الرباطاب يبدعون ثانية

عرفت مدينة أبو حمد بأنها مركز قبيلة الرباطاب تجاريا وإداريا وهي تتمدد علي ضفة النيل شرق جزيرة مقرات التي تعد من أكبر الجزر السودانية مساحة كما وأن ابوحمد كانت محطة تنطلق منها قطارات السكة الحديد ايام عزها الي عدة محطات فقيرة شمالا او جنوبا لهذا يتزود منها المسافر ويبتاع ما تيسر من أكل وشرب اضافة للتمور الجيدة تلك التي تمتاز بها مناطق الرباطاب وقد تغني لها الراحل أحمد عمر الرباطابي وشبه بها القيد الحسان في العديد من روائعه الغنائية.
اضافة لذلك فقد ظلت مناطق الرباطاب بصفة عامة ترفد الثقافة السودانية وتقدم الشخصية اللماحة صاحبة البعد الذكي والوصف الشديد المطابقة وهو ينطلق من عقلية تحفظ الصور وتستدعيها بسرعة متناهية حتى حسب القوم أن الرباطاب أهل سحر تعوذ منهم البعض بالمعوذتين وفهم الأذكياء أن هذه هي الفراسة وبلاغة الوصف وسرعة البديهة والحضور التي يتمتع بها بعض الناس خاصة وسكان الرباطاب جمعوا بين سكنى الشواطئ النيلية بخضرتها والطبيعة الجبلية بقسوتها ومن هنا جاءت عقلياتهم متسقة مع هذا التنافر لتخلق منه بيئة صالحة للعيش.
لم يتحسب الرباطاب كثيرا لمجموعات العمال التي وفدت لديارهم من عمال مناجم الذهب أو ( الدهابه) فهم علي الاقل سكنوا خارج المدينة وظلوا مصدر دخل ولم يتوجسوا كثيرا من تجمع السيارات والناقلات في موقع الجمارك فهي أيضا حركت الاسواق الراكدة واستوعبت العديد من الايدي العاملة.ولعل بني رباط الذين لم يروعوا سابقا ولم يعرفوا المشاكل والإرهاب عولوا كثيرا علي فاعلية الحكومة بحكم أن هذه مهامها الأساسية من ناحية حفظ الأمن الذي أمتن الله به علي عباده كناية علي أهمية الأمن ودوره المتقدم في الاستقرار.
وبنفس ذهنية رجل الشارع في ابو حمد الذي تعامل مع هذه الحشود علي اساس انها مجرد تجمع مواطنين سودانيين بنفس هذا الفهم الموغل في البساطة كانت تنظر سلطات الولاية التي لم تحركها حشود الشباب والشيوخ وقد جاءت كما الحجيج من كل فج وصوب ليتجمعوا في منطقة معينة بل لعل الأهم من كل ذلك هو أن هذا الوسط يضم التجار بأموالهم التي تقدر بالمليارات وهي تحمل وسط هذا العدد نقدا وهناك معدن الذهب بكل نفاثته وقيمته ولمعانه وهو يتداول بين الفينة والأخرى في الايدي المحظوظة ولحاجة هذه الحشود ودواعي الاقتصاد والاستثمار ظهرت الاسواق وهي تبيع المسموح والممنوع ذلك ان الحشد لم يكن صفويا لكنه ضم كل الاطياف بمختلف ثقافاتها وفهمها كل هذا ولم تظهر القوة التي تحمي الناس والشرطة التي تحسم والأمن الذي يجعل الانسان ينام قريرا كما نام الفاروق تحت شجرة.
وفي صباح غريب تصحو ابو حمد علي صوت الطالبات في داخلية المدرسة وقد هالهن منظر اختهن وزميلتهن (عزة السودانية) مضرجة بالدماء اثر تعدي ذئب بشري تفلت من وسط الحشود ليجد الطريق سالكا امامه والمدينة نائمة والأمن في رحم الغيب لكن لطف الله ورعايته بثت قوة خفية في قلب الطالبة السودانية لتزود عن نفسها بالسر الإلهي الخفي وتحمي عرضها وشرفها وتتقبل الطعنات في انحاء متفرقة فداء لروح غالية وشرف مصان نامت كل الجهات الامنية عنه وتركته في العراء وما علم الباغي الخائن أن هذه نفوس عصية علي الفاحشة بعيدة عن الحرام بل هي ذات ما عناه الشاعر حين قال:
أنس حرائر ما هممن بريبة ..... كظباء مكة صيدهن حرام
يحسبن من لين الحديث فواسقا ويصدهن عن الخنا الاسلام
ويعلم الله وحده كم هي العروض التي انتهكت والأموال التي سلبت وقد يكون اصحابها صمتوا خوفا من الفضائح ليصبح المجرم حرا طليقا.
إن ما حصل في ابوحمد من تجمع للحشود ومن ظهور للذهب وحركة الجمارك وغير ذلك لهو في طبيعته من مظاهر الحياة وتطورها ولعل من المفرح للنفس أن تشهد المدن النائية مثل هذا الحراك وتستبشر به خيرا وتستشرف به مستقبلا لكن أن تترك السلطات السكان يواجهون هذه الامواج البشرية بدون حماية وبدون رقابة وحراسة لهو أمر في غاية الغرابة وهو عين التهلكة التي أمر الله سبحانه الانسان باجتنابها فحيث كانت الحشود كانت الجريمة وكانت الفوضى وكانت الأمور التي ينبغي التحسب لها ووضعها في البال والذهن فإذا لم تكن تجمعات الدهابه في ابوحمد في ذهن المسؤلين فماذا في ذهنهم يا تري.

علي الكرار هاشم محمد
الرياض
alialkarar@hotmail.com