• ×
الخميس 25 أبريل 2024 | 04-24-2024
صلاح شكوكو

لأولي النهي

صلاح شكوكو

 0  0  2222
صلاح شكوكو
السماء الأحمر والجن الكلكي

عندما سأل الصحفيون الأمين السياسي للمؤتمر الوطني د/ الحاج آدم يوسف منذ فترة عن زيارة عرمان لإسرائيل، صرّح الرجل بأنهم غير معنيين بهذه الزيارة، وأضاف (إنشاء الله يمشى السماء الأحمر، ما عندنا بيهو شغلة)، نعم بتلك الصورة كتبت إحدى الصحف كلمة (إن شاء الله).

كتبتها متصلة وفي كلمة واحدة، والحقيقة أن هذه الجزئية جد حزينة، لأنها جاءت في صحيفة كبرى من أهم أدوات وصلها بالناس سلامة اللغة، لكننا سنقول أنها تسربت من باب الخطأ الشائع.

ذلك أن عبارة (إن شاء) تختلف عن كلمة (إنشاء) في الصورة والمعنى، أما الصورة، فإن الأولى منهما عبارة عن كلمتين: أولهما أداة الشرط (إن) ثم فعل الشرط (شاء)، والثاني أنها تكتب ككلمة واحدة متصلة (إنشاء) وتعني الإيجاد والابْتِداءِ والخلق.

أما فيما يختص بالمعنى، فإن الأول منهما يكون بغرض تعليق أمر معين على مشيئة الله تعالى، والثاني منهما معناه الخلق والإنشاء من العدم، فيتضح بهذا أن الصحيح كتابتها هو (إن شاء الله)، وأنه من الخطأ الفادح كتابتها ككلمة متصلة وفي كلمة واحدة (إنشاء) لأن الله لايكون محلا للإنشاء، بل هو تعالى منشيء كل شيء في الوجود.

فقد جاء في كتب اللغة.. أن الفعل إنشاء - من أنشأ يُنشئ - ومعناه الإيجاد.. ومنه قول الله تعالى (إنا أنشأنهن إنشاء) - حسب الآية 35 - من سورة الواقعة...أي أوجدناها إيجادا، فمعنى هذا لو كتبنا الكلمة بهذه الطريقة (إنشاء الله).. نكون نعني اننا أوجدنا خالقنا.. تعالى الله علوا كبيرا عن ذلك.. وهذا غيرصحيح، بل لايليق بكينونة الألوهية والربوبية.

ولعل من الواجب ومقتضى الحال، بل من المناسب أن نذكر بعضاً مما ورد بشأن هذه الكلمة، فقد جاءت عند توجيه الله تعالى لنبيه (صلى الله عليه وسلم) إلى هذا النوع من الأدب، في قوله سبحانه:- (وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ).

وفي هذا السياق أستحضر العبارة التي كانت مألوفة عندما كان الناس يتبادلون الرسائل الورقية، فقد كان الناس يعبرون عن شوقهم لبعضهم بعبارة (ولا تنقصنا إلا عدم رؤياكم الغالية) حيث أنهم يريدون أن النقصان في الرؤية فوضعوا كلمة (عدم) ليصبح المعنى معكوسا، حيث كان يقتضي الحال أن يقولوا (ولا تنقصنا إلا رؤياكم)، أما كلمة (السماء الأحمر) و(الجن الكلكي) فأمرها عجيب.

كذلك هناك كلمات ظلت تؤدي معانى إختزالية بأبسط الكلمات حيث كانت عبارة (العاقبة عندكم في المسرات) تلك التي كانت تكتب في (كروت) الدعوة للأفراح، وتعني أن العريس يقبل المال ردا يكافيء ماقدم للآخرين في أفراحهم، بينما كانت عبارة (شكرا) تعني عدم وجود إلتزام مقاصة مالية.

ومن الكلمات التي تُعطي معاني عكس مرادها عبارة (بتكلم ساكت) ، والمقصود بها أن هذا الكلام مجرد لغو، بيد أن السكوت والكلام متضادين جاءا في جملة واحدة، مما يعني أن هناك تناقضا في العبارة، لكنها من الناحية الفلسفية تعني (أن هذا الكلام يشبه السكوت) من شدة فراغه من المضمون.

