٨٩م، وخاضوا أشرس المعارك ضد الحركة الشعبية في جنوب السودان، وشارك في هذا اللقاء نحو ألفين من المجاهدين، وهؤلاء يعتقدون أن لهم كلمة ممهورة بالدماء ويعتقدون أن لهم صوت يجب أن يصغى له الجميع، واللافت في هذا الاجتماع النوعي، أنهم من طرفي الحركة الإسلامية المؤتمر الوطني والمؤتمر الشعبي، وتناقش هؤلاء في الأثر الذي تركه الخلاف على الحركة الإسلامية، وكان من أبرز المتحدثين القيادي الشبابي بالمؤتمر الشعبي الناجي عبد الله والبروفيسور محمد سعيد الخليفة من المؤتمر الوطني ومحمد عبد الله شيخ إدريس، وخلص هذا اللقاء إلى بلورة مبادرة تنتهي بتقديم مذكرة قوية للقيادات المتباغضة، الى جانب تنظيم لقاء آخر تدعى له قيادات الطرفين لتصب في جدول المحاولات الداخلية التي تسعى لتقريب الشقة بين إخوان الأمس، وضرورة توحيد صف الإسلاميين بالسودان، بعيدا عن أي شروط أو مواقف مسبقة، داعين لتناسي الخلاف الذي ضرب جسم الحركة ونتج عنه الانشقاق الكبير الذي أدى الى تدخل دول الربيع العربي (مصر وتونس وليبيا) الى الدفع في إتجاهات الوحدة لتصبح الوحدة تيارا عريضا ينبع من الداخل ويدعو له الخيرون من الخارج.
لكننا لا يمكن أن نقرأ هذا بمعزل عن المساعي الطيبة للشيخ عباس الخضر، ذلك أن تحركات الرجل الهادئة وسط هذا الحقل الملغوم، أوجدت ثقافة التقبل، وهي ثقافة أن ينخرط الناس في الوحدة بإعتبارها أمر ديني، وأن الدخول فيها أمر مقبول بإعتبار أن المبادرة الهادئة تعطي مؤشرات طيبة، وبذلك كسرت المبادرة حالات التمترس التي يبديها الشعبيون، وهذا يعني أن المبادرة قد أصبحت تيارا يتسرب كالماء، تتمدد كأشواق وقودها في أفئدة أهلها، وهؤلاء الصامتون هم أهل الغلبة، والذين يتوقون لهذه الغاية، لكن هذه الأحلام تتوقف عند بوابة المرارات الشخصية.
ويؤكد ذلك عضو المكتب السياسي بالمؤتمر الوطني الدكتور نزار خالد محجوب، فى تصريح وبيان مهم، حين أكد إن الخطوة التي تقودها كل من مصر وتونس وليبيا لحل الخلافات الإسلامية والسياسية والفكرية ولم الشمل بين حزبيي (الوطنى والشعبي) في السودان هي دعوة خيرة من أهل الخير، وأن هذه المبادرة جاءت نتيجة لمبادرات وحراك داخلي، أبرزها المبادرة التي يقودها نفر طيب داخل السودان، الى جانب تلك التي قدمها شباب الحزبين فى وقت سابق بهذا الشأن، وأوضح محجوب كذلك أن الحكومة المصرية الجديدة ذات التوجه إلإسلامي قد رأت أهمية إيجاد حل جذري للخلاف بين الحزبين في السودان، و أن حل الأزمة الداخلية لا يتم إلا بحل خلافات الحزبين الكبيرين بجانب تجديد الفكر السياسي الإسلامي عبرهما مع ضرورة الإستفادة من التجربة المتميزة للإسلاميين في السودان.
ومن جانب آخر كان الدكتور الحاج آدم نائب رئيس الجمهورية ورئيس القطاع السياسي للمؤتمر الوطني قد صرح منذ مدة بأن تقاربا مستمرا بين حزبي المؤتمر الوطني والشعبي على مستوى الأفراد في إطار غير رسمي، وكشف عن رضا شخصيات نافذة بالمؤتمر الشعبي عن نهج الحزب الحاكم، وأضاف نائب الرئيس في حوار صحفي سابق، إن العلاقة بين المؤتمر الوطني والشعبي لا تحل إلا عبر الحوار، وهو مستمر ليس على مستوى المؤسسات بل بين الأشخاص، ووصف نتائجه بالمثمرة جداً، فيما يتصل بالقبول والرضا العام، وأشار الى إن ما يجري الآن بين الأشخاص سيثمر ولو بعد حين.
