• ×
الأربعاء 15 مايو 2024 | 05-13-2024
علم الدين هاشم

رأي حر

علم الدين هاشم

 0  0  1076
علم الدين هاشم
كفر ووتر تحتفل بالمقال رقم 1000 للزميل علم الدين هاشم

رأي حر

صلاح الأحمدي

البحث.. عن اسم

كان أولاده ينادونه "بابا"، وكان هذا النداء مصدراً للغبطة والحبور، وزوجته كانت تسميه "زوجها العزيز"، وكان هذا الاسم محببا إلى نفسه، لأنه يعلم أنها تحبه، وكان عند أبناء أخيه هو العم وعند أمه هو الابن البار الرحيم، وكانت هذه الأسماء كلها ينبوعا من السعادة والسرور وهو لاعبا يُشار له بالبنان وجنديا في الميدان.. نعم هو بابا والزوج والابن والخال والعم والجار الطيب والصديق الحميم والزميل المحبوب من زملاء العمل، وكانت هذه الوظائف الاجتماعية تملأ قلبه بالرضاء وتزيد مكانته ألقا بين معارفه وتشعره أنه ليس كما كان مهملا وليس شجرة متطفلة نبتت على حافة النهر، كان كأنه شجرة مورقة خضراء تحتها وحولها أناس ينعمون بظلها مثلما ينعمون بثمرها أناس لم يكن لهم عنه غنى كانوا يعرفونه بالاسم والرسم، وكان كل شيء فيه محددا، اسمه وشكله وعنوانه، كان كأنه بناء اجتماعي محدد الأركان له هويته وله بطاقته الشخصية، وباختصار كان ملء السمع والبصر وملء الزمان والمكان.. في ليلة سوداء حالكة السواد أصابه نزيف شديد وحملوه في سيارة إسعاف ناصعة البياض إلى أحد المستشفيات.

ما هذا..؟، إنه لم يعد بابا ولا الزوج ولا الخال ولا الجار الطيب ولا اللاعب القديم الذي عطر سماء الكرة السودانية بالروائع الكروية ولا الإداري القديم الذي عمل من أجل إخراج أجيال إدارية ولا المدرب الذي كانت بصماته واضحة في الكثير من اللاعبين من أجل الوطن ولا الامبراطور الذي ظل يجري سنين وسنين داخل ملاعب الكرة وهو يطلق الشهيق والزفير من خلال الصافرة ولا الكاتب الرياضي الذي ظل ينتقد بقلمه من أجل تطوير الرياضة ولا المشجع الذي أنهكه التشجيع وصدى صوته يجلجل في المدرجات.. لقد أصبح اسمه المريض الجديد وكانت الكلمة غريبة على مسمعه وكانت حروف كلماتها أشد سوادا من الليل البهيم وحسبها تسمية مؤقتة لا تلبث أن تزول بالتوحد والتعاطف والتوادد والمساعدة والمواقف المشرفة لأهل الرياضة عبر التكافل الرياضي والجمعيات الرياضية واللجان الكثيرة التي تتبنى كل مجال، ولكن خاب ظنه فقد ظلوا يسمونه حالة النزيف وأحيانا يسمونه العيان الفلاني وأخيرا اسموه "سرير كذا عنبر كذا"، لقد هدموا بناءه الكروي هدموا البرج الشامخ الذي ظل يعيش فيه أيام مجده لقد جردوا الشجرة اليانعة من أوراقها وثمرها وتركوها غصونا جرداء كأنها لا تعني أحد في هذه الدنيا، كأنها فروع جافة لم تعرف النضارة يوما ولن تجري في عروقها عصارة الحياة.

نافذة:

كان له اسم ولكن الاسم فُقد في الزحام الكروي وأصبح مجهول الهوية لا موسوعة تمجده ولا كتاب يذكرونه ولا إذاعة تبث صوته ولا تلفزيون يسعى لاستضافته، وأصبح مجهول الهوية كأنه كتاب نزعوا غلافه فأصبح كتابا بلا عنوان.. يوم دخل الميدان اختاروا له أجمل الألقاب بعد أن سهروا الليالي يبحثون له عن أجمل الأسماء وفي معسكره له غرفته وله خصوصيته، أما الآن فأصبح ينام في عنبر وأصبحت العيون الرياضية ترمقه من كل مكان لقد أهدرت خصوصيته وأصبح يعيش بلا جدران من المؤسسات الرياضية ولا النادي الذي ظل يعطيه الكثير ولا رجال الرياضة ولا الأقطاب الذين ما برحت أيديهم تصفيقا له، لقد فقد الاسم وبطاقة الهوية والانتماء والخصوصية التي كان يتمتع بها.

نافذة أخيرة:

كان يعيش أيامه في قمة الإحساس بالنفس والذات وبين يوم وليلية أصبح نزيلا بهذا المكان الكريه، فقد أحس بأنه انحدر إلى حضيض النسيان والنكران من الوسط الرياضي الذي كان فيه أسدا يقاتل في كل الجهات باسم ناديه ووطنه بعد ان محي لقبه وطمست حروفه بالإهمال، لقد أصبح يتمنى ان يسمع لقبه ولو مرة وحدة حتى يتحقق من أنه موجود وغير مفقود في وسط رياضي أعطاه كل شبابه وحيويته ولم يجد رد الاعتبار..

خاتمة:

فقد اسمه في الوسط الرياضي، بعد أن اختار أن يدلفه بنفسه وبناء أسرته، ثم وقع الانقلاب المفاجيء دون أن تراق فيه دماء وإنما أريقت فيه مشاعر إنسان رياضي فنان قدم كل الألحان الكروية..

لقد مضى وقت طويل وهو يبحث عن اسمه المفقود بفعل فاعل المكتوب بخط الرقعة والحبر الشيني في بطاقة النادي، ومن يدري فربما يظهر هذا الاسم مرة أخيرة بالحبر الأسود في صفحة الوفيات في الصحف الرياضية تحت عنوان (إنا لله وإنا إليه راجعون)..
امسح للحصول على الرابط
بواسطة : علم الدين هاشم
 0  0
التعليقات ( 0 )
أكثر

للمشاركة والمتابعة

تصميم وتطوير  : قنا لخدمات الويب

Powered by Dimofinf CMS v5.0.0
Copyright© Dimensions Of Information.

جميع الحقوق محفوظة لـ "كفر و وتر" 2019