• ×
الجمعة 19 أبريل 2024 | 04-18-2024

( امدرمان ) أرض الأمان والرايات الخفاقة ... تلك المدينة التي لم يعرفها الجزائريون الا بعد الفاصلة !!!

 احد معارفى الجزائريين بموسكو وهو مولع بكرة القدم ومثقف اعتبر مباراة بلاده مع مصر في ام درمان اهم حدث رياضى للعام المنصرم 2009 وقد ادهشنى عندما قال لى نحن فى الجزائر نكاد لانعرف شيئا عن ام درمان فهل ياترى كانت هذه المدينة السودانية تعرف شيئا عن الجزائر قبل المباراة الشهيره.... وقد اجبته كتابيا بما اعرفه واعتقده بما يشبه المقالة المبسطة لكى ارضيه واشفى غليله وعلى النحو التالى....
أم درمان والخرطوم الصغري والخرطوم بحري يكونون معاً عاصمة السودان القومية ( الخرطوم) التي يلتقي عندها النيلين الأبيض والازرق ومعا نهر النيل العظيم. وتربط هذه المدن الثلاث سلسلة جسور البعض منها تاريخي شيد بدايات القرن العشرين. والنيل الذى يقضى وكما قال قدماء المستكشفين طفولته الباكرة فى اعماق افريقيا وصباه وعنفوان شبابه ورجولته فى السودان وشيخوخته فى مصر هو و منذ فجر التاريخ نهرمقدس في حياة السودانيين فقد تغنوا به وانشدوا الشعر وألفوا الروايات المستوحاة منه ومن ضفافه ووديانه المخضرة والمزدانة بأشجار النخيل و المزدحمة بفراشات زرقاء وبديعة الالوان وسط تغريد الطيور المقيمة والمهاجرة والعابرة لاجواء السودان الشاسعة.
يطلق السودانيون علي الخرطوم (العاصمة المثلثة) أو ( ملتقى النيلين) . ومن بين هذا المثلث فان لمدينة أم درمان مكانة خاصة في قلوب السودانيين فهي بالنسبة لهم العاصمة الوطنية للسودان . فبعد ان حرر الثوار السودانيون عام 1885 بقيادة الأمام المهدى الخرطوم من المستعمر البريطاني ومقتل الحاكم العام الجنرال غردون أعلنوا قيام الدولة السودانية المستقلة وجعلوا من ام درمان عاصمة لها وظل علم الاستقلال مرفرفاً فوق المدينة لمدة 13 عاما وهي حقبة ما يعرف بالاستقلال الأول للسودان . وفي عام 1899 غزت القوات البريطانيةالبلد مرة أخري فى عملية عسكرية سميت(حملة استعادة السودان) وهناك في جبال كررى بضواحي أم درمان دارت المعركة الحاسمة التي خلدها السير ونستون تشرشل في كتابه الذائع الصيت ( حرب النهر او موقعة ام درمان) .
وكان الضابط الشاب آنذاك تشرشل قد دخل ام درمان مع القوات الغازية بصفته ايضا مراسلاً حربيًا لكبريات الصحف اللندنية والتي تصدر الى يومنا هذا ، حيث أشاد في كتاباته ببسالة السودانيين واستبسالهم في الدفاع عن نهرهم العظيم ورايات دولتهم الفتية عند ( بوابات ام درمان)وقد اصبح ذلك الشاب فيما بعد واحدا من اعظم رجال الامبراطورية البريطانية في القرن العشرين .
استعاد السودان للمرة الثانية استقلاله في بداية 1956 وعادت أعلام الحرية لترفرف من جديد ، ليس السودانية فحسب وانما في فترة تاريخية وحساسة اعلام مصر الشقيقة فبعد نكسة 1967 في فترة اعادة بناء قواتها المسلحة انتقلت الكلية الحربية للطيران المصرية الي قاعدة ( وادى سيدنا ) الجوية بضواحي أمدرمان والتى كانت ترابط فيها الطائرات المصرية الجديدة السوفيتية الصنع وكانت الاعلام السودانية والمصرية ترفرف سوية في نفس المنطقة التى وطأت عليها يوما ما أقدام السير ونستون تشرشل .
في أحد الأيام في بداية عام 1960 توجه اللواء محمد طلعت فريد وزير الاعلام والرياضة السوداني الناطق الرسمي بلسان حكومة الفريق ابراهيم عبود آنذاك الي أم درمان لافتتاح منشاة تابعة للمسرح القومى علي ضفاف النيل ، وهناك في خطاب تأريخي له فاجأ الجميع بعبارته المشهورة التي يذكرها جيدا ابناء ذلك الجيل ( يا ديغول .. يارئيس فرنسا .. اسمعني جيدا أنا اللواء طلعت فريد وعسكري مثلك انصحك بالخروج من الجزائر قبل ان تطرد منها) . ونقلت هذا الخطاب اذاعة السودان القومية ( هنا ام درمان) والتي تأسست في نهاية الثلاثينات .
ولقد كانت اذاعة ( هنا ام درمان) تبث عبر الاثير في السودان البلد الشاسع الذي تفوق مساحته 5 اضعاف مساحة فرنسا اخبار الثورة الجزائرية وكان ابناء وبنات السودان يتابعون عن طريقها النضال البطولي للمجاهدين الجزائريين وكانوا يستمعون الي تلك الاخبار وكانهم يحسون بنبض المقاتلين في جبال ووديان وفيافي وقصبات الجزائر .
ونقلت اذاعة ام درمان كذلك في نوفمبر 1961 زيارة الرئيس المصري جمال عبد الناصر للخرطوم والشعارات القوية التي رفعتها الجماهير السودانية لمناصرة المجاهدين الجزائريين .
وفي مدارس ومعاهد أم درمان مثلما بقية السودان كان الطلاب والتلاميذ يحاطون علما بمايجرى في الجزائر المكافحة من اجل الحرية والاستقلال وكانت فرحة عارمة عندما زفت اذاعة السودان القومية من ام درمان في 5 يوليو 1962 نبأ انتصار الثورة الجزائرية وخروج المستعمر واستقلال الجزائر . وفي 1963 انضمت محطة التلفزة القومية السودانية ومقرها ايضا في ام درمان إلى حملة تعريف السودانيين بالجمهورية الجزائرية الوليدة والطريق الشائك الذي سلكته وبالتضحيات الجسام التي قدمها الشعب الجزائري في سبيل العزة والكرامة وذلك من خلال الصورة والافلام الوثائقية .
وهذه المدينة التى يطلق عليها اهلها في حكاياتهم الشعبية ( أم درمان أرض الأمان) تحدثت عنها كذلك مخرجة الافلام الوثائقية الالمانية الذائعة الصيت السيدة ( لينى ريفنشتال ) صاحبة الفيلم الوثائقى الرياضى التاريخى ( اولمبياد برلين 1938). فبعد استقلال السودان 1956 عاشت ريفنشتال فيه بعض الفترات بل واكتسبت الجنسية السودانية وسردت في مذكراتها المشهورة أسواق ام درمان الشعبية وعادات وتقاليد أهلها وكرمهم .
وعليه فقدت شهدت المدينة أحداثاً لاتعد ولاتحصى في تاريخها ولكل حدث منها مسمى . ورياضيا كان 18 نوفمبر 2009 هو يوم( مباراة ام درمان) التاريخية يوم ( الرايات الخفاقة) التى رفرفت فى كل مكان فى العاصمة السودانية رايات الجزائر ومصر والسودان وكلها حبيبة على قلوب السودانيين وكل لها مدلولاتها ومعانيها. والشباب من السودانيين الذين حملوا ورفعوا مع اقرانهم المناصرين الجزائريين في ام درمان رايات الثورة الجزائرية فعلوا ذلك ليس نكاية باحد وانما وبعيدا عن كرة القدم انتهزوا فرصة هذا الحشد الهائل الشعبى والاعلامى للتعبير عن التقدير الاعجاب بالنضال البطولى للشعب الجزائرى من اجل الحرية والاستقلال ومجد افريقيا والعرب وهى المشاعر المكنونة والتى ورثوها من جيل الاباء والاجداد.


