بطولة سيكافا الثالثة هدية لروح الفقيدين الأخ (عمر فرح سنادة) و العمدة (الفاتح المقبول) في عليائهم
أنا المريخ ..... أنا التاريخ .. رحلة بين طيات السحاب .. إنت وأنا.... وحدنا ... يا بختنا ...
بقلم الفضلي محمود قضى أبناء المريخ شهر أغسطس بكيجالي في مأمورية (وطنية) حققت الأهداف المرسومة لها ، وعادوا يتأبطون كأس البطولة والميداليات الذهبية ، كانت الأجواء بكيجالي ربيعية ، احتجبت فيها الشمس حياءً عندما وضع الفارس الأحمر قدمه على أرضها ، وصارت ترسل أشعتها من وراء الغمام نوراً ورحمة لخلق الله .وتنظر بعين الدفء والرعاية لفرسان المريخ من وراء الحجب ، وتوثقت أواصر الألفة والمحبة والأخوة بين أبناء المريخ في ظل هذا المناخ الصحي الذى تهيأ لهم ، وعادت لهم روح المريخ الذى عرف بها أبناؤه منذ عهد الزين الشفيع وشرفي والزين هيبة و شاخور وصحبهم وتوارثتها الأجيال جيلاً من بعد جيل ، فقد عرف فرسان المريخ بالدفاع عن الشعار بكل الأسلحة المشروعة في ميدان الكرة ، من فنون ومهارات عالية ، وبذل لا ينضب معينه ، وعطاء وحماس مشتعل ، وروح رياضية عالية ، وإيمان بأن البطولات لا تنال إلا في الميدان حسب قوانين اللعبة ، لا يستعينون إلا بالله ولا يرجون النصر إلا منه ، ولا يطلبون البطولات من (ود مقنعة) . هكذا كان ديدن المريخ وأبناؤه ، ومازال حتى اليوم ، وسيستمر بإذن الله إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. ومن يتخذ غير ذلك سبيلاً يعش أبداً بين الحفر.
خاض المريخ مباريات بطولة سيكافا (40) ومستوى الفرقة يرتفع فنياً ونفسياً يوماً من بعد يوم حتي تكلل سعيهم بالفوز بالبطولة عصر يوم الأحد الرابع والعشرون من أغسطس عام ألفين وأربعة عشر من الميلاد.
وعندما تخطى فارس المريخ غريمه الجيش الرواندي وتقدم نحو منصة التتويج ، طافت بخاطره ذكريات لأحداث شبيهة عاشها من قبل ، بدأت من وسط أفريقيا و انتزاعه لقب سيكافا (ون) من الشباب التنزاني في عقر داره عام 1986م، وانتقل به الخاطر لشواطئ الخليج وفوزه بكأس دبي الذهبي أمام الزمالك المصري (أيام عنفوانه) عام 1987م ، وطار به سريعاً لغرب أفريقيا إلى نيجيريا عام 1989م حينما صرع بطلها بندل يونايتد وفاز بكأس الكؤوس الأفريقية ( بطولة الزعيم الأفريقي الخالد مانديلا) ، ورجع به الخاطر للقلعة الحمراء عام 1994م عندما نال بطولة سيكافا (تو) أمام فيلا اليوغندي ، ثم كانت بطولة الشارقة عام 1999م .... وعندما اكتمل شريط الذكريات وقف راكزاً رمحه على الأرض ، متأملاً منصة التتويج وإعدادات مراسم التتويج و تمثل ببيت أمرؤ القيس :
فتوضح فالمقراة لم يعف رسمها .... لما نسجتها من جنوب وشمال
ويقول الشارح من تلامذة القبطان حاج حسن عثمان : عندما عاد الشاعر أمرؤ القيس لديار محبوبته بعد زمان وقف عندها متأملاً ، وعرفها ، فذكر ( توضح) و (المقراة) وهما موضعان بديار المحبوبة، ووجدها كأنها يوم فارقها، فلم يغيرها الزمان .. فالرياح الشمالية تنقل رمالها لموضع ، لتعود الرياح الجنوبية لترجع الرمال لموضعها الأول ، فكانت اليوم كيوم فارقها قبل سنوات وزمان.
