• ×
الأحد 5 مايو 2024 | 05-04-2024
كمال الهدى

وتلومون الصغيرة إن قالت بري.. بري.. بري!

كمال الهدى

 9  0  2436
كمال الهدى




kamalalhidai@hotmail.com

· يبدو أن فيديو تلك الطفلة الصغيرة التي عبرت عن رفضها لفكرة العودة للوطن بعبارة " منو دي.. أنا دي.. بري بري بري" لم ترق لإحدى الزميلات فصبت جام غضبها على أولياء أمور فلذات أكبادنا الذين يعيشون خارج أرض الوطن (مجبرين لا أبطال).

· لم أقف طويلاً عند ذلك الفيديو الذي سمعته بصورة أكثر من عابرة لا لشيء سوى أن مثل هذه الأمور لا تستهويني.

· لذلك لا استطيع الجزم بما إذا كانت الطفلة المعنية قد تحدثت بتلقائية، أم أن هناك من كان يوجهها لتقول ما قالته.

· لكن ما أردت مناقشته هنا هو أنه ليس بالضرورة أن يكون كل طفل (مغيوظ) من الوطن ورافض لفكرة العودة له ( محرش) من والديه.

· وحتى لا يكون الكلام نظرياً سأحدثكم عن جزء من تجربة شخصية.

· لا أدعي وطنية أكثر من غيري لكنني ما زلت منتمياً لهذا الوطن وغيرتي عليه شديدة رغم عيشي خارجه لسنوات طويلة.

· ولدي ثلاثة أبناء ذكور أكبرهم في الرابعة عشرة من عمره.

· بالإضافة للزيارات السنوية للبلد والأهل والحديث عن السودان وطبائع وعادات أهله نحاول جذبهم لمتابعة ولو اليسير جداً عن السودان وأخباره عبر التلفاز تحديداً باعتباره الوسيلة الأكثر جذباً لأجيال اليوم.

· لكننا نجد صعوبة بالغة في ذلك.

· فإن قدمتهم لعمل درامي لا يستهويهم إلا فيما ندر نظراً لعدم مواكبة تقنياتنا لما ما هو متاح أمامهم في الوسائط الإعلامية الأخرى، هذا بالإضافة لركاكة بعض النصوص وأخطاء بعض الممثلين والسيناريوهات غير المقنعة.

· إن حاولنا أن نتجه للغناء، نجد صعوبة في تشويقهم لسماع ما تبثه قنواتنا الفضائية لأنه في الغالب الأعم غير مقنع لنا نحن أنفسنا.

· نحاول عموماً مساعدتهم في تشكيل وجدانهم كسودانيين، لكن الأمر ليس سهلاً.

· فعلى سبيل المثال بعد مباراة مازيمبي وهزيمة المريخ نشر بعض هواة المناكفات على الفيس بوك عبارات من وحي أغنية ( الثلاثة نيسانات) لحسين الصادق.

· قرأت والدتهم تلك العبارات ورغماً عن عدم معرفتها بالكرة لدرجة أنك إن سألتها عن المكان الذي يقف فيه حارس المرمى في الملعب لربما قالت لك على خط التماس.. رغماً عن ذلك روت لهم ضاحكة ما قرأته أثناء تناولنا للغداء.

· بالطبع كنا في حاجة للتفسير حتى يفهم هؤلاء الصغار الطرفة.

· لكنني أستعين بكم إن كان بينكم من يمكن أن يعينني.. كيف كان من الممكن أن أفسر لهم الأغنية وماذا أقول لهم عن الثلاثة نيسانات و(السائق الشولة) وغيرها من كلمات لا تحمل أي معاني في رأيي الشخصي.

· هونت على نفسي الأمر بأن وجهتهم لليو تيوب ليسمعوا بأنفسهم هذا المقطع من الأغنية.

· وبعد أن شاهدوا تلك الجموع الهائلة التي تتابع حفلات حسين الصادق وجدت نفسي مرغماً على القول " رغم هذا الحضور الرهيب والتفاعل الاستثنائي، إلا أن هذا الشاب في نظرنا نحن الكبار ليس من المطربين الكبار الذين يقدمون فناً يستحق كل هذا الضجيج."

· المصيبة أنهم لم يستمتعوا بالأغنية ولم يتفاعلوا معها لا سلباً ولا إيجاباً.

· وإن حاولت دفعهم دفعاً للجلوس بجانبي لمتابعة مباراة لفريق أو منتخب سوداني انفضوا من حولي بعد لحظات لأن الصورة قبيحة والتعليق أقبح وليس هناك ما يجذبهم فيهما.

· كما أن أكثرهم فصاحة يقول لي " بس دي كورة أسه نتفرج عليها"؟

· ولهم الحق لأن القنوات الفضائية تتيح لهم فرصة مشاهدة برشلونة والريال ومانشيستر سيتي وغيرهم من الأندية التي تمتعهم بكرة قدم جميلة ومشوقة.

