• ×
الإثنين 29 أبريل 2024 | 04-28-2024

داخليات الطالبات.. زيارة خاصة جداً

داخليات الطالبات.. زيارة خاصة جداً
 تحقيق / سلمى سلامة- هدير احمد /

متعة البحث عن التفاصيل تفوقها متعة معايشة تلك التفاصيل.. سراديب الحياة الطويلة احياناً والقصيرة اخرى قادتنا ونحن نتدثر بعباءة الفضول لمتابعة الحياة داخل «داخلية البنات».. ليست هي مجرد اسوار بداخلها طالبات انما مجتمع بكل ما تحمله الكلمة آخذ في الملامح فهو يشابه «الحي» تارة، فتجد به المؤانسة والتواصل فتحسبه بيتاً كبيراً لفتيات قادهن درب العلم الى مكان واحد بسحنات مختلفة ذابت حد الانصهار في ثقافة الوطن المتعددة فاصبحت الحياة فيه قالباً متنوع الاوجه فمن بينهن من اتت من بيئة محافظة أو العكس، فتضاربت الآراء، وربما تلاقحت فانجبت مجتمعاً تدور حوله الشكوك النابعة من اعتقاد راسخ بانهن «بنات بدون كنترول»... «الرأي العام» دخلت تلك الاسوار «المحروسة» وذابت في مجتمعها فكانت تلك الحكايات.
----

الأسوار المحروسة
الدخول لتلك الاسوار «المحروسة» كان غاية في الصعوبة فبعد سيل من الاسئلة من قبل «المرابطه» حتى اطمأن قلبها استطعنا الدخول الى احد مجمعات الطالبات ذات الطراز العمراني الجميل كنا نظن في السابق بان المكان الذي تعيش فيه النساء لا يخلو من بصمة جمالية اي اقلها النظافة ولكن الواقع كان عكس التصور فالاكياس وعلب المشروبات الفارغة تملأ فناء الداخلية وتتخلل اشجار الزينة عبرنا المشهد الى الداخل في خطي وجلة.. سرعان ما تغيرت الصورة فتجعل أى شخص يحس بانه في منزل كبير.. فتيات بالثوب.. وآخريات بالطرحة وبعض منهن «بالجلباب» كل تلك المشاهد تعمق احساس المنزل.
دلفنا الى احدى الغرف برفقة احدى الطالبات كانت الغرفة في حالة من «الهرجلة» وعالية الرطوبة بسبب الملابس المنشورة على الاسرة خوفاً من السرقات جلست على حافة السرير وكان بصري يحدق في الغرفة واثاثها اسرة «تبل بيت» ودواليب من الحديد وضع في احدها ورقة ادركت انها جدول النظافة والطبيخ وضع بطريقة لا تتعارض مع جدول المحاضرات لمن يرسو عليها اليوم.. وعلى الحائط عبارات ومقاطع اشعار تعكس الحالة الوجدانية التي تعيشها الطالبة مثل «يمه الحنين الشوق غلب» وتذكار من طالبة في سنتها الاخيرة وهكذا.
وبعد برهة من الزمان اخذت الطالبة تحدثني عن الحياة داخل هذا المبنى فبدأت الحديث بما هو اجمل من حيث التعرف على اللهجات المختلفة والمدن والقرى وشعورها بالدخول لعالم لم تكن تعرفه وجمال المشاركة فيه وان اية معاناة بداخله شخصية وهي فراق الاهل والظروف المادية وهم المعيشة التي تجعلها وصديقاتها يعشن في طاحونة تفكير دائمة ما اذا كان المصروف سيقضي الشهر ام لا.
واحياناً لا تجد حق «الشيرنق» فتضطر للاستدانة، كل هذه تعتبرها معاناة شخصية لان المعاناة العامة التي تطال كل الطالبات هي علامة استفهام تحلق حولهن لكونهن طالبات داخلية ولكنها لا تخفي حقيقة ما ثار حولهن خارج تلك الاسوار سببه سلوكيات غير مسؤولة من طالبات.
هنا قاطعتها «ق» وهي تقول الغالبية لديهن فهم بان اية واحدة لابد ان تكون على علاقة بشاب لا يشترط في هذه العلاقة وجود العاطفة المهم ان لا يكون هنالك شعور بالنقص وتستطيع ان تحكي عندما يحلو الانس عن الشاب وان تظفر بساعات المساء بقربه في حدائق «حبيبي مفلس».

