نعود اليوم للمفكرة تلبية لرغبة الكثير من القراء المغتربين ونبحر بعيداً عن شواطئ الرياضة وعايزين نتناول موضوع جندى السودان المجهول ( المغترب السودانى ) الذى يعطى بلا من ولا أذى ويتحمل الكثير من أجل وطنه وأسرته ، وعدد المهاجرين السودانيين فى الخارج ( لايعلم بهم إلا الله ) لأنه ليس لدينا إحصائيات رسمية وأسألوا عن ذلك وزارة الموارد البشرية عن عدد المهاجرين السودانيين الآن بالخارج ، ويكفى أن وطن الخير والطيبة يعانى نزيفاً بسبب هجرة الكفاءات ، ومما لا شك فيه أن الهجرة أمر طبيعى وهى معروفة على مر التاريخ والأجيال ولكن تنامى هذه الظاهرة بصورة كبيرة يبعث على القلق ، ويكفى أن نعلم أن عدد المهاجرين عام 2008 كان عشرة آلاف تقريباُ وإرتفع فى عام 2012 إلى 94 ألف مهاجر !! منهم خمسة آلاف طبيب وهجرة العقول تزيد التضخم وترهق الوطن الذى فشل ساسته فى وضع الحلول الإقتصادية والسياسية والإجتماعية التى تغرى المغترب بالعودة وتفرمل عجلة الهجرة التى تسير بسرعة الصاروخ ، ويرى البعض أن المغترب السودانى إنسان بلا هدف !! ولكن الحقيقة أن المهاجر السودانى يضحى من أجل العائلة وكما يقول مثلنا السودانى ( الداب نفسه قصر !! ) وهذه الفلسفة بغض النظر عن صحتها من عدمها فهى التى تسير أمور حياتنا داخل وخارج الوطن ، وليت ساسة السودان فى الحكومة والمعارضة إتفقوا على برنامج إقتصادى من أجل ( قفة الملاح ) التى أرهقت الجميع ، فليت المؤتمر الوطنى ...وضع لنا سياسة رشيدة للزراعة وحزب الأمة وضع سياسة للتعدين والحزب الإتحادى وضع سياسة للثروة الحيوانية وغيرهم من الأحزاب وضعوا سياسات إقتصادية مختلفة وتنافسوا من أجل خدمة هذا الشعب الأبى الذى صابر وصابر ومازال يقبض على الجمر وقادته يتصارعون ليس فى برنامج كيف يحكم السودان ولكن يتصارعون فى من يحكم !! والساقية لسه ولسه لسه مدورة ...وأحمد وراء التيران يخب ...أسيان يفكر منغلب ....لى اللى ماشين المدارس فى المصاريف فى الكتب ...فى اللى ضاق بيهو المكان هسه سافر واغترب ، نعم هاجر أبناء السودان وحملوا معهم القيم الجميلة لبلاد المهجر ، ولا يقدح فى ذلك بعض الظواهر السالبة التى طفحت على السطح مؤخراً فالكمال لله وحده والحكم بالعموم والغالبية ، ولقد أعجبنى تفسير البعض للوطن بالأم التى رغم قلة ذاات اليد إلا أنها كريمة حيث قال ...السودان كالأم التى لاتملك ثمن الدواء ولا أجرة الطبيب ولكننا نشفى عندما نرتمى فى حضنها فهى لاتلبس فى عنقها سلاسل الذهب ولكنها تلبس سنابل من القمح تطعم كل جائع !! ولله در القائل *** جعلت الجود لآلاء المساعى ...وهل شمس تكون بلا شعاع *** ولو صورت نفسك لم تزدها ...على مافيها من كرم الطباع ... إنهم أبناء وطنى الأماجد فى أرض الخير والطيبة .
