الهلال رهيد البردي.. وظلال التبلدي
سيد البلد قسمات الوجه البطولي الصارم.. وسحنات الانسان الجميل المسالم ..لابد من إعمال الفكر والذكاء من أجل رتق ما فتقته الفتنة الهوجاء!!!
بقلم/عبد المنعم محمد سيد أحمد
هلال السودان.. هلال هذه الارض الخضراء البكر الواعدة بالخير والرخاء والرفاء.. هلال ا لعزة الشامخ الذي يستمد شموخه من ذراها وقممها الشواهق والراسخ المتجذر الذي تضرب جذوره في أعماق تاريخها الزاخر بالمفاخر والمآثر لا تختلف أحواله عن أحوال سودان عزته. فالهلال سودان مصغر مرتبط بوطنه وأهله إرتباط جسد ووجدان وروح يتداعى جسده منهكاً إذا شكا من أرض السودان جبل أو سهل قرية أو مدينة وتسهر اعضاؤه تتقد من فحيح الحمى وحرارتها اذا ما اشتعلت نيران الحرب في جزء من هذا الوطن الحبيب الغالي.
لذا لم تصبني الدهشة لا ولا الاستغراب عندما شبه حاله ـ اي الهلال ـ أحد أفضل قادته الذين عرفتهم قائلاً إن حال الهلال أشبه ما يكون بحال ولاية النيل الأزرق في حال إشتعال نيران الفتن وإقتتال الأشقاء دونما جريرة أو سبب معقول. وبينما أنا سارح في هذه المقارنة والموازنة العجيبة إذا بهاتف يهاتفني من نيالا وهو صديقي مقدم الشرطة هاشم محمد أحمد وحينما علمت أنه بنيالا إندفعت أسأله في شوق ولهفة لمعرفة أخبار تلك المدينة الساجدة العابدة التي تقضي ليلها قياماً ونهارها صياماً.. فسألته ماذا عن أحوالها؟. وهل لا زالت تنام وتصحو على أصوات حيران خلاويها الذين يحصنون ليلها ويباركون فجرها بآيات الذكر الحكيم؟. وهل لا زالت (تقاباتها) تضيء أطراف المدينة كالثريات؟.. وهل..؟. وهل...؟!.
وعندما رأى اندفاع أسئلتي كسيل جارف بادرني بالسؤال والحيرة تتلبس نبرات صوته الجهوري يا عبد المنعم ألك جذور في نيالا؟. فقلت: لا. فقال مستغرباً: إذن كيف ولماذا هذا الحب الجارف العاصف؟.. فقلت ليس لنيالا وحدها.. بل لكل شبر من ثرى هذا الوطن الحبيب.
وكم كان ألمي قاسياً حينما أخبرني صديقي بأن حالة حظر التجوال لا زالت قائمة وأن المدينة (تنام من مغرباً بدري)!.
وهنا تذكرت الهلال.. وتذكرت تلك الرحلة التي أسكتت أزيز البنادق ودوي المدافع والغت حالة الطواريء وحظر التجوال.. وأحاطت ليل المدينة إلى طرب وصخب وفرح عارم.. كيف لا والهلال بلسم الجراح وموسم الافراح وإبن هذه الأرض التي يسعى من أجل إسعادها حافياً حاسر الرأس.
ولكن هل هي نيالا وحدها التي تهيم حباً وعشقاً بالهلال كما يهيم بها؟.. كلا.. فالهلال له في كل ربوع ونجوع السودان قصة هوى وعشق عظيم فالهلال في كردفان في حل أهلها وترحالهم في رحلتي النشوغ والجزو هو زاد الرحلة التبلدي وفي رهيد البردي والهلال يشرق جبينه وضاحاً عندما تلامس غيمات الخريف المهاجرة جبين التاكا وتوتيل على أرض كسلا الوريفة.
والهلال في أصداء آثار سواكن وفي أصداف بحرها التي تجتر ذكريات ذلكم الماضي الجميل وفي جزر ذلك البحر وحده على أعتاب وعتبات قصر الشناوي والهلال يستبد به الطرب عندما تتهادى النسائم القادمة مع ريح الصبا تحمل ربّا الشمال مع سجع القماري ورنين الطنابير والهلال تغمره النشوى حينما تزهر لوزات القطن فوق ثرى حواشات الجزيرة النضيرة وعندما تفيض تلك الترع بخيرها المترع على القمح والذرة والفول السوداني.