الحياة شيرنق
كانت الساعة تمضي دون ان نشعر بها وبدأت اشعر بشيء من الراحة والدفء رغم الرطوبة حين طرقت الباب طالبة تطلب «مدق» لسحن التوم واعقبتها اخرى تريد صحناً لان الوقت قارب ساعة الغداء واليوم كان عطلة لذا كانت هنالك محاولات جادة لصنع اطباق لوجود متسع من الوقت.. وبعد الغداء سادت المكان حركة تأهب للخروج من الاسوار المحروسة بعضهن لزيارات اسرية وآخريات لموعد غرامي فما هو جميل في هذا كله هو اللبس فليس هنالك اي حواجز في ان ترتدي «ق»«عباءة » والعكس او غيرها بل اتت طالبة لـ«ق» وقالت لها انا «طالعة شوفي لي حاجة شيك» وصرن يقلبن في الملابس حتى رست على طلبها.. فالحياة «شيرنق» ليس في الاكل واللبس وايضا قد تصل حد تبادل الذهب احياناً.
وتقول الطالبة «ق» الداخلية التي اقمت بها تحظر اشياء ربما كانت مباحة في مجمعات اخرى فاللبس الضيق والعاري حتى «البجامات» مكانها الغرفة فقط والا تحاسب الطالبة اذا خرجت بها، وكذلك المتزوجات ممنوعات من الاقامة في هذا المجمع الا في ظروف استثنائية، سألت «ق» عن هذا فقالت الطالبات يفضلن الجلوس مع المتزوجات لان الواحدة تحكي عن حياتها الزوجية بادق تفاصيلها مما يشكل خطراً على مجتمعهن.

كشف حال
كثيراً ما تدخل الطالبات في معارك كلامية تتحول الى ضرب لاسباب عدة كما فعلت «ر» مع «هـ» عندما اعتدت عليها في غرفة المشاهدة واثناء عرض الاخبار علقت «هـ» على التنظيم السياسي الذي تنتمي اليه «ر» بصورة اقرب الى الاساءة فما كان من «ر» إلا وناولتها ضربة على وجهها حتى سال الدم من فمها.
احدى الطالبات ضربت زميلتها عندما قامت بافشاء سرها لحظة نقاش حاد بينهم بسبب دفتر محاضرات لم تترك الزميلة شيئاً لم تقله عن زميلتها والتي على علاقة بشاب ففضحتها امام زميلاتها.

فتيات بلون الابنوس
المشوار الثاني كان لداخلية تكاد ان تكون لوحة سلام فتيات بلون الابنوس غلب وجودهن في المكان مع آخريات من الشمال ففي الاستقبال كانت ذات الوقفة المتفق عليها حتى كدت ان اعود ادراجي لولا توسل احداهن بحجة الزيارة «لنصف ساعة» .. انطلقت عبر درجات السلم في سرعة مع رفيقتي «ن» وقبل ان ندخل الغرفة لاحظت حجم الحرية في اللبس ادركت بان الصورة في هذا المكان ستكون مختلفة عن سابقتها.. ولجنا داخل الغرفة ذات «8» سراير يبدو ان المكان جديد لم اجد صعوبة في الحديث اليهن فكل واحدة عرفتني باسمها مقروناً بمنطقتها مثل «س» «بت مدني» لفت انتباهي باب لاحدى الغرف مكتوب عليه عفواً الوقت للراحة لا يوجد لدينا شاحن ولا «بلكات»، فعلقت «ن» على ذلك بقول: «معليس اصلوا ديل فارزين عيشتهن».

سارقات القلوب
ظاهرة غريبة في تلك الداخلية وهي« سرقة القلوب» اي بمعنى اصبح ان الطالبة تسعى للتعرف على الشاب الذي يرتبط بصديقتها أو زميلتها عاطفياً وتوقعه في شراكها واذا فشلت في ذلك تشوه له صورتها وعلى رأي المثل المصري «العيار الما بيصيب بيدوش».. «ع» عاشت تلك التجربة القاسية مع سارقة من ذلك النوع فبدأت حكايتها مع «س» حين طرقت بابها وهي تطلب منها ان تضع لها الموبايل في الشاحن لتعطل الوصلات بغرفة «ع» التي تركت موبايلها وذهبت فما كان من «س» الا وقامت بتفتيش الموبايل والعثور على رقم «ك» حبيب «ع» وهي تعرفت على اسمه من خلال حديث «ع» عنه وقامت بالاتصال به بحجة ان الرقم خاطيء وبشيء من الانوثة والدلال كانت تنمق كلمات الاعتذار الى ان امضت المكالمة عدة دقائق.. هكذا توطدت العلاقة بين «س» و«ك» الذي غير معاملته مع «ع» وكانت تقص على «س» ذلك التغير و«س» بدورها تحدثها عن علاقتها بشاب جديد وانها على وشك الخطوبة الى ان انقطعت علاقة «ع» بـ«ك» فكان قد ارتبط بـ«س» رسمياً بعد ان طلبها للزواج من اهلها وفي يوم اكتشف «ك» سر العلاقة التي ربطته بـ«س» وكيف تسللت الى قلبه.
عدت من غرفة «ع» بعد ان استمعت لحكايتها التي لم تخل من الدموع.