*** قدوم جعفر وفتح خيبر
فى تاريخنا الزاهر عرف الصحابة الهجرة لأرض الحبشة فراراً بدينهم من بطش جبابرة قريش لأن فى الحبشة ملك لايظلم عنده أحد وكان يطلق على ملك الأحباش إسم النجاشى وهو منصب سياسى وليس إسم كما يطلق على ملك الروم قيصر وعلى ملك الفرس كسرى وغيرها من المناصب السياسية وإسم النجاشى الذى هاجر إليه الصحابة هو أصحمة بن أبجر( أصحمة بالعربى معناها عطية ) وذلك فى الفترة من 610 م حتى 629 م وعدد الصحابة 80 مهاجراً عدا النساء والأطفال ، وتولى النجاشى ملك الحبشة وهو صغير بعد وفاة عمه بصاعقة ، وعندما علمت قريش بالهجرة أرسلت داهية العرب عمرو بن العاص وعبد الله بن أبى ربيعة لإعادة المهاجرين وحملت هذا الثنائى بالهدايا للنجاشى والأساقفة فسأل النجاشى عمرو بن العاص ما الذنب الذى إرتكبه هؤلاء المهاجرين !! فقال عمرو تركوا دين آبائهم وأتوا بدين جديد ...وكان النجاشى عادلاً وحكيماً فأرسل لوفد الصحابة ليسمع وجهة النظر الأخرى قبل إصدار قرار الترحيل وكان الناطق الرسمى بإسم كتيبة الإيمان هو جعفر بن أبى طالب ومعنى جعفر فى لغة العرب ( النهر الصغير ) فقال ...أيها الملك كنا نحن وهؤلاء نكفر بالله ونعبد الأصنام فبعث الله إلينا نبياً منا نعرف صدقه وحسبه ونسبه يأمرنا بعبادة الله وصلة الرحم وحسن الجوار ويأمرنا بالمعروف وينهانا عن المنكر ...فآمنا به وصدقناه فأعتدى علينا قومنا ولجأنا لبلادكم !! فقال له النجاشى هل معك مما أنزل على نبيكم !! فقرأ جعفر صدر سورة مريم فبكى النجاشى وبكت أساقفته وأرجع الهدايا لوفد قريش ومنح الصحابة حق اللجوء السياسى ، وفى عام 629 فى السنة السابعة للهجرة عاد جعفر للمدينة المنورة ووجد الحبيب المصطفى صلوات ربى وسلامه عليه وقد فتح الله عليه خيبر وغنم منها الكثير فقبل جعفر بين عينيه وقال ...ما أدرى بأيهما أنا أسر بفتح خيبر أم بقدوم جعفر ، وفى هذه الأيام المباركة تظللنا ذكرى مولد الحبيب المصطفى صلوات ربى وسلامه عليه وقد كان يخلد هذه المناسبة الطيبة بأفضل عبادة وهى الصيام عندما سئل عن صيام يوم الأثنين قال ...ذلك يوم ولدت فيه وبعثت فيه وأنزل علىً فيه ، بالمناسبة الفرح المشروع ليس جريمة !! لذا لزم التنويه .
*** الحبشية صاحبة الهجرتين
عندما قدم جعفر بن أبى طالب رضى الله عنه للمدينة قادماً من الحبشة ومعه زوجته أسماء بنت عميس رضى الله عنها داعبهما الفاروق عمر رضى الله وقال لأسماء ( ياحبشية سبقناكم بالهجرة ) فقالت له نعم ...لقد كان معكم نبى الله يطعم جائعكم ويعلم جاهلكم ثم أخبرت الحبيب المصطفى بما دار بينها وبين عمر بن الخطاب فقال لها صاحب الرسالة العصماء صلوات ربى وسلامه عليه ( للناس هجرة واحدة ولكم هجرتان ) وتزوجت أسماء بعد إستشهاد جعفر فى مؤتة من أبى بكر الصديق وبعد وفاته تزوجها على بن أبى طالب ، ولقب جعفر هو جعفر الطيار وسر التسمية أنه بعد إستشهاد القائد الأول زيد بن حارثة فى مؤتة أخذ الراية جعفر فقطعت يمينه فأخذ الراية بشماله فقطعت شماله فأخذ الراية بعضديه حتى قتل رضى الله عنه وعمره 41 سنة وأخبر عنه الحبيب المصطفى أنه يطير فى الجنة بجناحين من ياقوت ... وبعده أخذ الراية القائد الثالث عبد الله بن رواحة وقال قصيدته الشهيرة ( أقسمت يانفس لتنزلن ...لتنزلن أو لتكرهن ) ثم قاتل رضى الله عنه حتى أستشهد وأخذ الراية خالد بن الوليد الذى إستطاع سحب الجيش بعد بلاء من المسلمين لعدم تكافوء القوة حيث عدد الروم 200 ألف مجرم وعدد قوات الإسلام 3 آلاف مسلم ونال خالد وسام نبوى من الطبقة الأولى هو وسام سيف الله المسلول فرضى الله عنهم أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
*** خاتمة قبل الوداع
كان معنا مندوب مشتريات إسمه جمال برهان وكان على دين وخلق وخفيف الظل ومن (رباطاب أريتريا ) قلت له إن البروف الراحل عبد الله الطيب قال إن هجرة الصحابة الأولى كانت للسودان وبالتحديد لمنطقة البطانة لأن أرض الحبشة كانت تشمل فى السابق أثيوبيا وأريتريا والسودان والصومال وجيبوتى فقال لى إن قبر النجاشى فى منطقة تجراى شمال أثيوبيا وكلمة نجاشى فى لغتنا تعنى الملك !! فقلت له إن البروف عبد الله الطيب قال إن جعفر بن أبى طالب يقول فى رواية الطبرى ... كنا مع قوم يستخدمون دهاناً يسمى ( الكركار ) والكركار لا يوجد إلا فى السودان !! فأجابنى ضاحكاً ...مادام أخدتوا مننا النجاشى خدوا معاكم بالمرة (أبرهة !! ) فقلت له ...أبرهة بخيت وسعيد عليكم !! وكما يقول الزميل محمد الفاتح (كتاحة) ...أقعدوا عافية ...وإلى اللقاء فى مفكرة قادمة نترككم فى حفظ الله ورعايته .