• ×
الأحد 5 مايو 2024 | 05-04-2024
جلال داوود ابوجهينة

نحن كدة

جلال داوود ابوجهينة

 0  0  1567
جلال داوود ابوجهينة
كنت مساهرا عند بعض الأصدقاء ومعي عائلتي، وضحكات النساء تصلني من فترة لأخرى من داخل البيت، فقال صاحب الدار :

أم عطية بي جوة عاملة عمايل.

فقلت له : هي عندكم هنا ؟
فقال : هي هنا و إنت ال حتوصلها معاك في سكتكم لبيت ولدها لأنه في طريقك.

وشرفتني أم عطية في السيارة وأنا أتوقع جملة مفاجئة منها في أي لحظة، وجلست في المقعد الخلفي تلاحقها ضحكات ست الدار وهي تقول لها : كان تبيتي معانا يا أم عطية.
فردت عليها : مرة تانية يا بتي ، ولدي عطية بكرة موديني الدكتور ، عندي اليومين ديل حساسية في العينين الحلوة دي.

و صارت ( تهترش ) طوال الطريق و فجأة صاحت بي : هوى يا جنا ، إنت البنزين دة داير تقيف ليهو في الصف؟

قلت لها : ليه يا حاجة ؟
فقالت : إنت ماشي براحة كدي ليه ؟ أدعك البنزين دة و خلى اللساتك ديل يكوركن في الأسفلت دة التقول داعكنو بي طايوق .

ضحكت أم العيال طويلا قبل أن تستطيع الرد عليها قائلة : إنت يا حاجة عاجبك التفحيط حق الشباب في الشارع ؟

فقالت و هي تضحك كالفاضل سعيد عندما يتقمص شخصية بت قضيم : لا يا بتي ، لكين راجلك دة سايق كدي زى الماشي في الكورنيش. أنا السواقة البراحة دي بتحرق روحي. أنا ولدي عطية كان ما خلي العربية وكت يفرمل، أدقس جنب مسجل العربية و أرجع ما بتكيف.

حكيت ما حدث لإبنها ، فقال :

دة كلو كوم ، و العملتو في الحج كوم تاني.

قال : عند الطواف ، طافت شوطين و وقفت و قالت : كفاية كدي شوطين.
فقال لها : لاكين يا يمة لازم سبعة أشواط. و إنت أبيتي السرير يشيلوك عليهو
قالت و هي تضع كلتا يديها على خاصرتها : أنا ما بقدر على الدفر و العصر دة ، و السرير ما بطلع فوقو زى الجنازة أبرا و إستبرا من شيل السراير.
ثم قالت : ما ممكن أكملن مرة تانية ؟
قال لها : ما ينفع
قالت روح أسعل ، إنت شن عرفك بالفتاوي.

بعد جهد جهيد أكملت الأشواط المتبقية ، دون أن تردد الدعاء ، يقول عطية أنها كانت
( تقنت ) بصوت عالي و كل من يمر بقربها و ينظر إليها تقول له : تعال أُكُلني ، حِج حجك يا أب عينا زايغة.

وعند السعي بين الصفا و المروة ، قال لها بعد أن أستأجر لها عربة يجرها أحدهم : يمة ، هنا برضو سبعة أشواط ، لمن تنتهي تنتظريني هنا ما تتحركي خطوة.

قالت و هي تلوي شفتيها على جنب : هني برضو سبعة ؟

عند منتصف ممر السعى و في الممر الذي تمر فيه العربات ، وجد جمهرة من الناس و سمع صوت أمه عاليا يتعالى من وسط الجمهرة ، فقد كان صوتها مميزا :

شوفو الغبيان دة عليكم الله ، خج بطني المليانة موية زمزم خج لامن بقيت زى البطيخة اللاقة، بالله تقول سارقني، بعدين تعال هني ، مش قالوا هرولة ، إنت ال ساكيك منو جاري كدي ؟

يقول عطية و هو يمسح دمعاته التي سالت من كثرة الضحك : أرادت أن تسف الصعوط أثناء أداء مناسك الحج فقلت لها : يمة ، على الأقل أيام الحج سيبي الصعوط ، فقالت و هي تنفض يديها من بقايا سفة ماكنة إستقرت داخل فمها :
أنا وكت أكون متقريفة ما بقدر أرد على السلام الهين دة ، عاوزني أقول وراك اليوم كلو في الدعاء دة و راسي زي الطاحونة ؟