· وإن فكر هذا الصغير ملياً فيما يجعله يتربى وينشأ بعيداً عن وطنه وبقية أهله سيصل من تلقاء نفسه إلى حقيقة أن بعض البلدان تظلم أهلها ولذلك يتغربون وينجبون أطفالهم بالخارج، بينما هناك بلدان لا يغادرها أهلها إلا لحج أو عمرة أو دراسة لفترة محدودة يعودون بعدها ظافرين.

· فلماذا افترضت الزميلة أن العائلات السودانية التي تعيش بالخارج ( تحرش) أطفالها على كراهية البلد وأنظمتها ( هذا إن كانت بها أنظمة أصلاً)

· ومن أين أتت على الافتراض بأن هذه العائلات تسعى لاضعاف روح الوطنية لدى صغارها؟!

· وأين هي الوطنية - التي تلوم المغتربين على إضعاف روحها لدى صغارهم- بالنسبة لأهل الداخل؟!

· دعك من الصغار يا عزيزتي وحدثينا عن وطنية الكبار؟!

· أين هي وطنية زملاء القلم الذين يبدلون مواقفهم كما يبدل الواحد منهم ملابسه كل صباح!

· يعمدون لارباك الناس من خلال هذا التبدل العجيب في المواقف.

· يصبحون برأي..

· ويمسون بآخر..

· ونلوم الصغار وأهلهم!

· أين هي وطنية المسئولين عن البلد والعباد الذين تركوا الناس بلا مأوى ولا كساء ولا علاج ولا تعليم ولا أمن ولا أمان؟!

· وقبل أن نلقي باللوم على أولياء أمور الأطفال المغتربين لما لا نعاتب - ولو بعبارات خجولة - من يستغلون أطفال الداخل ويقحمونهم فيما لا يتناسب مع مراحلهم العمرية؟!

· دونك مثلاً الطفل أحمد مخترع الساعة وآخر لقاءاته بالمشير البشير!

· ألا يعتبر فرض مثل هذه اللقاءات انتهاكاً لبراءة الطفولة؟!

· صحيح أن والده ساهم بشكل رئيس فيما جري من لقاءات عديدة لم أفهم لها سبباً.

· فبين كل من زارهم الفتي برفقة والده لم أجد مبرراً أو سبباً للقاء باستثناء الدعوى التي قدمها له الرئيس الأمريكي أوباما.

· فأوباما ( غير المسلم) ( الإمبريالي) هو الوحيد الذي قدم دعوة مبررة مبررة في نظري للطفل أحمد لزيارة البيت الأبيض.

· وذلك لأن الصغير ربما تأذى نفسياً من فظاظة شرطيين كانوا يؤدون واجبهم كما يرونه.

· وبعد أن تأكدوا من أنه لم يحاول سوى تصنيع ساعة كان لابد من تحفيز له لأن البلد الذي حصل على جوازه يشجع المبدعين.

· أما رئيسنا مثلاً فلا يمكن أن نقول أنه دعاه لكون حكومته تشجع الإبداع والمبدعين.

· فقد طالعنا جميعاً قصة طفل آخر ( أحمد سبت) الذي يملك ذات الموهبة أيضاً لكنه أُجبر على ترك المدرسة في الصف الخامس من أجل كسب لقمة العيش لأنه يعيش داخل السودان وليس في أمريكا!

· وأي إبداع أصلاً يمكن أن تشجعه حكومة لا توفر لهؤلاء الصغار الأمن والأمان!.

· فها نحن نسمع كل صباح عن جرائم في حق الأطفال تقشعر لها الأبدان دون أن يجد مرتكبوها الردع الكافي.

· ربما يكون لبعض الآباء أدوراً سلبية في تنشئة صغارهم، لكن الأولى بلومنا هي الحكومة.

· فالحكومات هي التي تستطيع أن توفر البيئة الآمنة المشجعة والاستقرار الذي يجعل غالبية المغتربين ( ياخدوها من قاصرها) ويعودوا لأرض الوطن.

· والأولى بلومنا أيضاً قبل الآباء هم الزملاء الذين باعوا القضية الأساسية بحفنة من الأموال وصاروا أبواقاً للحكومات ورجال المال.

· نتمنى أن يرتبط كل طفل أجبر على العيش خارج البلد بوطنة بأعمق ما يكون الارتباط.. لكن كيف مع هذا الواقع المزرئ.. كيف؟!

· فخمس دقائق أمام التلفاز كافية لأن يعرف من خلالها كيف أن الكثير من الضيوف والمضيفين يمارسون النفاق والكذب والتدليس.. وتلومون تلك الصغيرة إن قالت" بري.. بري.. بري.." للعودة إلى أرض الوطن!

