• ×
الجمعة 29 مارس 2024 | 03-28-2024

مسرح الرجل الواحد.. كمال شداد نموذجاً

مسرح الرجل الواحد.. كمال شداد نموذجاً
بابكرفيصل بابكر/ 
شغلت الساحة الرياضية في الاسابيع الماضية بقضية استثناء الدكتور كمال شداد حتى يتمكن من خوض انتخابات رئاسة اتحاد كرة القدم لدورة جديدة. وقد تم تناول هذا الموضوع من زوايا عديدة غلب عليها الطابع الجزئي الضيق الذي يحصر النقاش بين أصحاب المواقف المؤيدة والمعارضة للاستثناء. وسأحاول في هذا المقال نقل النقاش خطوة للأمام بحيث يتم النظر للموضوع من منظور ثقافي أشمل لا يحصر القضية في بعدها المرتبط بالرياضة بل يتعدى ذلك للبحث في الصورة الأكبر بوصف القضية تعكس أزمة ثقافية اجتماعية ذات أبعاد متعددة وسأركز الحديث على بعدين مهمين هما بعدا القيادة والقانون في مجتمعنا السوداني.
في العام 1975 قاد الدكتور كمال شدّاد ضمن كوكبة من الرياضيين حملة ضارية ضد الدكتورعبد الحليم محمّد مطالبا أياه بالتنحي واعطاء الفرصة للشباب من أجل تجديد الدماء، والفكر، والوجوه. ومنذ العام 1979 وحتى يومنا هذا ظل الدكتور شدّاد حاضرا في اتحاد كرة القدم رئيسا له الاّ في فترات محدودة شغل فيها المنصب آخرون، فهل سأل نفسه بعد ثلاثين عاما عن مطالبه التي أذاعها على الملأ عندما نادى بتنحي سلفه الدكتور حليم ؟.
على أنّ موقف شدّاد هذا ليس وقفا على الحقل الرياضي فهو يمتد ليشمل حقولاً أخرى منها الحقل السياسي حيث يحيلنا مباشرة لخلاف السيد الصادق المهدي مع الاستاذ محمد احمد المحجوب، حين طالب الاوّل بتنحي الثاني بذات الدعاوى تجديد «الفكر والدماء، والوجوه، ولكنه وبعد أن أبعد المحجوب ظل قابعا في سدّة رئاسة الحزب العتيد لأربعة عقود من الزمان.
كنت قد ناقشت أزمة ديمومة القيادة في رسائل متبادلة مع أحد الأصدقاء في شأن يخص حزباً سياسياً كبيراً وأعتقد أنّ ذات النقاش يصلح للتطبيق على ظاهرة الدكتور كمال شدّاد وكان مما جاء في احدى الرسائل :
(أنت سيد العارفين بحكم خبرتك في مجال الادارة أنه ومنذ نهاية القرن التاسع عشر عندما ظهرت أعمال أحد كبار شيوخ علماء الاقتصاد والاجتماع» ماكس فيبر»- وحينها كانت مفاهيم التنظيم الحديث جديدة - حيث كانت تطغى مفاهيم التنظيم الأبوي على المفاهيم العقلانية وكانت تمثل المصدر الأساسي لمبادىء وأسس التنظيم، هذه المنظمات الأبوية كان على رأسها رمز أبوي فرد يمتلك سلطة مطلقة وهو الوحيد الذي له الحق في مكافأة الأفراد أو عقابهم أو ترقيتهم أو فصلهم من المنظمة كل ذلك بناء على تقديراته الخاصة. هذا الضرب من التنظيم أختفى منذ أكثر من مائة عام ولكنه مازال يسيطر على المشهد الحزبي والجميع مستسلمون له، كل يحاول أن يجد له المبررات منهم من يتعّزى بأنّ هذا هو حال السودان وحال أحزاب السودان ونحن لسنا استثناء من ذلك، ومنهم من يقول علينا بالصبر حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا بانتقال هؤلاء(القادة) الى الرفيق الأعلى ولكن هؤلاء تلجمهم أبيات محمد المكي ابراهيم الشهيرة :
الكوخ المائل لا يهوى
والشجر الذاوي ليس يموت
والناس لهم أعمار الحوت
لقد أبتلينا بقادة لا يموتون الا بعد ان تموت الآمال والأحلام في صدورالناس ولله في خلقه شئون. ومع طول العمر هذا تغيب عن ثقافة العمل العام فكرة التنحي وأدب الاستقالة ويسود نهج أطلقت عليه نهج» الكنكشة» . وعلى ذكر هذا النهج فقد كنت على الدوام أؤكد أنّ اسطورة « نيلسون مانديلا « بالنسبة لي لا تتجلى في صموده لأكثر من سبعة وعشرين عاما داخل سجون النظام العنصري ولا في القدر العالي من التسامح الذي اظهره تجاه الأقلية البيضاء مع ما ارتكبته من فظائع في حق أهله السود وبرغم أهمية ذلك الصمود وهذا التسامح فإنّ عظمة هذا القدّيس تبدو أكثر بريقا ولمعانا في اختياره الطوعي للتنحي عن السلطة و افساح المجال لآخرين، تلك لعمري مزية لا تتوافر إلاّ لأصحاب العزائم وذوي النفوس الكبار، ويا ليت( قادتنا) يستلهمون تلك الدروس من حكيم افريقيا ورمزها الأكبر.)- انتهى.