ونقول : أن منصات التتويج ومراسم التتويج لم تكن غريبة على فارس المريخ يوم الأحد الماضي بكيجالي ، فهو فارسها وبطلها الذى خبرها ، يعرفها وتعرفه وتعرف أبناؤه .
ثم غرس قوسه في أرض الملعب واتكأ بساعده عليه مردفاً القول بأبيات من مذهبة عنترة العبسي :
هل غادر الشعراء من متردم أم هل عرفت الدار بعد توهم
يا دار عبلة بالجواء تكلمي و عمي صباحاً دار عبلة و اسلمي
فوقفت فيها ناقتي و كأنها فدنٌ لأقضي حاجة المتلوم
و تحل عبلة بالجواء و أهلنا بالحزن فالصمان فالمتثلم
ويقول الشارح من تلامذة ابن البان: يقال أن الكلمة ليست (متردم) بل هي ( مترنم) وهو الصوت الذى تردده بينك وبين نفسك ، ولطول الغياب يناجى الشاعر نفسه هل عرفت الديار ؟ ويستنطق الشاعر ديار المحبوبة لتتكلم وتذكر أيامهما ، ملقياً إليها التحية ..
وفى شرح البيت الثالث نقول : وقف فارس المريخ برهة من الزمان أمام منصة التتويج ب(كيجالي) يلوم البطولات المحمولة جواً على تمنعها عليه وطول غيابها عن دياره.
ونقول : في شرح البيت الرابع أن (الجواء) و (الحزن) و (الصمان) و (المتثلم) هي أماكن بديار عبلة عنترة ، أما عبلة فارس المريخ فهي (البطولة المحمولة جواً) .. و(الجواء) التي حلت بها هي ( كيجالي) بينما (أهلنا) هم ( أهل سودان المريخ ) ...(ألم يذكر القبطان حاج حسن عثمان إنه سودان المريخ ؟) ... والشاعر حينما يذكر أن المحبوبة (المحمولة جواً) قد حلت بكيجالي بينما أهله (أهل سودان المريخ) ب ( الحزن فالصمان فالمتثلم) .. فهي تشير على الترتيب ( للقلعة الحمراء ) ( وإستاد الهلال ..فهم من أهل سودان المريخ) ... وأخيراً ( مطار الخرطوم الدولي )
و نعيد القول : أن منصات التتويج ومراسم التتويج لم تكن غريبة على فارس المريخ يوم الأحد الماضي بكيجالي، فهو فارسها وبطلها الذى خبرها ، يعرفها وتعرفه وتعرف أبناؤه .
قطف فرسان المريخ ثمرة البطولة ، واحتفت كيجالي بالمريخ ... وأبدع أنصار رايون والبوليس الرواندي في الاحتفال بنصر المريخ على غريمهم الجيش الرواندي .. وسيروا المسيرات تماماً كما فعل القوم عشية فقد المريخ بطولة سيكافا أمام البيرة الكيني بالخرطوم عام 1985م . ولا تثريب عليهم هنا وهناك ، والسبب معروف.
حان زمان زفاف الكأس جواً للقلعة الحمراء ، وغابت الخطوط الجوية السودانية لأسباب قاهرة ، وكانت الرحلة بالكينية ، وتعثرت الرحلة مرة وأخرى وثالثة ، وذلك لعدم معرفة الطيار الكيني بالمسارات الجوية الصحيحة للرحلات التي تحمل كاسات محمولة جواً ... وأخيراً أدركنا إبن الراحل الكابتن سامى عزالدين بإحداثيات المسارات الصحيحة المخصصة لرحلات الطائرات حاملة الكاسات المحمولة جواً من دفاتر مذكرات عمه الكابتن بالخطوط الجوية السودانية ... وهنا رواية تروى ...
فقد ذكر الأمر الشاعر سيد عبد العزيز في قصيدته (رحلة في طيارة) التي لحنها وتغني بها ابن المريخ الموسيقار والفنان (إبراهيم الكاشف) بإشارات مبهمة وبعيدة لا تخفى عن الفطن ، بينما يتقيد البليد بالمعنى القريب .
