• ×
الجمعة 19 أبريل 2024 | 04-18-2024

لماذا ناء وثقل الحمل علي كاهل المغتربين؟

لماذا ناء وثقل الحمل علي كاهل المغتربين؟
الخرطوم - بقلم :محمد البخيت  

لعل من ما يصدم المغتربين أنهم صاروا في فترة زمنية وجيزة كما قال أحد ظرفائهم (زي العنكوليب الممصوص)، وذلك لقلة القوة الشرائية للعملة الصعبة التي كانت في الماضي تعينهم على تحمل أعباء اسرهم الممتدة. فلماذا ناء وثقل الحمل على كاهل المغتربين؟ الحقيقة هي أن النفط لم يكن أول أسباب اصابة إقتصاد بلادنا بالمرض الهولندي وإنما تحويلات المغتربين. فتدفق المال غير الناجم عن نشاط اقتصادي مباشر من أفراد الشعب سواء أكان من تحويلات أبناء الدولة العاملين بالخارج أو من استغلال الموارد الطبيعية (مثل النفط) يؤدي الى خلق طبقة من المـتـنـفذين المستفيدين من الوضع القائم تقاوم الاصلاح مما يؤدي الى ترهل الجهاز الاداري للدولة ويتسبب في اضعاف مؤسساتها. عانت بريطانيا من المرض الهولندي في ثمانينيات القرن العشرين عندما ارتفعت قيمة الجنيه الاسترليني نتيجة لاستغلالها لبترول بحر الشمال مما اضعف من مقدرة صادرات بريطانيا على المنافسة وأدى الى تردي الأوضاع الإقتصادية وعزز من وصم بريطانيا حينها برجل أوروبا المريض. وفي امريكا تجد أن ولايتي ليويزيانا (الغنية بالنفط) وتكساس (الغنية بالموارد الطبيعية) اقل كسبا من حيث مستوى دخل الفرد من ولايات اخرى قليلة الحظ من حيث الموارد الطبيعية. ايضا تجد دول مثل اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان شحيحة الموارد ولكنها تـبـز وتتفوق علي كثير من الدول من ناحية انتاجها الصناعي.
أدى تصدير نفط السودان الى تفاقم المشكلة التي سببها الاستخدام غير العلمي لتحويلات المغتربين وزادها تعقيدا عدم الإستغلال السليم لتدفق الإستثمارات التي حظيت بها الدولة نتيجة لسببين أولهما: الإتمان الذي حظى به السودان نتيجة لتصدير النفط وثانيهما: تدفق المال العربي المقبل من الدول الغربية إتقاء للقيود التي فرضت عليه من جراء احداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م أو الهارب من الخسائر التي منى بها نتيجة للأزمة الإقتصادية العالمية. وأدى ارتفاع سعر صرف العملة السودانية الى انهيار القطاع الصناعي و تشجيع الانماط الاستهلاكية غير المسؤولة وجعل البلاد جاذبة بصورة غير مبررة لبعض العمالة الاجنبية. اما عن القطاع الزراعي فحدث ولا حرج، فترهل جهازي الدولة البيروقراطي (أي المكتبي) والعسكري يجعلها شرهة للاموال، وبالمناسبة اعني بالبيروقراطي اية وظيفة مكتبية (من وزراء، نواب مجالس تشريعية، موظفي الولايات والمحليات ... الخ). وأود من القارئ الكريم ان يقوم بإختبار بسيط ليتحسس مدى تـَخـشـُـب مفاصل اقتصادنا... انظر الى الاعلانات في الصحف: كم تجد من اعلان عن منتج صناعي او زارعي؟ وكم من اعلان صادر من مؤسسات دولة تعتمد على الضرائب؟ كم من اعلان عن خدمات مثل الاتصالات والمشروبات الغازية؟ ألا يكفي هذا دليلا على ان البلاد ليس فيها بالكاد اي نشاط اقتصادي منتج؟ وأرجو تسمحوا لي أن أستطرد قليلاُ لكي أنتقد وضاعة ذوق بعض إعلانات شركات الإتصالات: إذ أن بأحدها صورة لشخص مـغلـبـِـي (كما نقول بالعامية) وآخر صورة لشخص يحتضن كمبيوتر محمول بصورة صبيانية وآخر تلفزيوني يصور شخص يضحك بصورة هستيرية وتمت الناقصة بالحبوبة التي تغني راب... ده كلام ده يا ناس؟!

