• ×
الخميس 2 مايو 2024 | 05-01-2024

عشرات المليارات أنفقت في إنشاء ملاعب خضراء عادت لتكون مرتعاً للحيوانات الضالة

الناشئين ... ثورة إصلاحية إجتاحت الوسط الرياضي وضلت الطريق

الناشئين ... ثورة إصلاحية إجتاحت الوسط الرياضي وضلت الطريق
تحقيق / ابوعاقلة اماسا / قيادات الهيئة يتم تعيينها من الشباب المؤمنين بأيدولوجية الحكومة في التغيير ولكنها لا تملك الحصانة ضد النقد
الأجزاء الفاسدة المستهدفة بالتغيير ماتزال مستمرة بعد أن تحول الإهتمام من القاعدة إلى القيادة
بدأ إهتمام الحكومة الرسمي بقطاع الناشئين والرياضة بصورة عامة بأهداف (إصلاحية) في المقام الأول، ومضت الإهتمامات الرسمية وفي عاليها ما يؤكد في كل مرة أنها ثورة تصحيحية لمسيرة الرياضية، ومحاربة علانية لموجة الممارسات السالبة التي تسيطر عليها وتعطل مسيرتها، حتى وأنها في بعض الاحيان تبدو وقد اعتادت على تلك الممارسات السالبة لدرجة أن الوسط الرياضي نفسه قد أصبح يتعامل معها على أساس أنها ممارسات عادية، وهي في الواقع مخالفات صريحة للقيم والموروثات الإجتماعية، والتعاليم الدينية التي تعتبر المنبع الأساسي والمرجع الرئيس لتوجهات الحكومة، وبناءً على هذه المفاهيم أجرينا هذا التحقيق وانطلقنا من ذلك الفهم للبحث عن الصحيح والخطأ في ثورة التصحيح التي انطلقت في مجال الناشئين في كرة القدم والرياضة بصفة عامة، وهو مشروع ليس ككل المشروعات التي انطلقت وتلكعت في مسيرتها وتخبطت ما بين النجاح تارة والفشل تارات أخرى، ومن ثم إدمان الفشل والغوص في أوحال ومتاهات بعيدة عن المبدأ والأساس، وإنما كان توجهاً ومجموعة من الشعارات الضخمة التي كلفت خزانة الدولة عشرات المليارات منذ بدايته التي انحصرت داخل ولاية الخرطوم وحتى شملت ما حدث فيها من تطورات امتدت لبقية الولايات، ولكي يجري تقييم واضح لما يجري في هذه الملفات ومحاسبة المقصرين وتحديد المخالفات وضبطها لابد من تأطير الفكرة على النحو الذي تم في المقدمة، ومن ثم وضعها في ميزان المدخلات والمخرجات، بمعنى أن نحدد ما أنفق على المشروع من أموال وحتى من وقت ثمين إقتطعه المسؤولين لمتابعته والمشاركة في فعالياته، ومن ثم مقارنته بالعائد والجدوى لكي يكتمل التقييم والتحقيق.
لا حصانة لإتحادات الناشئين أو هيئاته
صحيح أن القيادات التي يتم تعيينها في العمل بإتحادات الناشئين وهيئات رعاية الناشئين هي في الغالب من الكوادر الشبابية ذات الإلتزام الواضح بأيدولوجيات الحكومة والمؤمنة تماماً بمشروعاتها والمعتمدة كذلك لديها في سجلات الأنصار، وكل ذلك لا يعني أنهم يتمتعون بقدر من الحصانة ضد النقد والمحاسبة وتناول أخطائهم وتقييم ما يقدمون، بالعكس، فإتحاد الناشئين من الهيئات الرياضية التي يجب أن تعمل على أساس شفيف للغاية، طالما أن الامر مرتبط بمشروع إصلاحي وأن الأخطاء والممارسات السالبة المستهدفة بهذا الطوفان كان أمراً مجمع عليه من كافة الرياضيين والتربويين، ومن منطلق أن إدارة هيئات الناشئين لا يجب أن تكون مثل كل الهيئات الرياضية التي طالتها أيدي العبث والفوضى، على الأقل لأنها مؤسسات تربوية في المقام الأول وليست رياضية فحسب، ولكن الأمور هنا قد سارت بالفعل في الإتجاهات المختلفة وباتت القضية متأرجحة ما بين نظام جديد مقترح يبدو أنه قد ضل الطريق إلى أرض الواقع ونظام قديم مسحته أيادي الثوار وعملت على إزالة كل آثاره بدون برنامج واضح.
الأجزاء الفاسدة في قطاع الناشئين