قال الشاعر :
يا حبيبي قلبي حاب ... رحلة بين طيات السحاب ... وحدنا أنت وأنا
يقول الشارح الفطن : في ذلك إشارة للرحلة الجوية التي تحمل الأبطال والكاس المحمولة جواً وحدهم بعيداً عن العزول والزبون. ( ونشير هنا أن هذا الأمر هو السائد في كل أنحاء العالم ، ولكن لكل قاعدة شواذ ، وكسرت هذه القاعدة مرة واحدة عندما عادت طائرة الخطوط الجوية السودانية عام 1977م من جوبا حاملة المريخ متأبطاً كاس البطولة وبرفقتهما الزبون !!)... كما يمكن أن يقال أن التشوف والتشوق لهذه الرحلة يكون للذي خبرها من قبل ، وكذلك للذي لم يخبرها ومحروم منها.
ويصل الشاعر لمرحلة يصفها بقوله :
وصلنا جهة معينة... إتخذنا الآفاق رحاب .. وإتخذنا الأنجم صحاب ...
شربنا كاسات الهنا .. دور مننا .. ودور منهم ...
يقول الشارح الفطن : هنا يجب أن نأخذ التفسير العلمي في الحسبان ، فقد أشارت الدراسات العلمية إلي أن الرحلات الجوية التي تحمل (كاسات محمولة جواً) تكون لها مسارات مخصصة في الفضاء البعيد لا تدخلها الطائرات السفرية أو التجارية ... ومن يفعل ذلك يجد له شهاباً رصدا ..
لذلك أشار الشاعر لذلك بالتحديد ( وصلنا جهة معينة) .. إشارة للمسارات المخصصة لرحلات (الكاسات المحمولة جواً) ..
كما أشار في قوله (إتخذنا الآفاق رحاب) إلى أن فرحهم وسرورهم كان غامراً في تلك الآفاق الرحبة.
ثم أشار في قوله (و إتخذنا الأنجم صحاب ) إلى أنهم كانوا في أمن وأمان عن رجم الشهب الحامية لتلك الآفاق ، بل صارت لهم بمنزلة الأصحاب .
ملحوظة : في الجزء الأخير دلالة واضحة تؤيد قول شاعر آخر ( ما أصلوا النجم خلقوه للرجم)
أما قول الشاعر ( دور مننا ودور منهم ) ففيه إشارة إلي أن (دور مننا) هو فرح أهل البطولة بها .. أما (دور منهم) فهو فرح أهل البطولة بما يصدر من ردود أفعال المحرومين من نيل (البطولات المحمولة جواً).
وهنا نكون قد أوضحنا سبب تأخير الطائرة التي لم يكن قائدها يعلم عن أمر إحداثيات المسارات المخصوصة (للكاسات المحمولة جواً) ... ويبدو أنه لم ينل بعد الشهادة الخاصة بتلك الآفاق والتي تدرس في كورس متقدم لكباتن الطائرات ، ويمنح لهم دليل مرفق مع الشهادة عند إكمال الكورس. لنعود للاعبي المريخ عندما وصلوا تلك (الجهة المعينة) .. التي ذكرها أيضاً الشاعر المريخي عبيد عبدالرحمن وتغنى بها أولاد المأمون ( في الفرقدين والزهرة حبيبي ليه ديار ...ما في سما الدنيا ... شيء بعيد عن الطيار) فأفهم يا أخي الإشارة الباطنة في المعني ....
في تلك الآفاق كان شعور لاعبي المريخ والبعثة شعوراً تعجز الكلمات عن وصفه ... لا يعرف ذلك الشعور إلا من ذاقه ... ولتقريب المعني انعكس هذا الشعور على جماهير المريخ الحبيبة التي قضت يوم الاثنين كاملاً في المطار .. واتبعته بالثلاثاء دون كلل أو ملل أو تعب فقد كانوا في مرحلة سمو روحي لا يعرفه إلا أهله .. ولا ندعي أن ذلك المكان العالي في الآفاق ولا تلك المشاعر والأحاسيس حكراً على لاعبي المريخ وجماهيره فقط .. فقد خبرها وتذوقها الأهلي القاهري والزمالك المصري والترجي التونسي وقور ماهيا الكيني والشباب التنزاني ... وجماهيرهم و لا ننسي الرجاء المغربي والوداد المغربي..... ومازيمبي .... وكل من نال (بطولات محمولة جواً) . نكرر بالطبع لا نستطيع وصف هذه المشاعر لمن لم يفز بكأس محمولة جواً .... فهل يعرف حلاوة طعم العنب إلا من ذاقه ؟ أم هل يعلم مرارة الحنظل إلا من تجرعه ؟
وصلت البعثة لمطار الخرطوم (الحبيب) فهو مطار نحبه ويحبنا ..وصلت البعثة حوالى الخامسة مساءً، ولمحاسن الصدف في نفس التوقيت التي وصلت فيه طائرة الخطوط السودانية عام 1977م من جوبا ، ونفس توقيت وصول طائرة الخطوط السودانية من نيجيريا حاملة كاس مانديلا 1989م .!!