والحقيقة المـُـرة هي أننا نريد كل مباهج الحياة بالرغم من أننا شعب قليل الإنتاج. ولكي أقرب الى الأذهان أسباب ذهاب ريحنا من ناحية إقتصادية تعالوا معي نأخذ كمثال جزيرة توتي التي تبلغ مساحتها حوالي الخمسة كيلومترات مربعة أي حوالي ألف ومائتين فدان (الفدان يساوي (4200) متر مربع). وبالأخذ في الإعتبار أن متوسط مساحة المزرعة الواحده في أمريكا يبلغ حوالي (418 ) آيكراً وهي وحدة انجليزية تساوي الفدان تقريباُ، نجد أن المساحة الكلية لجزيرة توتي تعادل أقل من مساحة ثلاثة مزارع في أمريكا وبالتالي يمكن أن يتولى زراعتها إقل من ثلاثة مزارعين أمريكان. لاحظ أننا نتحدث عن متوسط مساحة المزرعة لأمريكا كلها، ولو أخذنا ولاية وايومنغ كمثال نجد أن متوسط مساحة المزرعة فيها (2736) فداناً مما يعني أن مزارع أمريكي واحد من ولاية وايومنغ يمكن أن يزرع مساحة أكثر من ضعف مساحة جزيرة توتي.

نعم! فندع التكنولوجيا جانباُ ونكتفي بمساحة المزرعة فقط، ألا يكفي هذا دليلاً على سبب استيرادنا للقمح ؟... والبديهيات تجعل ساستنا لا يحتاجون أن يقرأوا لشيخ الرأسمالية الحديثة آدم إسمث ليعلموا سبب البلاوي الناجمة من كوننا شعب قليل الإنتاج. فالأمريكان ليسوا إلا ببشر من من خلق رب الإرباب ومن استفاد من تجاربهم سوف يطور نفسه. ومن تمسك بالإجتهادات الفقهية التي قد تناقض القاعدة النبوية الأصيلة القائلة بأن الأرض لمن يزرعها قد لا يقدر أن يخرج من متاهات زراعة الإعاشة الى أن يرث الله الأرض ومن عليها. ومعدل إنتاج الشعب السوداني لا يبرر مطلقاُ أن يكون الدولار مساوٍ لثلاثة جنيهات ومحاولات بنك السودان للحفاظ على هذا السعر المصطنع عبر إجراءات تحكمية يعرف مصيرها من قرأ آدم إسمث. وفي انتقاد مهذب لهذه السياسات قال الإقتصادي الفذ عبدالرحيم حمدي في برنامج تلفزيون السودان المسمى (قضايا إقتصادية) ما معناه: «الشعب السوداني ذكي ويعرف كيف يلتف حول مثل هذه الإجراءات وخلونا على الأقل نستفيد من تجربة دولة اليمن السعيد في هذا المجال». وإن جاز لي أن أهمس وأسر بشئ في أذن عبدالرحيم حمدي فإنني اقول: يوم يقدم كل من الإحزاب السودانية عشرة اقتصاديين مماثلين لك في التصدي لأسباب الأمراض الإقتصادية وليست أعراضها فقط... ده اليوم البي يكون فيه درب الشعب السوداني مرق الى دنيا الإنتاج والرفاه الإقتصادي الحقيقي وليس المصطنع. وفقك الله سيد حمدي .

المصدر: صحيفة الرأي العام
امسح للحصول على الرابط
 0  0  2206
التعليقات ( 0 )
أكثر

جديد الأخبار

تعرف على تصنيف نتائج الدورة الثانية للمدربين والاندية للممتاز تصدر المدرب ايمن دامبا مدرب هلال الساحل في الدورة الثانية للممتاز تصنيف وجاءت..

للمشاركة والمتابعة

تصميم وتطوير  : قنا لخدمات الويب

Powered by Dimofinf CMS v5.0.0
Copyright© Dimensions Of Information.

جميع الحقوق محفوظة لـ "كفر و وتر" 2019