لكن المراقب لملف التقارب بين المؤتمر الوطني وشقيقه الشعبي يرى أن المؤتمر الوطني يعلن عن رغبته دوما في فتح حوار مع المؤتمر الشعبي، وأنه يسعى الى مد يده للأشقاء في الشعبي بإعتبار أن الوحدة أمر مطلوب دينا، بل أنهم يتطلعون للوحدة مع كل الأحزاب الإسلامية لتكوين جبهة عريضة تقود الى ثوابت وطنية ودينية، لكن الشعبيين يوصدون أبواب الحوار دوما، ويعللون بأن الوقت غير مناسب لذلك، بل أنهم يصرون على أن الشقة مازالت بعيدة، دون أن يحددوا من جانبهم مطلوباتهم لهذا التقارب، وهذه الوحدة التي ربما تجتاح هذه القيادات المتمترسة من خلال تغلغلها في القاعدة العريضة للحزبين، في الوقت الذي يجدد فيه الشعبيون رفضهم لمبادرة جمع صف الاسلاميين التي طرحهتا ولاية الخرطوم بقيادة الشيخ عباس الخضر عضو المجلس الوطني ورئيس لجنة الحسبة السابق، ويؤكد الشعبيون على انهم اتخذوا قرارا قاطعا في هيئة القيادة بإسقاط النظام، ومنوها الى انهم ليسوا ضد الوحدة مع الاسلاميين، ولكنهم لن يتوحدوا الا مع الإسلاميين المتفقين معهم على اسقاط النظام أولا، وفي هذا السياق رفض الشعبي المشاركة في الاعداد للدستور القادم حسب دعوة المؤتمر الوطني، لأن رؤيتهم تتمحور تقول: ان متطلبات اعداد الدستور لا تتحقق الا بالسلام والحرية والارادة السياسية، وإعتبروا أن الوطني بدعوته تلك يبحث عن شرعية دستورية لبقائه في السلطة، وكأنهم لم يكونوا جزءا من الأساس الذي بني عليه هذا البناء الشاخص، وكأنهم إنقلبوا على كثير من قناعاتهم التي إعتنقوها من قبل، وساسوا بها الناس، وجعلوا الناس تتغنى بها، وحينما إستقرت في الوجدان أرادوا تجريد الأمة من وجدانها.
بيد أن المتابع لمشروع الوحدة الأخير الذي يقوده المؤتمر الوطني بولاية الخرطوم بقيادة الشيخ عباس الخضر الحسين رئيس لجنة المبادرة الإصلاحية ونائب رئيس المؤتمر الوطني بمحلية بحري، والذي أكد أكثر من مرة إن المبادرة تأتي كقراءة واقعية للظروف يشهدها السودان والحملة الغربية التي تستهدف كل مكوناته يستوجب أن يمد الحزب الحاكم يد المبادرة لتحقيق وحدة الصف الإسلامي والوطني لما تمثله من ضرورة قصوى تستوجبها المرحلة.
بل أن الشيخ عباس الخضر أكد أكثر من مرة بأن هذه المبادرة هي مبادرة نابعة من من قناعات المؤتمر الوطني وتختلف عن غيرها بأنها تستند على كيان عريض يعمل على تقويتها، وجاء هذا التصريح الصريح حتى لا يظن ظان أنها جاءت بتنسيق مع قوى إقليمية، ليحفظ الرجل للمؤتمر الوطني بالمبادرة والمبادئة الخيرة، ليؤكد أن حزبة رائد في المبادرات التي تدعو للوحدة، مما يعني أن المبادرة ستكون إضافة لرصيد الحزب الحاكم، وتكشف موقف الجانب الآخر منها، خاصة حينما يصبح التاريخ حكما بين الطرفين.
لكن الشواهد كلها تدلل على أن الرجل مستيقن من نجاح المبادرة ليس لأنها تختلف عن غيرها من خلال منهجيتها فقط، بل لأنها أصبحت ضرورية في هذا التوقيت بعد أن أصبح السودان بصورته الجديدة ليس بالسودان القديم، وأن المعارضة إستبان حجمها ودورها في مناهضة المعالجات الإقتصادية الشجاعة التي قام بها الحزب الحاكم، ليستبين للمعارضة أن خيارها الأوحد هو الإستجارة بالقوى الأجنبية عسى أن تنجح في خلق إختراق في جسد الحكومة الحالية، التي تعد العدة لأكبر إنجاز إقتصادي تقلب به الموازين، خاصة وأن الشواهد الإقتصادية كلها تؤكد أن قليل من المصابرة سيقود البلاد الى خير كثير يعيد لللإنقاذ بريقها، وحينها ستكون الوحدة خيارا لا مناص منه، فتتجاوز به تمترس القيادات التقليدية، وبذلك تكون الإنقاذ قد حولت مرحلتين في تاريخ البلاد من الندرة الى السعة، عبر المصابرة الشعبية، مما يعني أن المرحلة الحالية ستنعش الماضية، وسيعطى ذلك الإنقاذ دفعة جديدة في مواسم الربيع العربي تؤكد من خلاله أنها أجدر بالبقاء.
صلاح محمد عبد الدائم (شكوكو)
shococo@hotmail.com
.

امسح للحصول على الرابط
بواسطة : صلاح شكوكو
 0  0
التعليقات ( 0 )
أكثر

للمشاركة والمتابعة

تصميم وتطوير  : قنا لخدمات الويب

Powered by Dimofinf CMS v5.0.0
Copyright© Dimensions Of Information.

جميع الحقوق محفوظة لـ "كفر و وتر" 2019