كان جمال الوالي والعديد من المسئولين وأقطاب المريخ وجماهيره الوفية في استقبال البعثة ، ونزل لاعبو المريخ يرتدون الزى الأصفر (لون الذهب الذى يسر الناظرين) ..تقلدوا الميداليات الذهبية الصفراء ، وعادوا متدثرين بالزي الأصفر الأنيق (ذهب ... وذهب) وسلم الكابتن الباشا الكأس لرئيس النادي جمال الوالي أمانةً ووفاءً وعرفاناً، فامتزج الجمال بالجمال ، وعندما خرجت الحافلة الذهبية من المطار ، والتحمت بجماهير المريخ الوفية، صمت البيان وامتزجت المشاعر النبيلة للجنيد وصحبه باللاعبين الأبطال ، ولولا تفهم الجماهير للإرهاق الذى ألم باللاعبين من السفريات ، لحملوهم على الأعناق وطافوا بهم شوارع الخرطوم.
أما الذين هزت المحمولة جواً السابعة ثباتهم وجعلتهم يسودوا الصحف بما يظنون انه يبخس من قدر (المحمولة جواً) السابعة فلهم عذرهم ، ونرجو من المجلس الأعلى للصحافة والمنشورات ألا يصدر قراراً عقابياً عليهم، كما نطلب من جهاز الأمن ألا يحقق معهم في أمر تشويههم لبطولة تكتب بإسم (الوطن ) ... أما فيما يخص حقنا نحن أهل المريخ وجماهيره فنقول لمن تجنى علينا ( إذهبوا فأنتم الطلقاء) ...... والسبب معروف .
أخيراً نعود لما بدأنا به مقالنا بأن المريخ كان في مهمة ( وطنية) ... وكيف لا وحب الوطن والعمل بإخلاص لما فيه سعادة أهله هو أرث مريخي ، ولعلك أخي (الفطن) تعلم أن حكومة عبود في عام 1959م قد قامت بناء على معلومات أمنية بإعتقال مجموعة من الوطنيين على رأسهم الزعيم الراحل إسماعيل الأزهري وعدد من صحبه وأرسلتهم لمعتقل تحفظي بجوبا ، وكان من ضمنهم الأب الروحي لنادي المريخ الحاج عبدالرحمن حسن الشاذلي (شاخور) .. وقد قيل بعدها أن اعتقاله كان خطأً ... وأعلم أخي (الفطن) أن الجهات الأمنية لم تخطيء فقد كانت الأوامر صادرة بأن يشمل الإعتقال القيادات ( المهمومة بأمر الوطن) لذلك كان شاخور من ضمنهم ، ولكن فات عليهم أن هدفه وهمه لم يكن في الصراع على الحكم بل كان هدفه وهمه الذى نذر حياته له هو ( إسعاد الجماهير) ...وساهم في دعم هذه المؤسسة العملاقة التي أسعدت جماهير الشعب السوداني قاطبة مرات ومرات ( إلا من آبي) وأتت بكاسات البطولات الجوية عدة مرات بلغت السبع . ... وقد أخبرني من هو بالأمر عليم عن حادثة توضح شعور شاخور الوطني الذى يسمو علي الولاء الضيق بأن حاج عبدالرحمن في صدر التسعينات من القرن الماضي عندما وصل نادى شقيق للدور النهائي لإحدى البطولات الأفريقية ، وعندما رأى ما تحملته الدولة من مجهود وتكاليف من أجل المساعدة لنيل كاس البطولة التي أقيمت المباراة النهائية لها بالوطن ، وإنطلاقاً من مشاعره الوطنية ، ومن أجل إسعاد أبناء الوطن قام الحاج شاخور بإرسال أحد خلصائه بطاقم أحمر على صدره النجمة كبيرة للمسئول عن النادي الشقيق حتي يرتديه لاعبيه لينالوا شرف البطولة (المحمولة جواً) .. (فالسر في النجمة !!!!) ولم يرتدى الأشقاء الطاقم ، وعندما لم يرى الكأس النجمة المعروفة له بالميدان ..طارت البطولة ( المحمولة جواً) من السودان. ولم يعلم حتى الآن إن كان المسئول قد رفض الطاقم الأحمر ... أم أن الرسول لم يبلغ الوصية!!