والهلال في عاصمة ثلاثية الأوتاد والعماد هو في صياح الخرطوم وضحاها الضاحي في فخامة صوت بلبلها الغريد سيد خليفة يرحمه الله وهو يردد: يا الخرطوم يا العندي جمالك جنة رضوان. والهلال في بهاء صوت شاديها المتفرد أحمد المصطفى يرحمه الله يزرع شارع الاسبتالية ويغني لحسناوات الخرطوم ثلاثة (ولتومته التي يحلف بي حياتا).
والهلال في اصيل أم درمان الأصيلة يتمدد مع ظلالها عصراً حتى ضفاف نيلها الخالد ويسهر مع مغنيها ليلاً يبارك الأفراح ويصلي فجره حاضراً مع أنصارها الأشاوس ثم يكحل عينيه من ضياء القبة (البتضوي الليل.. وتهدي الناس سلام وأمان).
والهلال في أماسي بحري الجميلة في موالد وموائد ومساجد سادتي الختمية في روعة أداء أولاد شمبات. وفي النبرة الصوفية العميقة في صوت خضر بشير يرحمه الله وفي تاريخ الحلفايا وفارسها جماع الذي إجتمعت عليه قلوب الناس.
نعم هذا هو الهلال مرآة هذا الوطن ترى فيه قسمات ذلك الوجه البطولي الصارم وتنظر فيه سحنات ذلك الانسان الجميل المسالم.
ذلكم هو الهلال الذي يتدثر بكل هذا التاريخ الحافل الحاشد ويكتسي كل هذه الحلل البهية يبتدر اليوم مرحلة جديدة من تاريخه. إذ يعد العدّة لملاقاة الترجي في مربع الأبطال وهذا نزال لا شبيه له لابد من بذل الجهد وإعمال الفكر وتوحيد الصف وجمع الكلمة والعمل الجاد من أجل رتق ما فتقته الفتنة ومحو آثارها، هذه الفتنة التي لا أجد لها وصفاً أفضل من وصف شاعرنا محمد المهدي المجذوب حيث يقول:
ويح قومي أهم بنو الوطن ++ الواحد أم هم عداته الغرباء
فتنة كالحريق تلتهم الآفاق ++ حتى تضيع فيها السماء
نظرت من رمادها فعيون ++ الناس فيها كليلة رمداء
كفى الله السودان وأهله وهلاله شر الفتن ما ظهر منها وما بطن.
آمين...
هلال السودان.. هلال هذه الارض الخضراء البكر الواعدة بالخير والرخاء والرفاء.. هلال ا لعزة الشامخ الذي يستمد شموخه من ذراها وقممها الشواهق والراسخ المتجذر الذي تضرب جذوره في أعماق تاريخها الزاخر بالمفاخر والمآثر لا تختلف أحواله عن أحوال سودان عزته. فالهلال سودان مصغر مرتبط بوطنه وأهله إرتباط جسد ووجدان وروح يتداعى جسده منهكاً إذا شكا من أرض السودان جبل أو سهل قرية أو مدينة وتسهر اعضاؤه تتقد من فحيح الحمى وحرارتها اذا ما اشتعلت نيران الحرب في جزء من هذا الوطن الحبيب الغالي.
لذا لم تصبني الدهشة لا ولا الاستغراب عندما شبه حاله ـ اي الهلال ـ أحد أفضل قادته الذين عرفتهم قائلاً إن حال الهلال أشبه ما يكون بحال ولاية النيل الأزرق في حال إشتعال نيران الفتن وإقتتال الأشقاء دونما جريرة أو سبب معقول. وبينما أنا سارح في هذه المقارنة والموازنة العجيبة إذا بهاتف يهاتفني من نيالا وهو صديقي مقدم الشرطة هاشم محمد أحمد وحينما علمت أنه بنيالا إندفعت أسأله في شوق ولهفة لمعرفة أخبار تلك المدينة الساجدة العابدة التي تقضي ليلها قياماً ونهارها صياماً.. فسألته ماذا عن أحوالها؟. وهل لا زالت تنام وتصحو على أصوات حيران خلاويها الذين يحصنون ليلها ويباركون فجرها بآيات الذكر الحكيم؟. وهل لا زالت (تقاباتها) تضيء أطراف المدينة كالثريات؟.. وهل..؟. وهل...؟!.
