• ×
الإثنين 27 مايو 2024 | 05-25-2024
ولاء مدني

خيالات مبعثرة

ولاء مدني

 1  0  1507
ولاء مدني

شعور غريب ورغبة جامحة دفعاني إلي زيارة صديقي ورفيق دربي وزميل دراستي في تلك المدينة النائية...التي تبعد مئات الأميال عن قريتنا... لم أجد تفسيرلتلك الرغبة و ذلك الشعور المفاجئ الذي سيطر علي دون مقدمات أو سابق إنذار، وصديقي هذا لم إلتقي به منذ سبعة أعوام... ولم تخطر علي بالي زيارته طيلة تلك السنين،خاصة بعد إنقطاع التواصل بيننا ... بعد أن أضعت رقم هاتفه تارة بفعل التغيير المستمر للجوال بدواعي مواكبة الموضة وتارة أخري بدواعي الحوجة.
حزمت أمتعتي وتوجهت صوب جامع البشيراب ، الذي يطل علي الشارع العام و تبدأ منه وتنتهي معظم السفريات في قريتنا الوديعة... التي يحتضنها النيل وتنام علي أنغام أذكارالختمية وتصحو علي ترتيل القرآن ويشدوها ويهزها إنسياب شلال السبلوقة ...حيث طابيات المهدية ،والصخرة المقدسة وملتقي الكليم بالعبد الصالح ... لم يطل إنتظاري طويلاً حتي لاح من علي الأفق غبار يتعالي وينخفض معلناً عن هايس تكاد تسابق الريح ... لم أكن في حوجة لأتحري عنها أو أسأل عن ماهيتها فسرعتها تدل علي أنها من خط ودحامد ...هكذا عرفناهم وألفناهم ينفضون الأرض ويسابقون المقاصد ...إمتطيت الهايس تسابق أشواقي سرعة المركبة وماهي إلا لحظات حتي تسربت إلينا رائحة البصل معلنه الوصول إلي زريبة البصل... حيث تربض مركباتنا،توقفت الهايس فترجلنا منها ... دلفت إلي نادي الهلال حيث الشموخ يعانق السماء ... وذاك كان من عاداتي وطقوسي التي لم ولن تندثر فكل رحلاتي إلي العاصمة تؤول بي إلي نادي وإستاد الهلال حيث التجلي والنقاء والإلتقاء بالأحباب من رواد ومحبي الهلال العظيم...تجاذبت أطراف الحديث مع مشجع الهلال الكبير المصور البارع العم بادي متعه الله بالصحة والعافية برفقة أبوعبيدة الأقمار وشبح أولتراس وكباشي الموج ومحمد الشباب، ومعاذ النصر ...سرقنا الوقت بعض الشيئ فيكفي أن الحديث عن الهلال العشق والهوي ... إستأذنت بأدب الهلال لأواصل الرحلة الميمونة عبر الميناء البري... حيث إستقليت أول بص متوجه إلي مدينتهم بعد أن تعرضت إلي سماسرة التذاكر الذين وجدوا ضالتهم في ، بعد أن علموا بأنني في سباق مع الزمن ...
بسملت ودعوت بدعاء السفر ثم صعدت إلي البص حيث إنزويت في ركن قصي علي كرسي لا تجد أشعة الشمس طريقاً إليه فغشاني الكري بعد أن وجدني مجهد ومؤرق ومتعب...
أتعرف سياب ؟ سؤال إنطلق من شفتي نحو جاري في البص دون مطايبة أو مقدمات ... ولقد هالني وسرني أنه شقيقه الأكبر ...رويت له كل شيئ ، سبب مقدمي وعلاقتي بشقيقه ... عانقني عناق حار وعلي خده دمعه ساخنة ... سألته عن سبب الدمعه وانا بين الخوف والترقب ! فأتت إجابته بأن صديقي محتجز في غوانتنامو بعد أن قبض عليه الأمريكان بحجة الإرهاب حيث قطعوا كل شيئ يربطه بالأهل والوطن ...إنقبضت أسارير وجهي وعلته سحابة من الحزن ، تألمت وشعرت بدوار شديد ، ثم هممت بالرجوع ولكني عدلت عن رأيي تحت إلحاح وإصرارشقيق صديقي... ذهبت معه شارد الذهن ومحطم القلب ...وصلنا داره بعد دقيقتين فقد كان مقابلاً للموقف من الجهة الجنوبية ... طرق الباب بلطف ، تعجبت لماذا لم يضغط علي الجرس لأن مفعوله أسرع وأنجع ، لم يحتاج ليطرق الباب مرة اخري... حيث إنفتح الباب برقة فكشف عن فتاة وجهها كفلق الصباح ، تحمل الليل علي كتفها والبسمة علي شفتيها ،أضاءت الكون بفرة وجهها ... تسمرت قدماي وفغر فاهي وتجمد الدم في عروقي .. حاولت أن أسلم عليها فأعياني النطق ...تحسست أعضاي فوجدتها ليست علي ما يرام ...دخلت عالم آخر لم يخرجني منه غير صوت مضيفي : أن سألني مابك ؟هل تشكو من عله أو دوار ؟ ... أجبته بصوتٍ واهن ومتعب : أحس بنار تجتاح كياني وتحرقني بأوارها... حاول تطميني بأن ما أجده وأعاني منه ماهو إلا نتيجة لوعثاء السفر ، وبمزيد من الراحة والإستجمام ستنطفئ النار ويزول الألم ...قلت له : لن يطفئ ناري غير تحقيق حلماً يراودني وخيالاً يلازمني . ..قال لي : وهل ذلك الحلم عصي وبعيد المنال بحيث يصعب تحقيقه ؟...أجبته : أنتم من يحدد ذلك ! ...أجابني والدهشة والغرابة قد حولت ملامح وجهه: لم أعد أفهمك ، فهل أنت بكامل قواك ؟! ... قلت له : قبل أن تعتب قدمي داركم كنت بكاملها اما الآن فلا !... زاد إستغراباً وتحولت الدهشة إلي دهشة أعمق وأكبر ... قال لي سألتك بالله أن تفصح عما يدور بخلدك ويختلج بدواخلك وتبتعد عن الألغاز...
في تلك اللحظة إنقطع التيار الكهربائي وساد المكان سكون وهدوء وتوجس ورهبة ...حمدت الله علي ذلك ظناً مني بأن ذلك سيخرجني من الموقف الضيق الذي أدخلت نفسي فيه مع محدثي ومضيفي ، وسيعفيني من الإجابة علي أسئلته التي ربما كلفني الرد عليها ما لا يحمد عقباه ... لسوء حظي أو لحسنه ،ذلك لم يحدث فقد واصل في أسئلته الإندهاشية: كيف نحدد نحن وأنت وحدك من يستطع تحقيقها وإنزالها إلي أرض الواقع ؟... قلت له : أنت محق في ذلك ولكن بدونكم لا أستطيع تحقيق تلك الأحلام ... تحولت الدهشة إلي صرامة وحدة ... سألني بغرابة وإستنكار : ماذا تعني بأنتم وكيف نساعدك علي تحقيقها ونحن نجهل حتي كنهها ؟... قلت له متوجساً: أعني بأنتم أنت وأسرتك ، أما كيف فبموافقتكم علي عقد قراني علي شقيقتك التي فتحت لنا الباب...
أطرق ملياً ثم أجاب بوقار : طالما أنت صديق شقيقي فلا نشك في سمو أخلاقك وطيب معدنك ،وعن نفسي فلا مانع لدي ولكن شقيقتي من تقرر فهي صاحبة الشأن ... قلت له أنصفتني ولا أطلب منك أكثر من ذلك ... نده علي شقيقته بأن تأتي ... فلما أطلت أشرقت كالصباح وأضاءت الغرفة بتوهج نور خديها وأظهرت جمال ماتراءي لي عندما فتحت الباب ...لأنني وقتها رأيت جزء منها، أما الآن فهي أمامي بكامل قوامها وحضورها ... أنتابني شعور يستعصي عليه وصفه وأنا أمام حسناء تضاهي الحور العين وتزدري بكل نواهد نجد وعذاري الرافدين ... أدمية الجنس ملاك الروح، ممشوقة القوام ، صافية الوريد ، ديسها بهيم ومنسدل فوق ظهرها يكاد يلامس عجيزتها...سوداء المقلتين ، كحيلة المحاجر ،ضميرها كضمير المها ، مليحة الوجه ، سنونها بيضاء كالبرق ،بنانها كالعناب ، شفتاها ندية وعطشي ،مياسة ... تموح وتنثني في دلالٍ وتيهٍ وغنج ،. رمقتني بنظرة فخلفت سهامها بجناني وجعلتني أسيرها