نهدي بطولة سيكافا الثالثة لروح الفقيدين الأخ (عمر فرح سنادة ) و العمدة ( الفاتح المقبول) في عليائهم.
الفضلى الرياض -27 أغسطس 2014م
خاض المريخ مباريات بطولة سيكافا (40) ومستوى الفرقة يرتفع فنياً ونفسياً يوماً من بعد يوم حتي تكلل سعيهم بالفوز بالبطولة عصر يوم الأحد الرابع والعشرون من أغسطس عام ألفين وأربعة عشر من الميلاد.
وعندما تخطى فارس المريخ غريمه الجيش الرواندي وتقدم نحو منصة التتويج ، طافت بخاطره ذكريات لأحداث شبيهة عاشها من قبل ، بدأت من وسط أفريقيا و انتزاعه لقب سيكافا (ون) من الشباب التنزاني في عقر داره عام 1986م، وانتقل به الخاطر لشواطئ الخليج وفوزه بكأس دبي الذهبي أمام الزمالك المصري (أيام عنفوانه) عام 1987م ، وطار به سريعاً لغرب أفريقيا إلى نيجيريا عام 1989م حينما صرع بطلها بندل يونايتد وفاز بكأس الكؤوس الأفريقية ( بطولة الزعيم الأفريقي الخالد مانديلا) ، ورجع به الخاطر للقلعة الحمراء عام 1994م عندما نال بطولة سيكافا (تو) أمام فيلا اليوغندي ، ثم كانت بطولة الشارقة عام 1999م .... وعندما اكتمل شريط الذكريات وقف راكزاً رمحه على الأرض ، متأملاً منصة التتويج وإعدادات مراسم التتويج و تمثل ببيت أمرؤ القيس :
فتوضح فالمقراة لم يعف رسمها .... لما نسجتها من جنوب وشمال
ويقول الشارح من تلامذة القبطان حاج حسن عثمان : عندما عاد الشاعر أمرؤ القيس لديار محبوبته بعد زمان وقف عندها متأملاً ، وعرفها ، فذكر ( توضح) و (المقراة) وهما موضعان بديار المحبوبة، ووجدها كأنها يوم فارقها، فلم يغيرها الزمان .. فالرياح الشمالية تنقل رمالها لموضع ، لتعود الرياح الجنوبية لترجع الرمال لموضعها الأول ، فكانت اليوم كيوم فارقها قبل سنوات وزمان.
ونقول : أن منصات التتويج ومراسم التتويج لم تكن غريبة على فارس المريخ يوم الأحد الماضي بكيجالي ، فهو فارسها وبطلها الذى خبرها ، يعرفها وتعرفه وتعرف أبناؤه .
ثم غرس قوسه في أرض الملعب واتكأ بساعده عليه مردفاً القول بأبيات من مذهبة عنترة العبسي :
هل غادر الشعراء من متردم أم هل عرفت الدار بعد توهم
يا دار عبلة بالجواء تكلمي و عمي صباحاً دار عبلة و اسلمي
فوقفت فيها ناقتي و كأنها فدنٌ لأقضي حاجة المتلوم
و تحل عبلة بالجواء و أهلنا بالحزن فالصمان فالمتثلم
ويقول الشارح من تلامذة ابن البان: يقال أن الكلمة ليست (متردم) بل هي ( مترنم) وهو الصوت الذى تردده بينك وبين نفسك ، ولطول الغياب يناجى الشاعر نفسه هل عرفت الديار ؟ ويستنطق الشاعر ديار المحبوبة لتتكلم وتذكر أيامهما ، ملقياً إليها التحية ..