في ظني أن أزمة القيادة عندنا أزمة متجذرّة في ثقافتنا ويجب أن نبحث في أمرها في بنى المجتمع التحتية وليس في تمظهراته الخارجية علينا أن ننقب في مناهج التربية والتعليم في نظم التنشئة في الأسرة والمدرسة والحي السكني وفي دور» الدين» في حياتنا كل هذه المكونات الثقافية أنتجت لنا ما اصطلحت على تسميته بثقافة « الواحد» الذي يجب اتباعه في كل الأحوال : الأب والمعلم وشيخ الطريقة ورئيس الحزب ورئيس النقابة ( بالمناسبة رئيس اتحاد العمال الحالي ظل قابعا في منصبه منذ مجىء الانقاذ) مثل هكذا ثقافة لا تنجب ديمقراطية ولا تبشّر بحرية وتقدم.
لا يستطيع الدكتور شدّاد المزايدة على الآخرين بتمسكه بالنهج الديموقراطي فهو في سبيل الحفاظ على كرسي الرئاسة ارتضى- مثل غيره في مجالات اخرى- ركوب قطار «حزب المؤتمر الوطني» الذي انقلب على الديموقراطية والمبادىء لا تتجزأ. هو يتمسك بديموقراطية شكلية يحشد لها أنصارا مفتونين بمؤهلاته التي لم يجن من ورائها السودان بطولة أو كأسا. يقولون لك انّ «الدكتور» شخصية عالمية فهو صديق لـ «بلاتر» وخبير بقوانين الفيفا ومتحّدث متمكن من اللغة الانجليزية فهل يستدعي ذلك استثناءه بقرار من وزير الشباب والرياضة ؟
من المؤسف أنّ جوقة الأنصار التي تقدمّت بطلب الاستثناء وأيّدته فيها خبراء رياضة وادارة و محامون وصيادلة و اعلاميون وغيرهم من الذين أذابوا ذواتهم في ذات الدكتور شداد في مشهد عشق صوفي يحسدون عليه وهددوا بتصعيد الموقف لأعلى المستويات وكأنما الأرض ستزلزل زلزالها اذا فارق الدكتور شدّاد منصب الرئيس. كان مؤملا أن يتصدى أحد هؤلاء الأنصار لتولي منصب الرئاسة فالخبرات لا تكتسب وتطوّر الا بتولّي المسئوليات ومن ثم التجربة والخطأ وليتفرّغ الدكتور شداد لمهام أخرى ربما صادف فيها نجاحات تغطي على الفشل الذي صاحب مسيرة الكرة السودانية التي ظل يقودها لعقود من الزمن.
استمعت قبل عدة أعوام لحوار في هيئة الاذاعة البريطانية مع الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون سئل فيه عن أمنية تمنّاها ولم تتحقق فقال في اجابته : تمنيت لو أنّ الدستور الأمريكي كان يسمح بانتخاب الرئيس لفترة رئاسية ثالثة حتى أكمل ما بدأته من برامج وخصوصا برنامج الاصلاح الاقتصادي. ومعلوم أنّ الرئيس كلينتون يعتبر بمقاييس الانجازات الاقتصادية وعلى صعيد العلاقات الخارجية من أنجح الرؤساء الأمريكيين.
الفارق الثقافي هنا يبدو في غاية الوضوح فالرئيس كلينتون يعرف الحدود التي تنتهي فيها الأماني ويبتدىء فيها القانون والدستور فهو - بعكس شدّاد - لم يحشد الحشود ولم يدبّج المذكرات ولم يحاول المزايدة بانجازاته فالقانون والدستور خطوط حمراء غير مسموح بتجاوزها في تلك الثقافة. امّا في مجتمعنا الذي يتخطى فيه سائق السيارة الاشارة الحمراء بكل فخر واعتزاز والذي ينقلب فيه ضابط الجيش على الدستور الذي عهد اليه بحمايته فإنّ التحايل على القانون لا ينظر اليه بوصفه جريمة. أنّ الأزمة ببساطة شديدة هى أزمة ثقافية عميقة لا يقتصر مداها على اتحاد الكرة بل يمتد ليشمل كافة ميادين الحياة.
ولا حول ولا قوة الاّ بالله.

