• ×
الخميس 25 أبريل 2024 | 04-24-2024
صلاح شكوكو

لأولي النهي

صلاح شكوكو

 1  0  1526
صلاح شكوكو
رحم الله الأستاذه عشمانة

اليوم أقف لأكتب كلمة في دفتر الوفاء، لإنسانة عظيمة من جيل العطاء، وهبت حياتها للعطاء وخدمة الناس، فإستحقت الثناء منهم والتقدير والإحترام وإستحقت أن تكون في تلة بيت الشعر الشهير، الذي سما بالمعلم وقدره بين الناس، وذلك حين قال أمير الشعراء :-

قم للمعلم وفه التبجيلا .. كاد المعلم أن يكون رسولا

هي معلمة الأجيال الأستاذه المرحومة ( عشمانه عبد القادر) التي حفظت لمهنة التعليم قدسيتها، وللمعلمة هيبتها، وللعلم مكانته العليّا في الحياة، حيث كانت الأستاذه الراحلة قدوة في حياتها فنالت حب وتقدير كل الذين عرفوها.

زرتها في معية الأخ العزيز (الطيب البلال) قبل أيام خلت وهي طريحة الفراش الأبيض بالمستشفى الدولي بالشعبية جنوب، حيث كانت تعاني من مضاعفات مرض السكر الذي كان قد أدى الى بتر ساقها في أوان مضى، والمدهش أنها في نصبها هذا عرفتني وعرفت في شخصي الأسرة كلها، وهذا ليس بغريب عليها لأنها كانت تعرف الحي كله بحكم أنها عملت بمدرسة الحي، ودرست كل أمهات اليوم، فقد قضت نحو عقدين بمدرسة الحي التي أصبحت تعرف حتى اليوم بمدرسة (عشمانة).

غاردت دنياواتنا بعد أن وضعت بصماتها واضحة على الأجيال التي تخرجت على يديها، فغرست فيهنّ كرائم الصفات، ونبل الطباع وسمو الأخلاق والمثل العليا، وفي ذلك تقول سيرتها العطرة أنها تلقت تعليمها الأولى بودنوباوي بمدرسة السيد عبد الرحمن، ثم كلية المعلمات في عام 1950 إلى 1953، وبعد التخرج من معهد المعلمات عملت بها مدرسة أبوروف الأولية بنات بمرحلة الأساس وذلك لمدة عام واحد، وثم إنتقلت لمدرسة عثمان صالح لمدة أربع سنوات وبعد ذلك لمدرسة ودنوباوي حيث عملت بها مدة خمس سنوات.

رُقيت إلى مرتبة (مديرة) لتنتقل في عام 1964 م إلى مدرسة بحري الشعبية جنوب التي تحول إسمها حاليا لمدرسة (الشيماء بنت الحارث) وقضت بها زهاء الـ(21)عاما، فكانت من أكثر المدارس تميزا ، بل كانت تسجل نسبا عالية في النجاح والتفوق الأكاديمي، حيث إرتبطت بها رباطا وثيقا فعرفت المدرسة بين الناس بإسمها، هذا الإرتباط الوجداني جعلها تنتقل للإقامة بمدينة الخرطوم بحري بحي المزاد حوار مستشفى أحمد قاسم، لتكون قريبة لمدرستها، فكان شعار مدرستها يقول (لن يرجع أحد) في إشارة الى نجاح كل تلميذاتها.

كان ديدنها العمل لذلك علّمت بناتها كيف يكون المرء معطاءا، فظلت مرتبطة بالمدرسة منذ الصباح الباكر لتكون آخر من يغادر ساحة المدرسة ، عمت سيرتها الطيبة كل أرجاء الخرطوم وخارجها، حتى أنها جاءت كعنوان مشرق في خطبة الموت الشهيرة التي ألقاها الأستاذ الراحل (عمر الحاج موسى) في تنصيب النميري رئيسا للجمهورية، إبان الحكم المايوي.

تعتبر رائدة المشاركة الشعبية حول المدرسة، إذ أنها بشخصيتها المحبوبة والمتميزة والمبادرة، إستطاعت أن تجعل للحي مشاركة مؤثرة في الحياة التعليمية، ليصبح العنصر الشعبي جزءا لا يتجزأ من البيئة التعليمية، حيث كانت أول من أنشأ مجلسا للآباء،أشاد به حينها السيد/ مندور المهدي الذي أعجب بالفكرة وعممها في جميع المدارس في ولاية الخرطوم وأطلق عليها إسم (مجالس الآباء والمعلمين) لتعم فكرتها الرائدة المجتمع كله.

