زمن طويل لم اشاهد فيه كرة سودانية عنوانها العريض (المتعة والابداع) ، فترة طويلة لم اشاهد فيها الجماهير وهي تتفاعل بانفعال حقيقي بمايجري داخل الملعب، فترة طويلة لم اشاهد كرة (متحررة) خالية من (التعسيم) الذي كاد ان يفقد الكرة متعتها وحلاوتها ، زمن طويل نسيت معه كلمات كنا نقرأها ونرددها كثيرا ( انتزع الآهات وجعل المدرجات تتمايل طربا) ، كل هذه الاشياء عادت بعد طول غياب في المباراة التي جمعت امس الاول بين فريق الهلال والنسور الامدرماني ، ضمن مباريات الدوري الممتاز ، في مباراة حملت كثير من المفارقات والمفاجآت ، فقد فاجأ المدرب التونسي نبيل الكوكي الجميع ، بتشكيلة غريبة وعجيبة ، افقد الكثيرين توازنهم ، واصيب بعضهم بالاحباط ، ووصل البعض الآخر الى قناعة بخسارة الفريق للمبارة ، وزيادة فارق الصدارة الذي تقلص بينهم وفريق المريخ على الورق بعد التعادل الاخير امام مريخ الفاشر، لياتي الكوكي ويزيد الفارق بهذا التشكيل الذي جمع توليفة معظمها من لاعبي الفريق الرديف ( اولاد صغار)، والبقية من البدلاء ، اشكال للاعبين يتعرفون علي هيئتهم لاول مع غياب الاسماء ، فكانت الاسئلة تدور في المدرجات عن صاحب الرقم (7) ، والرقم (22) وبقية الارقام، عدا اتير توماس لايوجد لاعب من التشكيلة الاساسية ، جمعة جينارو وفيصل موسي واطهر الطاهر، ووليد الشعلة ، وصلاح الجزولي من البدلاء ، حتي معلق المباراة الزميل ياسر ، هربت منه الاسماء في بدايات المباراة ، فكان يبتعد عن ذكرها عند استلام لاعب من الصغار الكرة ، الشيء الذي زاد من توتر المتابعين على الشاشات.
ولكن مع مرور الوقت وبعد حوالي ربع الساعة من انطلاقة المباراة ، تحول التوتر الي تركيز على مايجري داخل الملعب ، وتحول الاحباط دهشة مما يجري داخل الملعب، وحل محل الخوف من خسارة المباراة الى امنية بالا تنتهي ، فقد قدم الصغار واحدة من اجمل المباريات في الفترة الاخيرة ، زمن طويل لم يقدم فيه الهلال المتعة لجماهيره في المباريات المحلية والافريقية ، قدمها في هذا اليوم ، تحرك جيد بالكرة ومن غير كرة ، تميز في الاستلام والتمرير ، قدرة علي المراوغة المجدية ، تصويب مميز من مسافات مختلفة، اهداف بالجملة وصلت اربعة وهو من الارقام النادرة من خلال مسيرة الفريق هذا الموسم والتي عرفت (بشح) الاهداف ، والعقم الهجومي، والازمة الهجومية ، وغيرها من الكلمات التي ظلت تترد في هذا الجانب . بالدرجة اتساءل اين هي المشكلة في الكرة السودانية؟ هل هناك مشكلة في الاستلام والتمرير؟ هل هناك مشكلة في التمركز؟ هل هناك معاناة في توزيع اللياقة على شوطي المباراة ؟ الاجابة انني امام مجموعة من اللاعبين الشباب ، يجيدون اساسيات الكرة وفنونها ، ولم يساورني الشك في انهم تعلموا في احدي اكاديميات كرة القدم ، ولكن اين هي الاكاديميات ؟ واين هي الفرق السنية؟ واين هو الرديف او بمعني هل هناك منافسة للرديف؟ الاجابة محبطة ، فاين تعلم هؤلاء الشباب؟ ومن اشرف عليهم؟ واين وجد الكوكي الوقت ليخلق بينهم هذا الانسجام؟ وهل هو الفريق الذي كان يشرف عليه الفاتح النقر؟ كل هذا لايهم في تقديري ودعونا لانفسد المتعة.