وفى شرح البيت الثالث نقول : وقف فارس المريخ برهة من الزمان أمام منصة التتويج ب(كيجالي) يلوم البطولات المحمولة جواً على تمنعها عليه وطول غيابها عن دياره.
ونقول : في شرح البيت الرابع أن (الجواء) و (الحزن) و (الصمان) و (المتثلم) هي أماكن بديار عبلة عنترة ، أما عبلة فارس المريخ فهي (البطولة المحمولة جواً) .. و(الجواء) التي حلت بها هي ( كيجالي) بينما (أهلنا) هم ( أهل سودان المريخ ) ...(ألم يذكر القبطان حاج حسن عثمان إنه سودان المريخ ؟) ... والشاعر حينما يذكر أن المحبوبة (المحمولة جواً) قد حلت بكيجالي بينما أهله (أهل سودان المريخ) ب ( الحزن فالصمان فالمتثلم) .. فهي تشير على الترتيب ( للقلعة الحمراء ) ( وإستاد الهلال ..فهم من أهل سودان المريخ) ... وأخيراً ( مطار الخرطوم الدولي )
و نعيد القول : أن منصات التتويج ومراسم التتويج لم تكن غريبة على فارس المريخ يوم الأحد الماضي بكيجالي، فهو فارسها وبطلها الذى خبرها ، يعرفها وتعرفه وتعرف أبناؤه .
قطف فرسان المريخ ثمرة البطولة ، واحتفت كيجالي بالمريخ ... وأبدع أنصار رايون والبوليس الرواندي في الاحتفال بنصر المريخ على غريمهم الجيش الرواندي .. وسيروا المسيرات تماماً كما فعل القوم عشية فقد المريخ بطولة سيكافا أمام البيرة الكيني بالخرطوم عام 1985م . ولا تثريب عليهم هنا وهناك ، والسبب معروف.
حان زمان زفاف الكأس جواً للقلعة الحمراء ، وغابت الخطوط الجوية السودانية لأسباب قاهرة ، وكانت الرحلة بالكينية ، وتعثرت الرحلة مرة وأخرى وثالثة ، وذلك لعدم معرفة الطيار الكيني بالمسارات الجوية الصحيحة للرحلات التي تحمل كاسات محمولة جواً ... وأخيراً أدركنا إبن الراحل الكابتن سامى عزالدين بإحداثيات المسارات الصحيحة المخصصة لرحلات الطائرات حاملة الكاسات المحمولة جواً من دفاتر مذكرات عمه الكابتن بالخطوط الجوية السودانية ... وهنا رواية تروى ...
فقد ذكر الأمر الشاعر سيد عبد العزيز في قصيدته (رحلة في طيارة) التي لحنها وتغني بها ابن المريخ الموسيقار والفنان (إبراهيم الكاشف) بإشارات مبهمة وبعيدة لا تخفى عن الفطن ، بينما يتقيد البليد بالمعنى القريب .
قال الشاعر :
يا حبيبي قلبي حاب ... رحلة بين طيات السحاب ... وحدنا أنت وأنا
يقول الشارح الفطن : في ذلك إشارة للرحلة الجوية التي تحمل الأبطال والكاس المحمولة جواً وحدهم بعيداً عن العزول والزبون. ( ونشير هنا أن هذا الأمر هو السائد في كل أنحاء العالم ، ولكن لكل قاعدة شواذ ، وكسرت هذه القاعدة مرة واحدة عندما عادت طائرة الخطوط الجوية السودانية عام 1977م من جوبا حاملة المريخ متأبطاً كاس البطولة وبرفقتهما الزبون !!)... كما يمكن أن يقال أن التشوف والتشوق لهذه الرحلة يكون للذي خبرها من قبل ، وكذلك للذي لم يخبرها ومحروم منها.
ويصل الشاعر لمرحلة يصفها بقوله :
وصلنا جهة معينة... إتخذنا الآفاق رحاب .. وإتخذنا الأنجم صحاب ...
شربنا كاسات الهنا .. دور مننا .. ودور منهم ...