هنالك إجماع غير منقوص حول أهمية قطاع الناشئين وأنه يمثل الأساس للعملية الرياضية، ويتبع ذلك إجماع حول أن هذا القطاع كان ومايزال بحاجة للإصلاح إلى يومنا هذا ابتداءً بالإدارات التي كانت في السابق تستوعب التربويين من معلمين في مرحلة الأساس والمتوسطات والثانوي ومعلمي مادة التربية الرياضية، ولكنها في حقبة تالية قد تحولت إلى مجال للكسب والتربح، وكان عدد من المنسوبين للقطاع الرياضي من غير الموثوق في تصرفاتهم السلوكية يتبنون رعاية وتكوين فرق للناشئين تضم اللاعبين برسوم محددة يدفعها اللاعب من أجل التدريب اليومي والمشاركة في المنافسات التي تقام في الروابط وفي الأحياء، وكانت الحصيلة النهائية مجموعة كبيرة من فرق الأحياء التي لا تلتزم بأية أطر تربوية من ناحية كما أن مردودها الرياضي هزيل من الناحية الأخرى، لذلك كان المستهدف بالإصلاحات هي الممارسة نفسها من حيث الكوادر أو بعضها من الأسماء التي اشتهرت في الأوساط، وبعض عصابات تزوير أعمار اللاعبين والتي نشطت في مجتمعات الناشئين وباتت تسيطر على الامور بصورة واضحة ومكشوفة، كما أن هنالك مدربون ومساعدون لا يملكون أقل المؤهلات التي تساعدهم في العمل في هذا القطاع من كافة النواحي الأكاديمية والتأهيلية والأخلاقية ومع ذلك استمروا في العمل لفترات طويلة دون أن تكون هنالك جهة تقيم عطاءهم وسلوكياتهم وحدد مدى جدواهم وكيفية حسمهم.
نماذج تؤكد إنحراف الممارسة
بدلاً أن تكون فرق وروابط للناشئين عبارة عن مراكز للتكوين تعمل على مستويات عليا في التأهيل البدني والسلوكي كان هنالك أفراد يملكون مجموعة من فرق الروابط التي تستوعب العشرات من اليافعين مستغلين في ذلك حبهم الجارف لكرة القدم، ورغبتهم الجامحة في أن يكونوا في يوم من الأيام نجوماً ساطعة في سماء الساحرة المستديرة، وهم يستغلون ذلك بتوفير معينات التدريب وميادينه لقاء مبالغ مالية تتراوح ما بين جنيه وجنيهين للحصة التدريبية بالنسبة للفرد الواحد، وهذا يعني أن فريقين أو ثلاثة توفر للواحد منهم عشرات الآلاف من الجنيهات بدون أي مجهود واضح، أو حتى فوائد واضحة يمكن أن تفيد الناشيء في مسيرته وتساعده على تحقيق أحلامه في عالم النجوم، وفي نفس الوقت لاتوفر تلك الفرق بيئة صالحة لإنتاج لاعب موهوب يصلح لأن يكون محترفاً لكرة القدم على أي مستوى.. ومع ذلك بقيت هذه النماذج حتى يومنا هذا تعمل بدون أن تشملها موجات التغيير أو حتى تنزل إلى المستويات التي تجعلها معايشة لها ومن ثم معالجتها بما يستحق من إجراءات ونقلها إلى حيث تصبح إيجابية ومواكبة، أو في حالة اليأس إبادتها حتى لا تكون ضارة بالمجتمع طالما أنها لم تكن إيجابية.
إنتهاء حملة تسجيل الملاعب وساحات الناشئين
من الملامح الإيجابية لثورة الناشئين أن رئيس الهيئة السابق أبوهريرة حسين كان قد تبنى خطاً لتسجيل ميادين وملاعب الناشئين داخل الأحياء والفرقان والإستفادة من الحصانة الممنوحة لها بموجب قرار رئيس الجمهورية الذي منع التعدي على ملاعب وساحات الناشئين، وبالفعل استفاد هذا القطاع من تلك الحملة وتم تسجيل العشرات من الملاعب والساحات التي كانت معرضة للنزع والتحويل من قبل المحليات، ولكن النسبة التي تم تسجيلها كانت أقل من المنتظر فتبقت عشرات الملاعب المعرضة للنزع، مع تجاهل تلك المحليات لقرارات رئاسة الجمهورية، ليس إلى ذلك الحد فحسب وإنما تواجه حملات المقاومة لقرارات النزع في الأحياء من قبل الشباب بحملات مضادة من بعض القيادات المحسوبة على الحزب الحاكم والتي لا تجد سبيلاً لكبح جماح المقاومة إلا توجيه إتهامات ملفقة للشباب مثل إنتمائهم للحركة الشعبية أو المؤتمر الشعبي من أجل وضعهم في مواجهة مع سلطات الأمن الوطني ومثال لذلك ما حدث في ملعب أمبده الحاره 12، والذي تم تحويله إلى مدرسة كان مقاولها رئيس المؤتمر الوطني نفسه داخل الحي.
إرتباط الحملة الإصلاحية بالمال