ولأنها تعرف القيمة الحقيقة لأن يكون المرء مربيا فقد إختارت لمدرستها رجلا من الزهاد ليقوم بحراسة المدرسة، وليمثل طوقا أمنيا للطالبات فإختارت (عم الشيخ) ليكون الحارس الأمين للمدرسة ومعلماتها وتليذاتها، فقد كان (عم الشيخ) وزوجته (الحاجة فتحية) حالة تربوية خاصة، ترسلهم الى البيوت كرسل خير فيقومان بمقام التربية الحقة وإيصال المعلومة الدقيقة للأسر بالحي، وظل الرجل وزوجته مخلصين لها ولمدرستنا حتى وقت قريب حيث إرتبطا وأسرتهما وجدانيا بالمدرسة، ويصبح سمت مدرستنا مرسوما في قسماتهم، فما أن تلتقى الأستاذه المرحومة أو (عم الشيخ وزوجته) إلا وقد سرى الوقار توطدت الهيبة في دواخلك.

أكرمها أهل حي الشعبية جنوب بعد أن أحيلت للمعاش، فإستقطعوا لها جزءا من نادي الحي لتقيم عليه روضة أسمتها (روضة المرام) ليظل الإسم يرن في جنبات الحي وتظل ذكراها الجميلة تعطر المكان، لتضرب مثالا حيا في التفاني لمهنة التعلم والحي.

لكن ما يحز في النفس أنها لم تجد التكريم اللائق بها وهي على سرير المرض، لتودع دنياواتنا وحيدة تكابد النصب والمرض والإبتلاء، وتغادرنا بصمت بعد أن كان صوتها يجلجل في مناحي مدرستها إرشادا وتقويما وتعليما، لتشيعها دعوات ودموع الآباء والأمهات والطالبات اللائي نهلن من علمها وتأدبنّ بأدبها وتعلقنّ بها،

اللهم ارحم المؤمنين والمؤمنات و المسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات، اللهم أنس وحشتها وارحم غربتها وتجاوز سيئاتها واقبل منها حسناتها، اللهم نقها من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنـس برحمتك يا أرحم الراحمين.. اللهم أجعل قبـرها روضه من رياض الجنـه ولا تجعله حفره من حفـر النار.. اللهم إنها أمتك وأنت خلقتها وأنت قبضت روحها وهديتـها للإسلام وأنت أعلم بسـرها وعلانيتها فأغفـر لـها..اللهم أغفر للمؤمنين والمؤمنات.

اللهم انها في ذمتك وجوارك فقها فتنة القبر وعذاب النار وأنت أهل الوفاء والحق فاغفر له وارحمه إنك أنت الغفور الرحيم.. اللهم انقلها من مواطن الدود وضيق اللحود إلى جنات الخلـود ( في سدر مخضود وطلح منضود وظل ممدود وفاكهة كثيره لا مقطوعة ولا منوعة).
اللهم إنك خير من عفا ورحم من هفا وجفا وغفا، وشفع فينا الحبيب المصطفى واجعلنا ممن صفا ووفا وبالله اكتفى، يا أرحم الراحمين يا حي يا قيوم يا بديع السماوات والأرض يا ذا الجلال والإكرام.
آمين يارب العالمين
-------------------
ملء السنابل تنحني بتواضع ..... والفارغات رؤوسهن شوامخ
-------------------
صلاح محمد عبد الدائم (شكوكو)
shococo@hotmail.com


امسح للحصول على الرابط
بواسطة : صلاح شكوكو
 1  0
التعليقات ( 1 )
الترتيب بـ
الأحدث
الأقدم
الملائم
  • #1
    أحسن زول 02-13-2012 11:0
    لا تعليق أكثر من أنني قرأت السطر الأول فقط من هذا المقال
أكثر

للمشاركة والمتابعة

تصميم وتطوير  : قنا لخدمات الويب

Powered by Dimofinf CMS v5.0.0
Copyright© Dimensions Of Information.

جميع الحقوق محفوظة لـ "كفر و وتر" 2019