يقول الشارح الفطن : هنا يجب أن نأخذ التفسير العلمي في الحسبان ، فقد أشارت الدراسات العلمية إلي أن الرحلات الجوية التي تحمل (كاسات محمولة جواً) تكون لها مسارات مخصصة في الفضاء البعيد لا تدخلها الطائرات السفرية أو التجارية ... ومن يفعل ذلك يجد له شهاباً رصدا ..
لذلك أشار الشاعر لذلك بالتحديد ( وصلنا جهة معينة) .. إشارة للمسارات المخصصة لرحلات (الكاسات المحمولة جواً) ..
كما أشار في قوله (إتخذنا الآفاق رحاب) إلى أن فرحهم وسرورهم كان غامراً في تلك الآفاق الرحبة.
ثم أشار في قوله (و إتخذنا الأنجم صحاب ) إلى أنهم كانوا في أمن وأمان عن رجم الشهب الحامية لتلك الآفاق ، بل صارت لهم بمنزلة الأصحاب .
ملحوظة : في الجزء الأخير دلالة واضحة تؤيد قول شاعر آخر ( ما أصلوا النجم خلقوه للرجم)
أما قول الشاعر ( دور مننا ودور منهم ) ففيه إشارة إلي أن (دور مننا) هو فرح أهل البطولة بها .. أما (دور منهم) فهو فرح أهل البطولة بما يصدر من ردود أفعال المحرومين من نيل (البطولات المحمولة جواً).
وهنا نكون قد أوضحنا سبب تأخير الطائرة التي لم يكن قائدها يعلم عن أمر إحداثيات المسارات المخصوصة (للكاسات المحمولة جواً) ... ويبدو أنه لم ينل بعد الشهادة الخاصة بتلك الآفاق والتي تدرس في كورس متقدم لكباتن الطائرات ، ويمنح لهم دليل مرفق مع الشهادة عند إكمال الكورس. لنعود للاعبي المريخ عندما وصلوا تلك (الجهة المعينة) .. التي ذكرها أيضاً الشاعر المريخي عبيد عبدالرحمن وتغنى بها أولاد المأمون ( في الفرقدين والزهرة حبيبي ليه ديار ...ما في سما الدنيا ... شيء بعيد عن الطيار) فأفهم يا أخي الإشارة الباطنة في المعني ....
في تلك الآفاق كان شعور لاعبي المريخ والبعثة شعوراً تعجز الكلمات عن وصفه ... لا يعرف ذلك الشعور إلا من ذاقه ... ولتقريب المعني انعكس هذا الشعور على جماهير المريخ الحبيبة التي قضت يوم الاثنين كاملاً في المطار .. واتبعته بالثلاثاء دون كلل أو ملل أو تعب فقد كانوا في مرحلة سمو روحي لا يعرفه إلا أهله .. ولا ندعي أن ذلك المكان العالي في الآفاق ولا تلك المشاعر والأحاسيس حكراً على لاعبي المريخ وجماهيره فقط .. فقد خبرها وتذوقها الأهلي القاهري والزمالك المصري والترجي التونسي وقور ماهيا الكيني والشباب التنزاني ... وجماهيرهم و لا ننسي الرجاء المغربي والوداد المغربي..... ومازيمبي .... وكل من نال (بطولات محمولة جواً) . نكرر بالطبع لا نستطيع وصف هذه المشاعر لمن لم يفز بكأس محمولة جواً .... فهل يعرف حلاوة طعم العنب إلا من ذاقه ؟ أم هل يعلم مرارة الحنظل إلا من تجرعه ؟
وصلت البعثة لمطار الخرطوم (الحبيب) فهو مطار نحبه ويحبنا ..وصلت البعثة حوالى الخامسة مساءً، ولمحاسن الصدف في نفس التوقيت التي وصلت فيه طائرة الخطوط السودانية عام 1977م من جوبا ، ونفس توقيت وصول طائرة الخطوط السودانية من نيجيريا حاملة كاس مانديلا 1989م .!!