ولعل أهم مافي ثورة الناشئين أنها ارتبطت بعشرات المليارات من الجنيهات التي أنفقت في إنفاذ مشروعات بنيوية بعيداً عن العمل في تطوير الكادر البشري، وبعيداً عن البرامج المكتوبة والمجازة للتنفيذ من جهات سيادية على أساس من الشفافية، فارتبط العمل في الناشئين بالمال أكثر من ارتباطه بأنموذج فكري مقنع، وهو ما يؤكد محدودية قدرة القيادات المعتمد عليها في إنفاذ هذا العمل على التغيير الإيجابي، مع العلم بأن شكل المنافسات السابقة لم يحدث فيها جديد، وأن كل الميارات التي أنفقت في قطاع الناشئين تركزت على مشروعات أخرى مثل الإستادات والمهرجانات ولم تهتم بتأهيل الكادجر البشري العامل في هذا القطاع المهم وتأهيل المدربين وكل من لهم علاقة بالعملية.. وشملت العمليات ترهل في العلاقات وضبابية في البرامج والتنفيذ، وبات الوسط الرياضي يتعامل مع الناشئين على أساس أنه برنامج حكومي فخيم يهتم بالقيادات ويهمل القاعدة.
غياب النظم الإدارية في هيئات الناشئين
ما من ملعب من الملاعب التي أنشئت مؤخراً في قطاع الناشئين إلا وتعرض للإهمال وامتدت إليه أيادي الخراب بعد أن شهد افتتاحها مهرجانات كلفت المليارات، إضافة إلى مليارات كانت عبارة عن ميزانيات إنشائها، ومع ذلك لم يبد أن هنالك خطة واضحة تهدف إلى المحافظة على مستويات تلك الإستادات ومحاولة تطويرها إلى الأفضل.. ليس إلى هذا الحد فحسب، بل تحولت هذه الملاعب من مشروعات لتطوير ورعاية الناشئين والإرتقاء ببيئتهم وصولاً إلى انتاج جيل جديد للكرة السودانية في مقبل الأيام إلى مشروعات استثمار وملاعب تؤجر فقط للفرق والأندية المستطيعة، وبعضها يعمل على مدار اليوم فاستهلكت في حقبة محدودة وعادت كما كانت في البداية أرض جرداء لا أثر لعشب أخضر عليه، وبعضها أصبح من فرط الإهمال مرتعاً خصباً يقدم وجبات شهية للحيوانات الضالة من حمير وأغنام وأبقار، والتي كان حظها أفضل من غيرها لم تجد من يراعي عشبها ويحافظ على نضرتها مع العلم بأن العناية بأعشاب الملاعب يختلف من حيث التقنيات عن العناية بأعشاب الحدائق وكانت النتيجة أن مستويات هذه الملاعب قد تدهورت وتارجعت عما كانت عليها.
هل إنتهت المسؤولية الرسمية عند الإفتتاح
حدثت خلافات كثيرة جداً حول من المسؤول عن إدارة هذه الملاعب، فمثلاً ملعب رابطة المسالمة الذي كان من أعرق روابط أم درمان وأنشطها وأغزرها تفريخاً للاعبين تحول إلى استاد المسالمة أو استاد حي العرب وبعض الإستادات التي أنشئت ضمن ثورة ملاعب الناشئين وكانت من قبل تتبع لروابط المحليات والمناطق، وذلك حول من هو المسؤول عن غدارة تلك الملاعب، واشتد الخلاف والنزاع حول من هو الأحق بعائدات إيجار تلك الملاعب برغم أنها كانت بحاجة إلى ميزانيات تنفق عليها من أجل المحافظة شكلها.. والاهم من ذلك الحديث عن استمرارية الأنشطة التي تقام عليها.. لن الفكرة الأساسية كانت الإرتقاء بقطاع الناشئين وتأهيله من كل النواحي من أجل انتاج جيل قادر على المنافسة في المحافل الدولية، وهو ما لم يتحقق حتى الآن، وقد فقدت الكثير من الروابط التي بنيت ملاعبها وتحولت إلى استادات، وتراجعت الأنشطة التي كانت تقام عليها على مستوى الدوريات العامة والمنافسات العادية التي كانت تجرى على مدار العام، وبدلاً أن تستفيد المناطق من ارتفاع مستويات الملاعب تضررت من التحول الذي حدث.. ولا أحد استطاع الإجابة على الأسئلة الكثيرة التي طرحت في هذا المجال حول ارتباط ثورة الناشئين هذه بالنشاط الفعلي لهذا القطاع.. فهل انتهت مسؤولية الهيئة بإفتتاح الملعب والمهرجان الذي يصاحب ذلك الإفتتاح والزخم الكبير الذي يصاحبه من حضور وتشريف كبار مسؤولي الدولة وغير ذلك أم أن هنالك مسؤوليات أخرى من المفترض أنها تنطلق بعد انتهاء حفل الإفتتاح؟

امسح للحصول على الرابط
 0  0  1715
التعليقات ( 0 )
أكثر

جديد الأخبار

حقق الهلال فوزا غاليا علي الاتحاد بهدفين لهدف بعشرة لاعبين لينرشح لنهايي كاس الملك

للمشاركة والمتابعة

تصميم وتطوير  : قنا لخدمات الويب

Powered by Dimofinf CMS v5.0.0
Copyright© Dimensions Of Information.

جميع الحقوق محفوظة لـ "كفر و وتر" 2019