• ×
الخميس 2 مايو 2024 | 05-01-2024
عبد اللطيف الهادي

حُب حتى إلي ما بعد الموت!

عبد اللطيف الهادي

 0  0  3561
عبد اللطيف الهادي




عندما كنت صغيراً وشافعاً ويافعاً ، بل حتى عندما كبرتُ وصرتُ راشداً كان كثيراً سماعي وقراءتي لعبارات مثل: (من الحب ما قتل) و(حب حتى الموت) و(ريدة لي آخر العمر) ، لم ادرك مغزي وعمق الكلمات إلاّ بعد أن عايشتُ بعض (تطبيقاتها) عملياً على أرض الواقع والتي جسّدها أُناس مجنونون ومتيمون بحب الهلال وعشقه والهيام به لدرجة أن يكون السبب في طيّ صفحة حياتهم بالحياة الدنيا وإنتقالهم للحياة الأبدية !، و(من الحب ما قتل) سيناريو ظل يفرض نفسه بين الفينة والأخرى في تسلسل أحداث حياة المجتمع اليومية إن كان هذا المجتمع سودانياً أم إقليمياً يُحيط بنا أو دولياً ، والحب العفيف والشريف الذي يقود شخصا ما للفظ آخر أنفاسه ليس وليد اللحظة وإنما سطّر وخلّد نفسه في (سفر التأريخ) منذ أول مجتمع صغير تكوّن في عمر البشرية عندما تصارع إبني آدم هابيل وقابيل على الظفر بقلب وحب أختهما ، وتقدما منفردين بقربان حيث قدّم هابيل أفضل ما يملك ــ وهو الراعي ــ كبشا عظيما ، فيما لم يتجاوز قربان قابيل ــ وهو المزارع ــ حفنة سنابل وهو الذي كان بمقدوره تقديم أفضل منها لكن البخل المتأصِّل فيه والمُتمكِّن منه جعله يقدِّم هذا القربان الشحيح فكان أن تقبّل الله سبحانه وتعالى قربان هابيل بإرساله ناراً من السماء إلتهمت (كبش) هابيل بينما بقى قربان قابيل على حاله ما أدى ذلك لإشتعال لهيب نار الحقد والحسد في دواخله فكان ان سوّلت له نفسه الشريرة قتل أخيه هابيل ، وبعد أن قام بتنفيذ أول جريمة في تأريخ الإنسانية ندم حيث لا ينفع الندم وبات كما المجنون لا يعرف كيف يواري سوءته والخلاص من جثة شقيقه ، وهنا أرسل الخالق سبحانه وتعالى غرابين فتصارعا على قربان قابيل المُتمثّل في سنابل القمح ودخلا في معركة عنيفة وشرسة أدت لمقتل احدهما وسرعان ما قام الغراب القاتل بحفر حُفرة وارى في جوفها (جيفة) أخيه الغراب المقتول ، وبعده قام قابيل بدفن رفاة شقيقه هابيل!.

ومن يومها توالت جرائم قتل إنسان لاخيه الإنسان إن كانت الجرائم هذه فردية أو جماعية ، أو كانت دوافعها ذاتية أم طابعها قبلي أو سياسي بفعل الحُكّم الطغاة الذين لا يقل تعطّشهم لإراقة الدماء عن شوق دواخلهم الظمأ لشرب جرعة ماء! ، وبعض القتلة ليسوا بمجرمين وزاهقي أرواح بقدر ما تكون دوافع إرتكابهم لجريمة القتل دفاعهم عن عرض أو أرض أو الثأر لكرامتهم الشخصية التي إنتهكها المقتول ، ورغم توعد الله سبحانه وتعالى للشخص الذي يقتل نفساً بشرية بدون ذنب بالويل والثبور إلاّ أن باب رحمته مفتوح أمام كل مرتكبي الآثام والذنوب إلاّ الشرك به سبحانه جلّ وعلا شأنه ، فهذه لا مغفرة أو شفاعة فيها وسيُحشر صاحبها في الدرك الأسفل من جحيم السعير والعياذ بالله ، والله غفور رحيم يغفر لمن يشاء من عباده العاصين الذين لا ييأسون من رحمته ومغفرته.