الحب الزائف
يعشن في شكل شلاليات يتفقن على الخروج لمقابلة من يعدونهن بالحب الزائف من اجل الحصول على «مطائب» الطعام دجاج ورصيد في الموبايل وغيره فهن لا تعرف الضائقة المالية طريقاً الى جيوبهن كما تجدهن يسعين لاقامة علاقات طيبة مع الاساتذة لا تحوم حولها الشبهات.
الطالبات في غرفة «ن» قلن نحن نتحدث اليهن في حذر حتى لا نقع في دائرة الشك التي تحيط بهن.
«ف» طالبة في سنتها الثالثة جربت العيش في سكن خاص مع طالبات شهادة عربية بعد ان جذبتها حياتهن المليئة بالترف في الجامعة ولكن بعد مضي اسابيع فقط بدأ شعور النقص واحساس الدونية يتسلل الى «ف» حين عاشت الفروق المادية التي تبينها الحوالة النقدية لزميلاتها فيتجهن نهاية الشهر صوب الصراف الآلي ثم تعقبه زيارة الى احد المطاعم الفاخرة بينما تكابد «ف» المشوار الى الميناء البري لتستلم حوالتها بضع جنيهات من البص القادم من منطقتها قد لا تكفي لسداد فاتورة وجبة لزميلاتها في تلك المطاعم.
لم تستطع «ف» مجاراتهن فحسمت في نفسها ذلك الصراع وعادت الى عالمها اي بالاصح غرفة «ن».

حمل سفاح
يوم مدون في ذاكرة طالبات الغرفة وهو اليوم الذي ضج فيه هذا المكان بسبب جريمة بشعة اكتشفتها «الخالة» التي تقوم بالنظافة فقد عثرت على طفل حديث الولادة مقتولاً وملقى في سلة المهملات الموضوعة في احدى الاركان وجدته ملفوفاً بكيس نايلون ما ان قامت بفتح الكيس حتى نفذت الرائحة.. وبعد تفتيش تم العثور على الطالبة التي اعترفت بانها حملت سفاحاً وتم اقتيادها خارج المجمع ولم تعد اليه وقالت «ن» ان تلك الحادثة روعت كثيراً من الطالبات بل ان هنالك من خرجن للاقامة مع اقاربهن.

تفاعل الجيران
ساعات الحاجة تجعل طالبات الداخلية يطرقن ابواب الجيران في الحي الذي يقع فيه المجمع خاصة في الازمات مثل انقطاع المياه كالذي دام لاكثر من يوم جعل «ن» ورفيقاتها يطرقن احد الابواب وهن خائفات من ان يغلق الباب في وجههن اذا علم اصحاب المنزل بانهن طالبات داخلية فتحت لهن الباب رب الاسرة فعرفنه بانفسهن وانهن في حاجة الى ماء طلب منهن رب الاسرة بالدخول واخطر زوجته التي قامت باكرامهن واعدت لهن مائدة طعام وحملتهن جزءاً منه وهي ترجوهن بان يزرنها من وقت لآخر.

الانوثة الخشنة
اشارة من تلك الطالبة عبر يديها عبرت بها عن غضبها اردفتها بسيل من العبارات النابية.. المتابع لهذا المشهد يظن بانه حوار بين رجلين.
ابتسمت «م» التي كانت تقودني بعيداً عن الضجيج الى مسرح بتلك الداخلية لتواصل حديثها: «الانوثة الناعمة التي تشاهدينها بالخارج هي غلاف تخلعه العديدات من وجوههن في أول خطوة الى هذه الداخلية.. الكلام والاشارات واللبس وكثير من التصرفات تجعلك تعتقدين انك في مجتمع ذكوري».
وتواصل «م» تأثرت نفسياً بتلك المعايشة غير الايجابية «رغماً عني» وهروباً من هذا الجو المشحون اصطحب نفسي بعيداً الى ركن قصي كما هي جلستنا في هذا المسرح الآن.

ست الودع
الصورة القاتمة والحكايات المؤلمة بددتها الطالبة «فاطمة» التي قامت بصنع قهوة وهي تحاول ان تمارس فيها كل الطقوس.. فاندهشت عندما اخرجت حبات الودع من دولابها.. فتجمعنا حولها نرتشف فنجان القهوة وهي تفسر الودع بعد ان رمت كل واحدة «بياضها».. وبعد احتساء القهوة قرأت لكل واحدة فنجانها.. بعد ذلك انتقل المشهد الى اجواء اخرى رقص وغناء فوجدت ان الغرفة قد امتلأت.
حل الظلام والطقس كان بارداً يعكس التفاصيل فعاد الهدوء الى الغرفة وتركتهن يتجاذبن اطراف الحديث والكل متدثر بغطائه.. فقد سرقني الوقت فخرجت قبل انتهاء الزمن المحدد.

نقلا عن الراي العام
امسح للحصول على الرابط
 0  0  3839
التعليقات ( 0 )
أكثر

للمشاركة والمتابعة

تصميم وتطوير  : قنا لخدمات الويب

Powered by Dimofinf CMS v5.0.0
Copyright© Dimensions Of Information.

جميع الحقوق محفوظة لـ "كفر و وتر" 2019