فتمثلت بقول العباس بن الأحنف :
فيالك نظرة أودت بقلبي *** وخلف سهمها جسمي جريحاً
وبينما أتأمل ذلك الحسن الفريد وأتعجب من قدرة الخالق الذي تجلت قدرته في خلق هذه الفتاة... طرق أذني صوت شقيقها يسألها إن كانت تري في شخصي فتي أحلامها وشريك عمرها ؟ ...أجابت بصوتٍ ندي ورخيم ٍ وناعم ،أجمل كلمة سمعتها وتمنيتها في حياتي ( أن نعم )... فهزتني وأطربتني وملئت قلبي بالفرح وروحي بالنشوي فقفزت عالياً... فأرتطم رأسي بمؤخرة المقعد فصحوت مذعوراً أعض بناني .
امسح للحصول على الرابط
بواسطة : ولاء مدني
 1  0
التعليقات ( 1 )
الترتيب بـ
الأحدث
الأقدم
الملائم
  • #1
    محمد الطيب 01-05-2015 12:0
    بالجد كلام ينقط شهد....مشروع كاتب كبير...سلمت اناملك الذهبية يا نابه..
أكثر

للمشاركة والمتابعة

تصميم وتطوير  : قنا لخدمات الويب

Powered by Dimofinf CMS v5.0.0
Copyright© Dimensions Of Information.

جميع الحقوق محفوظة لـ "كفر و وتر" 2019