كان جمال الوالي والعديد من المسئولين وأقطاب المريخ وجماهيره الوفية في استقبال البعثة ، ونزل لاعبو المريخ يرتدون الزى الأصفر (لون الذهب الذى يسر الناظرين) ..تقلدوا الميداليات الذهبية الصفراء ، وعادوا متدثرين بالزي الأصفر الأنيق (ذهب ... وذهب) وسلم الكابتن الباشا الكأس لرئيس النادي جمال الوالي أمانةً ووفاءً وعرفاناً، فامتزج الجمال بالجمال ، وعندما خرجت الحافلة الذهبية من المطار ، والتحمت بجماهير المريخ الوفية، صمت البيان وامتزجت المشاعر النبيلة للجنيد وصحبه باللاعبين الأبطال ، ولولا تفهم الجماهير للإرهاق الذى ألم باللاعبين من السفريات ، لحملوهم على الأعناق وطافوا بهم شوارع الخرطوم.
أما الذين هزت المحمولة جواً السابعة ثباتهم وجعلتهم يسودوا الصحف بما يظنون انه يبخس من قدر (المحمولة جواً) السابعة فلهم عذرهم ، ونرجو من المجلس الأعلى للصحافة والمنشورات ألا يصدر قراراً عقابياً عليهم، كما نطلب من جهاز الأمن ألا يحقق معهم في أمر تشويههم لبطولة تكتب بإسم (الوطن ) ... أما فيما يخص حقنا نحن أهل المريخ وجماهيره فنقول لمن تجنى علينا ( إذهبوا فأنتم الطلقاء) ...... والسبب معروف .
أخيراً نعود لما بدأنا به مقالنا بأن المريخ كان في مهمة ( وطنية) ... وكيف لا وحب الوطن والعمل بإخلاص لما فيه سعادة أهله هو أرث مريخي ، ولعلك أخي (الفطن) تعلم أن حكومة عبود في عام 1959م قد قامت بناء على معلومات أمنية بإعتقال مجموعة من الوطنيين على رأسهم الزعيم الراحل إسماعيل الأزهري وعدد من صحبه وأرسلتهم لمعتقل تحفظي بجوبا ، وكان من ضمنهم الأب الروحي لنادي المريخ الحاج عبدالرحمن حسن الشاذلي (شاخور) .. وقد قيل بعدها أن اعتقاله كان خطأً ... وأعلم أخي (الفطن) أن الجهات الأمنية لم تخطيء فقد كانت الأوامر صادرة بأن يشمل الإعتقال القيادات ( المهمومة بأمر الوطن) لذلك كان شاخور من ضمنهم ، ولكن فات عليهم أن هدفه وهمه لم يكن في الصراع على الحكم بل كان هدفه وهمه الذى نذر حياته له هو ( إسعاد الجماهير) ...وساهم في دعم هذه المؤسسة العملاقة التي أسعدت جماهير الشعب السوداني قاطبة مرات ومرات ( إلا من آبي) وأتت بكاسات البطولات الجوية عدة مرات بلغت السبع . ... وقد أخبرني من هو بالأمر عليم عن حادثة توضح شعور شاخور الوطني الذى يسمو علي الولاء الضيق بأن حاج عبدالرحمن في صدر التسعينات من القرن الماضي عندما وصل نادى شقيق للدور النهائي لإحدى البطولات الأفريقية ، وعندما رأى ما تحملته الدولة من مجهود وتكاليف من أجل المساعدة لنيل كاس البطولة التي أقيمت المباراة النهائية لها بالوطن ، وإنطلاقاً من مشاعره الوطنية ، ومن أجل إسعاد أبناء الوطن قام الحاج شاخور بإرسال أحد خلصائه بطاقم أحمر على صدره النجمة كبيرة للمسئول عن النادي الشقيق حتي يرتديه لاعبيه لينالوا شرف البطولة (المحمولة جواً) .. (فالسر في النجمة !!!!) ولم يرتدى الأشقاء الطاقم ، وعندما لم يرى الكأس النجمة المعروفة له بالميدان ..طارت البطولة ( المحمولة جواً) من السودان. ولم يعلم حتى الآن إن كان المسئول قد رفض الطاقم الأحمر ... أم أن الرسول لم يبلغ الوصية!!
نهدي بطولة سيكافا الثالثة لروح الفقيدين الأخ (عمر فرح سنادة ) و العمدة ( الفاتح المقبول) في عليائهم.
الفضلى الرياض -27 أغسطس 2014م