من المعروف و المتبع عندنا في السودان ، أن أهل العريس و العروس يوم قولة خير ، تكون بينهم مجاملات وإنتقاء الكلام بعناية وكرم في الضيافة وتعريف بالأهل ، وكانت أم عطية يومها من ضمن أهل العروس، و بعد أن كالت أم العريس المديح لأبنها ،
قالت أم عطية :

خلينا عليك الله من البوهية و الديكور دة ، ولدك نحن عارفنو كويس ، و لو ما البت قالت دايراهو و ما دايرة غيرو ما كنا أديناكم ، و الله أنا كنت دايراها لي ولد حاج عبد القادر ، و ما كان محتاج للشهادة دي كلها.

و تأزم الجو و تكهرب ، و أشارت إحداهن بحركة من يدها فهم منها أهل العريس أنها امرأة ( بتتكلم أي كلام ). فهدأت النفوس ، بعد أن غيروا انتباه أم عطية بكوب كبير من الآيس كريم.

لا تحب أم عطية الجلوس مع من هم في سنها ، لذا دائما تتوسط ( ونسات ) الشابات في أي مناسبة . سألتها أحداهن بخبث :
أم عطية إنت الإخترت أبو عطية ، مش ؟

قالت و هي تطلق زفرة حارة : أنا يا بتي ما شفتو إلا ليلة الدخلة ، شنباتو سَبَقَنُّو في دخول الأوضة ، أنا قايلاهم قرون تور.

و تضج البنات بالضحك يطلبن المزيد : أها عليك الله قولي يا أم عطية ، و بعدين ؟

وتواصل أم عطية : وكت قال لي كيف أمسيت يا ست البنات ، بالله زى البيتكلم جوة صفيحة فاضية ، أمانة عليكن صوتو زيو ، جهامة و غليد. وكت يقول يا ست البنات ، اللقمة الفي الحلق تقيف قَبَلا. و أنا عيني على السوط الشايلو يجر بالواطة. هو ينضم معاى و أنا خايفة يديني سوط سوطين في نص ضهري ، أصلو كان زعلان مني عشان سمع أنا قلت ما دايراهو و طنطنت كتير في حقو.

تقول إحداهن : يعني كنت بتخافي منو يا أم عطية ؟


قالت : هو خوف ساكت ، مرة رصعني كف ، جضمي متعسم أسبوع ، إلا مسّدوهو لي بي قرض و حلبة و عجين. بس كنت أنا غلطانة ، غلطت في مرة العمدة ، لساني طويل من يومي.

ما زالت أم عطية تقيم بيننا، أطال الله عمرها و بقاءها، آخر عهدي بها عندما ردت تلفون أحد المغازلين :
قال المغازل : آلو ، إزيك يا جميل يا أم عيون فتاكة؟
ردت أم عطية و مزاجها ( مش ولا بد ) : عويناتك بالرمد إن شاء الله ، إنت منو ؟

قال : مش مهم أقول أنا مين ، المهم إنك يا غزالة يا حلوة يا قمر ، يا أم صوت ملائكي ، تتكلمي و أنا أسمع ، تغردي و أنا أنصت ، إنت في أحلامي يا أحلى وردة من أحلى جنينة.

هنا إبتسمت أم عطية ، فقد صادفت هذه الصفات هوى في نفسها ، و لسان حالها يقول يا ليت الشباب .
قالت أم عطية و هي ترهف السمع لتسمع المزيد :
بس إنت منو ؟
قال : ممكن تقابليني الليلة الساعة سبعة عند ....................

و عندما أتى عطية حكت له كل المحادثة التي دارت بينها وبين المغازل، و قالت له أم عطية :

الليلة واحد ما عندو أدب قعد يغازل في التلفون ، لكين يا عطية ، بري من شبان الزمن ديل ، تقول سحاحير ، بالله الجنا دة وصفني جنس وصف.
***

انتهت الحلقات.
دعواتكم لها لحين عودتها من البلد.
امسح للحصول على الرابط
بواسطة : جلال داوود ابوجهينة
 0  0
التعليقات ( 0 )
أكثر

للمشاركة والمتابعة

تصميم وتطوير  : قنا لخدمات الويب

Powered by Dimofinf CMS v5.0.0
Copyright© Dimensions Of Information.

جميع الحقوق محفوظة لـ "كفر و وتر" 2019