المصدر/ صحيفة الرأي العام
امسح للحصول على الرابط
 3  0  3343
التعليقات ( 3 )
الترتيب بـ
الأحدث
الأقدم
الملائم
  • #1
    محمد حسن 07-22-2010 11:0
    يا أخ بابكر الله يديك الصحة والعافية والله هذه من أجمل المقالات التي إطلعت عليها من كل الهيصة الحاصلة اليومين ديل في هذا الموضوع .. هذا المقال يجب أن ينشر في كل الصحف الرياضية والسياسية والثقافية .. هذه محاضرة قيمة يجب أن تعمم وتكون عنوان لثورة ضد كل العقول الإستاتيكية ضد كل الموهومين الذين يظنون بأنهم خُلقوا لإصلاح الكون وأن أي إنسان غيرهم رعاع وتحت الحضيض .. أمثال هؤلاء نجدهم في كل المجالات وما أكثرهم هذه الأيام.. ربنا يسترنا ..
  • #2
    ود الجعلي 07-21-2010 11:0
    هل تراجعت الدولة عن تطبيق القانون في حق شداد؟؟؟ إنها والله مصيبة أن ترضخ دولة ذات سيادة وتدعي الاحتكام للقانون والديمقراطية للتهديد المستمر منذ عشرات السنين،، وا دولتاه واين حاج ماجد فقد كان الاشرف له أن يستثنى شداد بدل الرضوخ للتهديد !!! ما علينا ..
  • #3
    صلاح يونس 07-21-2010 03:0
    لا شك انه من اكبر مشاكل السودان الان عدم احترام السودانيين للدستور والقانون على مستوى القيادات او الشعب والمباهاة بذلك، مما ادخل البلد في اشكاليات لا حصر لها وسهل التدخلات الاجنبية في البلد، لماذا لا يحترم الناس القانون ولماذا الالتفاف عليه، عدم وجود دستور دائم وملزم للقيادة السياسية والعسكرية وعدم وجود قانون ملزم للشعب نفسه، ادى لظهور المتمردين والخارجون عن القانون وظاهرة الاستعانه بالاجنبي لتحقيق مصالح ذاتية على حساب مصالح الدولة العليا مما ينعكس سلبا على هيبة الدولة وانتشار ثقافة الانانية و ثقافة انا ومن بعدي الطوفان وأن يقال لسارقى المال العام مستفيدون ويشار غليهم بالبنان في المجتمع وهكذا من ثقافات مما ادى لجنوح الناس لثقافة الجهوية و الانفصال و التمرد، نريد قيادات على مستوى الدولة والاحزاب لا تزيد فترة بقاؤها في المنصب أكثر من ولايتين ( الولاية اربع سنوات ) سواء كان منصب حكومي في الدولة أو منصب قيادي في الحزب وأن لا تمدد أكثر من ذلك باى حال حتى يستقيم الامر وينصرف الناس للتنمية والابداع وتفعل صلاحيات القوانيين و تطبق بحذافيرها وان تكون هنالك خطوط حمراء للدولة لا يتجاوزها اى شخص.
       الرد على زائر
    • 3 - 1
      د . عمر حسين 07-22-2010 04:0
      السيد صلاح يونس لقد لخصت حال السودان بإيجاز تام على الجميع احترام القوانيين وان لا يكون هنالك من هو اعلى من القانون
أكثر

جديد الأخبار

..................... .................... في اطار سعيها الجاد في تدعيم اللجان الادارية استطاعت مجموعة التجديد لجماهير نادي الهلال للتربية التي..

للمشاركة والمتابعة

تصميم وتطوير  : قنا لخدمات الويب

Powered by Dimofinf CMS v5.0.0
Copyright© Dimensions Of Information.

جميع الحقوق محفوظة لـ "كفر و وتر" 2019