• ×
الأحد 5 مايو 2024 | 05-04-2024
جلال داوود ابوجهينة

نحن كدة

جلال داوود ابوجهينة

 3  0  1749
جلال داوود ابوجهينة
لحرجل والمحريب والحزا
ذكرتني هذه الثلاثية العشبية أيام طفولتي في أتبرا الحبيبة ..
فقد اعتدنا أن نسمع صوت بائع متجول يقود راحلته أو حماره وهو ينادي بصوت رخيم على بضاعته من هذه الأعشاب الطبية في زمن لم يعرف فيه الناس الطب البديل إلا في السودان.
فتخرج النساء وهن يطلبن حاجتهن من هذه البضاعة التي لا تكلف بائعها غير صوته وعلف بعيره ..
عرف أهل السودان الطب البديل وعرفوا أسرار أعشابه المتنوعة منذ الأزل.
نحن شعب أسطى لا جدال ...
أذكر في أتبرا أن أصابني ) اليرقان ) قبل امتحانات الدخول للثانوي بشهر .. فأدخلوني المستشفى .. وأصابني الهلع لمجرد فكرة أن الامتحانات ستفوتني .. فهربت من المستشفى ليلا وذهبت إلى منزل أبن عمي في حي العمال القريب من المستشفى .. وتمترست هناك مهددا بأكل كل الممنوعات التي منعوني من أكلها ..
فذهبوا بي إلى قرية ( كَنّور ) وهناك زيّن رجل وقور معصمي بكَيّات خفيفة من مسمار متوهج .. الغريب في الأمر أنني شممت رائحة شواء جلدي دون أن أحس بالألم وسال سائل أصفر من مكان الكيّتين وأندثر المرض في غضون أيام .. كان أيامها في السوق نوع واحد من العسل المستورد وهو عسل إنجليزي في علبة خضراء مرسوم عليها أسدين .. وجعلوني أشرب العسل ليل نهار .. حتى كرهت العسل إلى يومنا هذا.
الأعشاب في السودان لها حكايا تطول ولا بد من جمعها وتوثيقها .. وأظن أن هناك مجهودات مقدرة من بعض الشباب في هذا المجال ..
هناك حالة مرضية كالكوفار أسمه ( الورتاب ) يتم فيه فصد جنبات الأرجل بموسى جديدة حتى يخرج دم أحمر قان فيرتاح المريض .. وهو شيء أشبه بالحجامة .. أىْ إخراج الدم من الجسم.

نعود للحرجل والمحريب و الحزا ..
نكون مستلقين على أسرتنا فينطلق صوت البائع المميز ينادي على أعشابه ..
جاءنا صوته يوما يقول : الحرجل و المحريب و الحزا .. الدوم والنبق والبالونات ..

فهب إبن خالتي و قال و هو ينطلق للخارج : الزول دة شايل معاه كشك ولا شنو ؟
بعد كل هذا الزمن الطويل أعتبر ذلك الرجل رجلا ألمعيا ذكيا .. فقد فطن إلى أن تنوع البضاعة هي سر التجارة الناجحة .. و أن إدخال صنف الفواكه الشعبية سيجر إليه شريحة لا يستهان بها من المشترين .. كما أن إدراج صنف البالونات سيأتي بالأطفال رغما عن أنوف ذويهم وبالتالي يتم تصريف بضاعته عندما يقف الأطفال لشراء النبق والدوم والبالونات ..
منتهى الذكاء الفطري ..
قلت ذات بوست قديم بأن رجلا في مدينة حلفا الجديدة لديه عربة كارو يجرها حمار هزيل كان يقوم بحملة دعاية لفيلم المساء حيث يعمل لصالح تلك السينما .. سمعته ذات يوم يقول : الفيلم الهندي الكبير .. شامي كابور .. و الرقص و الغناء .. و هناك مفاجآت أخرى ..
فسألت تاج الدين رفيق العمر : ماذا يقصد بمفاجآت أخرى ؟
قال مبتسما : عندما يكون عنده ( بنقو ) ممتاز وارد جوبا .. فهذه علامة لزبائنه بأن يحضروا خلف السينما بالقرب من برسيم حماره حيث يبيع لهم ( الوزنة ) ..
دعاية ذكية و مجانية تدخل في باب الكناية .. لأن شريحة من الناس ستعتقد بأن المفاجآت هي ضمن الفيلم .. أما أصحاب المزاج العالي فسيبتسمون إبتسامة ( خضراء ) لأن المعنى في بطن ( الرجل ) و سيصيب أدمغتهم ليلا ليسبحوا مهومين وسط دخان أزرق مع سحر الفيلم الهندي.