امسح للحصول على الرابط
بواسطة : كمال الهدى
 9  0
التعليقات ( 9 )
الترتيب بـ
الأحدث
الأقدم
الملائم
  • #1
    ترمس 10-19-2015 09:0
    كلامك مدهش . ويصب فى مصلحة الوطن .. بس للاسف .. وين الوطن .
  • #3
    Mahmoud Hanafi 10-19-2015 02:0
    يا استاذ كمال لك التحيه .. خليك من الصغار انا ابنائي كلهم تربوا في السودان وكل مراحل دراستهم في الخرطوم(انا طلعت من السودان وسني كبيره هربا من جحيم الانقاذ)تعرف حاولت المستحيل لاصطحاب ابني الكيير لحضور العيد في الخرطوم وباءت كل محاولتي بالفشل الذريع وللاسف الشدييد بقوا الهلال ما شغالين بيها ... ليهم حق اولادك وربنا يحفظهم
  • #4
    ساشا 10-19-2015 12:0
    تمام أستاذ كمال ونأمل كلنا أن نرى بلدنا في أحسن حال تسودها العدالة وسيادة حكم القانون والتبادل السلمي للسلطة ومحاسبة القوي قبل الضعيف ومحاسبة الغني قبل الفقير بدلاً عن الغوغاء والحرامية شذاذ الآفاق الذين يديرونه الآن بسياسة شيلني واشيلك بدون وازع من أخلاق أو ضمير أو دين ويحسبون أنهم وأبنائهم قد نجوا بما كنزوه ولم يدروا وهم اصحاب العقول الضعيفةأن العيش في وسط المسحوقين والمظلومين والمرضى والجياع والمحرومين من أبسط علامات التطور لن يشعرك بأي أمن أو أمان أو متعة والقصاص الأرضي والسماوي آت لا محالة،، طيب الله أوقاتك ،،
  • #5
    بابا 10-19-2015 11:0
    لو ما ترك السودانيون قولة (واللاى)بمعنى والله بين كل كذبة واخرى
    لن تقوم لنا قائمة
  • #6
    عاشق الهلال 10-19-2015 11:0
    هل تعلم انه اذا قدر لك العودة بالسلامة باذن الله الى وطنك بعد كل هذا الغياب وفكرت فى شراء سيارة من عرق السنين لاستعمالك والاسره الكريمة فلا تنسى انك مضطر لشراء سيارتين للسيدة حكومة السودان اذ ان الجمارك الفعلية تساوى 200% فى جمهورية وحيد القرن بينما التعرفة الجمركية فى كل العالم والموقع عليها السودان لا تتجاوز 12% ،، اخشى الا تقتصر عبارة برى برى على الطفلة وانما تمتد الينا نحن رغم الذقون والاشناب التى تصلح ليحط عليها الصقر
  • #7
    البابا 10-19-2015 10:0
    الانقاذ تسعى دوماً للتكسب وإطالة حكمها ولو على حساب طفل بري كان موعوداً باهتمام حكومة أوباما قبل أن تفرمل حكومة البشير (آماله) حين انقلب عليه الاعلام الأمريكي وهاجمه بسبب دخوله للقصر الكائن بشارع النيل...ولانعفي هنا مرشح الرئاسةأبوه الملقوف.
  • #8
    البابا 10-19-2015 10:0
    الانقاذ تسعى دوماً للتكسب وإطالة حكمها ولو على حساب طفل بري كان موعوداً باهتمام حكومة أوباما قبل أن تفرمل حكومة البشير (آماله) حين انقلب عليه الاعلام الأمريكي وهاجمه بسبب دخوله للقصر الكائن بشارع النيل...ولانعفي هنا مرشح الرئاسةأبوه الملقوف.
  • #9
    سوداني 10-19-2015 09:0
    ربط الاطفال بالوطن اخي كمال لا يتم عبر التلفاز والحكاوي... فقط بزيارة السودان ... الطفل يتعلم من اقرانه ومن الاصحاب في لحظات ما لا تستطيع انت فعله في سنة.. كم من مغترب يبكي اطفاله عند نهاية الاجازة في حين يكون الوالد في حالة قرف وزهج من البلد..كم من الكلمات السودانية يرجع بها الطفل بعد اجازة شهر لا يتعلمها بالتلقين من والديه في سنة... اخي كمال ان كنا حريصين على وطنية وسودنة اطفالنا لا بديل سوى السودان مهما كان راينا في حسين الصادق او البشير او غيرهما
       الرد على زائر
    • 9 - 1
      ود الحسين(بربراوي) 10-19-2015 05:0
      كوفيت ووفيت أخي سوداني . أوجزت كل المقال في أربعة أسطر فلك التحية . كلنا مغتربون ولنا أبناء ودائما ماتفشل محاولاتنا معهم
أكثر

للمشاركة والمتابعة

تصميم وتطوير  : قنا لخدمات الويب

Powered by Dimofinf CMS v5.0.0
Copyright© Dimensions Of Information.

جميع الحقوق محفوظة لـ "كفر و وتر" 2019