د. محمد عبد المطلب ساتي علي موسكو
MUHAMMED1953@yahoo.com
امسح للحصول على الرابط
 1  21  4713
التعليقات ( 1 )
الترتيب بـ
الأحدث
الأقدم
الملائم
  • #1
    خالد محمد أحمد الشايقي 01-02-2010 09:0

    هذا المقال الرصين لم يعرّف السائل من الجزائر فقط بمدينة أمدرمان ولكنه وحسب ظني عرّف كثيراً من السودانيين - وأنا احدهم بكثير من المعلومات التأريخية الهامة عن أمدرمان ، فمن خلاله عرفنا أنّ أم درمان لم تأسر فقط الأستاذ سيف الدين الدسوقي الذي قال في حقها :
    ولذلك حينَ عبرتُ البحر إلى السودانْ

    غنّيتُ سعيداً كالأطفالْ

    ونسيتُ حلاوةَ طعم المالْ

    ورجعتُ أغرّد بالأفياءِ بكل مكانْ

    وركعتُ أقِّبلُ أم درمانْ

    هذى العاصمةُ الأنثى

    أهواها مذ كنتُ غراماً فى عينىْ أمى وأبى

    وحملتُ الحبَّ معى بدمى..

    ولكنها تركت أثرها في نفس الفنانة و المخرجة العالمية ليني ريفنشتال ، وربما كثيرين غيرها ما زلنا نجهلهم . التحية و التقدير لكاتب المقال
أكثر

جديد الأخبار

وافق الهلال علي تحويل نجمه ولاعب منتخب موريتانيا خاديم دياو للاهلي المصري مقابل مليون ونصف المليون دولار الي جانب لاعب اجنبي سيتم قيده في كشف الهلال..

للمشاركة والمتابعة

تصميم وتطوير  : قنا لخدمات الويب

Powered by Dimofinf CMS v5.0.0
Copyright© Dimensions Of Information.

جميع الحقوق محفوظة لـ "كفر و وتر" 2019