وعندما رأى اندفاع أسئلتي كسيل جارف بادرني بالسؤال والحيرة تتلبس نبرات صوته الجهوري يا عبد المنعم ألك جذور في نيالا؟. فقلت: لا. فقال مستغرباً: إذن كيف ولماذا هذا الحب الجارف العاصف؟.. فقلت ليس لنيالا وحدها.. بل لكل شبر من ثرى هذا الوطن الحبيب.
وكم كان ألمي قاسياً حينما أخبرني صديقي بأن حالة حظر التجوال لا زالت قائمة وأن المدينة (تنام من مغرباً بدري)!.
وهنا تذكرت الهلال.. وتذكرت تلك الرحلة التي أسكتت أزيز البنادق ودوي المدافع والغت حالة الطواريء وحظر التجوال.. وأحاطت ليل المدينة إلى طرب وصخب وفرح عارم.. كيف لا والهلال بلسم الجراح وموسم الافراح وإبن هذه الأرض التي يسعى من أجل إسعادها حافياً حاسر الرأس.
ولكن هل هي نيالا وحدها التي تهيم حباً وعشقاً بالهلال كما يهيم بها؟.. كلا.. فالهلال له في كل ربوع ونجوع السودان قصة هوى وعشق عظيم فالهلال في كردفان في حل أهلها وترحالهم في رحلتي النشوغ والجزو هو زاد الرحلة التبلدي وفي رهيد البردي والهلال يشرق جبينه وضاحاً عندما تلامس غيمات الخريف المهاجرة جبين التاكا وتوتيل على أرض كسلا الوريفة.
والهلال في أصداء آثار سواكن وفي أصداف بحرها التي تجتر ذكريات ذلكم الماضي الجميل وفي جزر ذلك البحر وحده على أعتاب وعتبات قصر الشناوي والهلال يستبد به الطرب عندما تتهادى النسائم القادمة مع ريح الصبا تحمل ربّا الشمال مع سجع القماري ورنين الطنابير والهلال تغمره النشوى حينما تزهر لوزات القطن فوق ثرى حواشات الجزيرة النضيرة وعندما تفيض تلك الترع بخيرها المترع على القمح والذرة والفول السوداني.
والهلال في عاصمة ثلاثية الأوتاد والعماد هو في صياح الخرطوم وضحاها الضاحي في فخامة صوت بلبلها الغريد سيد خليفة يرحمه الله وهو يردد: يا الخرطوم يا العندي جمالك جنة رضوان. والهلال في بهاء صوت شاديها المتفرد أحمد المصطفى يرحمه الله يزرع شارع الاسبتالية ويغني لحسناوات الخرطوم ثلاثة (ولتومته التي يحلف بي حياتا).
والهلال في اصيل أم درمان الأصيلة يتمدد مع ظلالها عصراً حتى ضفاف نيلها الخالد ويسهر مع مغنيها ليلاً يبارك الأفراح ويصلي فجره حاضراً مع أنصارها الأشاوس ثم يكحل عينيه من ضياء القبة (البتضوي الليل.. وتهدي الناس سلام وأمان).
والهلال في أماسي بحري الجميلة في موالد وموائد ومساجد سادتي الختمية في روعة أداء أولاد شمبات. وفي النبرة الصوفية العميقة في صوت خضر بشير يرحمه الله وفي تاريخ الحلفايا وفارسها جماع الذي إجتمعت عليه قلوب الناس.
نعم هذا هو الهلال مرآة هذا الوطن ترى فيه قسمات ذلك الوجه البطولي الصارم وتنظر فيه سحنات ذلك الانسان الجميل المسالم.
ذلكم هو الهلال الذي يتدثر بكل هذا التاريخ الحافل الحاشد ويكتسي كل هذه الحلل البهية يبتدر اليوم مرحلة جديدة من تاريخه. إذ يعد العدّة لملاقاة الترجي في مربع الأبطال وهذا نزال لا شبيه له لابد من بذل الجهد وإعمال الفكر وتوحيد الصف وجمع الكلمة والعمل الجاد من أجل رتق ما فتقته الفتنة ومحو آثارها، هذه الفتنة التي لا أجد لها وصفاً أفضل من وصف شاعرنا محمد المهدي المجذوب حيث يقول:
ويح قومي أهم بنو الوطن ++ الواحد أم هم عداته الغرباء
فتنة كالحريق تلتهم الآفاق ++ حتى تضيع فيها السماء
نظرت من رمادها فعيون ++ الناس فيها كليلة رمداء
كفى الله السودان وأهله وهلاله شر الفتن ما ظهر منها وما بطن.
آمين...