بائعو الترمس و الكبكبيه ..
بدأوا المناداة على بضاعتهم بكلمات واضحة المخارج : تيرمس .. كبكبيييي
كان هذا أيام الهدوء الاقتصادي ..
ثم ازدادت وتيرة الحياة وارتفعت أسعار كل السلع.. فأصابت هذه السرعة تروس ألسنتهم بعصبية واضحة فصاروا ينادون : كبكب .. يييرمس ..
ثم إزدادت السرعة والعصبية ، فصاروا ينادون : ييييك ... مُس ..
و تقلص قرطاس الترمس الماكن متأثرا بالحالة الاقتصادية فصارت حبيبات ( لا يقمن الصلب ) خاصة في باب المزة.

من ضمن الشخصيات التي لا يمكن أن أنساها في أتبرا .. امرأة فلاتية أسمها حاجة فاطنة .. امرأة ممتلئة رقة وإنسانية .. كنا نحبها حبا جما في صغرنا .. نراها كل يوم في حى القيقر .. كانت تبيع أول ما باعت (الفول السوداني) ...أو فول الحجات كما كنا نقول والتسالي بعلبة صلصة فارغة هي كل أدوات كيلها وميزانها .. و أحيانا تكون ( الهوادة ) أو الزيادة أكثر من البيعة نفسها ..
ثم تطور الحس التجاري لدى الحاجة فاطنة فبدأت في بيع الدلكة .. ثم زجاجات السمن البلدي .. ثم الخرز والسكسك .. إلى أن انتهت ببيع عطور الفرير دمور وبت السودان والصاروخ .. و انتهى بها الحال دلالية لها ( شنة و رنة ) ..
رحمها الله حية و ميتة ..
في مجال خدمة التوصيل للمنازل المجانية ..
فقد باع شاب زجاجة من عطر الصندلية لامرأة ربما كانت تتجهز لمقدم زوجها المغترب.. و لم تقم بالدفع إلا بعد أن تأكدت من أن العطر أصلي حيث قامت بالشم و الاستنشاق.. ثم بعد أن ذهب الشاب .. أتت جارتها الخبيرة بكل أنواع العطور وخاصة ماركة ( ميسو ) .. و قامت بفتح القارورة و أعطتها ( خَجّة ) ورجتها رجا .. فأختلط حابل الزجاجة بنابلها .. وعندما فتحت الزجاجة أتضح أن الطبقة العليا التي تطفو فقط هي بها نفحة الصندلية أما بقية السائل فقد رجّحتْ الجارة بأنه ربما يكون في الغالب الأعَمْ ( بول ) من النخب الأول وارد الصباح الباكر ..

***
امسح للحصول على الرابط
بواسطة : جلال داوود ابوجهينة
 3  0
التعليقات ( 3 )
الترتيب بـ
الأحدث
الأقدم
الملائم
  • #1
    أمير الأمراء 12-22-2011 10:0
    يخرب بيت الباعة المتجولون.. يبيعون كل شيء ولا يتسم بالصدق منهم إلا القليل.
  • #3
    ود البرعي 12-22-2011 04:0
    لو عايز الف عمود مثل هذا ممكن ارسله لك بس ارسل لي رقم فاكس وبكرة املاك اعمدة ههههههههه اشتغفر الله واتوب اليه
أكثر

للمشاركة والمتابعة

تصميم وتطوير  : قنا لخدمات الويب

Powered by Dimofinf CMS v5.0.0
Copyright© Dimensions Of Information.

جميع الحقوق محفوظة لـ "كفر و وتر" 2019