سقتُ تلك المقدمة الطويلة للتعليق على ما تناولته بعض الصحف الرياضية الصادرة يوم أمس الأحد عن (آخر أمنية) لشاب محكوم عليه بالإعدام بإستعاضة السلطات المُختصّة بتنفيذ الحكم بوضع كيس قماش مأخوذ من شعار الهلال لتغطية وجهه بدلاً عن الكيس الأسود الذي عادةً ما يتم إستخدامه في الشنق ، ولم تتوقف امنية الشاب عند هذا الحد ، فقد وجّه نداءً لكابتن الفريق سيف مساوي وزملائه اللاعبين ببذلهم الجهد وسكبهم العرق ونزفهم الدماء حتى الحصول على كأس بطولة رابطة الأندية الافريقية ابطال الدوري وتقديمه هدية منهم لروحه ووضع الكاس لفترة زمنية قصيرة على قبره!! ، هذا الشاب القابع اللحظة خلف أسوار سجن القضارف ينتظر مصيره وقدره لم يّفكِّر في نفسه عندما سنحت له فرصة مخاطبة العالم الخارجي بأن يجد له فرصة تُنجيه وتخلّصه من حبل المشنقة ، ولم يُخاطب أحداً ليدفع له الديّة حتى يُنقذ ذاته من المصير المحتوم الذي بإنتظاره ، وضع كل ذلك خلف ظهره وتوجّه برسالته للاعبي الأزرق الشامخ حتى يحققوا له حلمه الذي عاش من أجله في حياته بان يرى هلاله متوشحاً بالذهب الأفريقي وكاس البطولة يتهادى في شوارع الخرطوم قلب السودان النابض ، ويا لها من أمنية ويا له من حب وعشق وهيام يُستحق أن يُسطّر في سفر الحياة والتأريخ حتى يتدفق نهر ذكراه على الأجيال القادمة من أُمّة الهلال ، هذا النادي الفريد والساحر والذي لم يستطع أحداً حتى الآن فك طلاسم ولغز هذا السر الغريب الذي يجعل الملايين من أبناء الشعب السوداني يحبونه ويهيمون به بهذه الدرجة العالية من هستيريا الحب العذري الجميل.

وقد اسعدتني وافرحتني كثيراً مبادرة رئيس الهلال أشرف سيد أحمد الكاردينال علي دفع الديّة كاملة لأسرة القتيل إنابة عن الشاب الهلالي المُدان والمُتيّم والولهان بالأمواج الزرقاء ، وخطوة الكردينال هذه ليست بالغريبة على أبناء نادي الوطنية الذين لا يتوانون ولا يترددون في تقديم الغالي والنفيس لكل فعل أو أمر من شأنه أن يقود الهلال لسلالم المجد وإعتلاء عروش الزعامة محلياً وخارجياً ، وحقاً (فمن يعمل مثقال ذرةٍ خيراً يرى) ، وبإذن الله فإن خطوة الخير الكبيرة التي قام بها (الإنسان) اشرف الكاردينال ستنعكس حتماً خيراً وبركةً على ناديه الهلال العريض والعريق ، وهنا اقول لرئيس الهلال كما يقول أهلنا: (إن شاء الله يوم شكرك ما يجئ) . والذي يزرع ريح الخير فهو لا محالة سيحصد عاصفة عمله الإنساني الطيب والمثمر.

(إخوة سيف مساوي) في موقف لا يحسدون ، ووضعهم أمام تحدٍ عصيب وعسير بأمنيته الأخيرة في حياته والتي ترجاهم بأن يحققوها له وهو في (العالم الآخر) ، ولتكن أولى خطوات رفاق مساوي بدايتها مباراة اليوم أمام النسور الأمدرماني من حيث العرض والنتيجة حتى يشعر الشاب بوصول رسالته إليهم وحتى يُطمئن بأن حلمه سيتحقق ويصبح واقعً معاشاً ، فهل سيفعل أشاوس الأزرق ذلك؟ .. الإجابة عند الأقمار الأخيار.

فجر أخير
كم مرة كان هناك حفل للتوقيع .. على دفتر صلح في تأريخ الوطن ، وكان هنالك حُرّاس ونحن قطيع .. وكم ذاكرنا على سبورة جرح الوطن: (باع ..... يبيع!) ، تطل عيوناً غائرة في صالة هذا السرح تشهد ملهاة التوقيع ، وتراجيديا الترفيع .. وسيرك الركض إلى الغابة و(فارس التقطيع)!!.
امسح للحصول على الرابط
بواسطة : عبد اللطيف الهادي
 0  0
التعليقات ( 0 )
أكثر

للمشاركة والمتابعة

تصميم وتطوير  : قنا لخدمات الويب

Powered by Dimofinf CMS v5.0.0
Copyright© Dimensions Of Information.

جميع الحقوق محفوظة لـ "كفر و وتر" 2019