أما عبارة (قابلته الليلة الصباح) فقد كانت تحيّر أهل الخليج الذين كنا نخالطهم حيث يعني الليل عندهم الليل الزماني، ونحن نقصد بعبارة الليلة معنى اليوم، وهنا لايمكن أن تكون رؤيتنا لشخص معين في الليل ومازلنا في رابعة النهار.

قلت يوما لزميل الإمارتي (أنا اليوم ماشي بني ياس)، وهي منطقة تبعد عن العاصمة (أبوظبي) حوالي 25 كيلو مترا، لكنني رأيت حيرة عند الرجل لم أستطيع تبيان سببها إلا في اليوم التالي حينما سألني (ريليك كيف) ويقصد (كيف حال أرجلك) فقلت له بخير، فقال لي (بني ياس وايد بعيدة إيش لون مشيتها بريولك أمس) فقلت له ذهبت بالسيارة.. لكنه قال لي (وهقتني يوم قلت ماشي) و(الوهقان) تعني الحيرة عندهم.

أيضا حدث أن ذهبت مرة الى مستشفى بالإمارات وهناك شكوت للطبيب من عدم إتزان (دوخة) وكذلك (طُمام)، فما كان من الطبيب المصري إلا أن إتصل بطبيب سوداني مستفسرا عن كلمة (طمام) دون أن يسألني التوضيح، إذ يبدو أن هناك إتفاقا عرفيا بينهم هناك، على تجسير المعني وفق قاموس عام يعين على التفهيم والتبيين، فقلت للطبيب لعلها جاءت من الكلمة القرآنية (الطامة الكبرى)، وهي القيامة- والطامة هي الداهية، وكلُّ ما كَثُرَ وعَلا فقد طَمَّ، ولعلها تعبير عن كثرة العصارات الهضمية.

أما تعبير (الواطا الليلة باردة) فقد كان عبارة تستحوذ على أنتباه غير السودانين في أنهم كانوا يستغربون من كلمة (واطا) والتي هي في الأصل مقتبسة من كلمة (المَوْطَأ - وهو موضع وَطْءِ القدم) وهي الأرض، لكن إختزلاتنا تتطلب قدرا من المعايشة.

أما كلمة (هبش) التي نعنى بها اللمس، فمعناها هو الكسَب والجمَعَ بالإحْتالَ، وكذلك من معاني الكلمة أنها نوعٌ من الضَّرْب، والضرب ربما كان أقرب للملامسة، خاصة أننا نستعملها كثيرا في مجال الكرة، وربما يكون المقصود أنها ضربت أولمست جزء من جسم اللاعب.

لكن الروعة عندنا في كلمة (ألفيته) إي لقيته وهي قرآنية، أما كلمة (النافوخ) التي تُطلق على الجزء الطري في رأس الطفل، فصحيحها هو (اليافوخ)، أما (الشطر) فهو نصف الشيء أوناحيته، أما (معليش) فأصلها (ماعليّ شيء) ،و(بلاش) فأصلها (بلا شيء)، و(الدلكة) مايدلك به الجسم، و(المُعراكة) هي المعاركة والإلحاح في الشيء، و(النقة) هي الصوت، و(النَّقَّاق) هو الضفدع، و(الكوز) هو الكوب الذي له مَقْبِضُ، و(القفة) من الخوص ونحوه تُحمل فيها الأشياء، و(الهَبوبَةُ) هي الريح التي تثير الغَبَرَة، أما إسم (الفكي) فتحوير لكلمة (فقيه) .. وهناك الكثير.

وعلى كل حال لسنا هنا معنيين بإيجاد إحالات أو معاني للمفردات العامية التي نستخدمها في دارجيتنا، التي تزخر بالصحيح، لكن التحوير في اللغة الدارجة أمر دارج في كل مكان، بسبب إختزال المعاني حتى تؤدي رسالتها في أقصر صورة، وهذا شأن شائع في كل اللغات، لكن كتابة كلمة (إن شاء الله) فلا تتحمل ذلك، فأكتبوها بصورتها الصحيحة.
 إنتقد الناس من قبل (جمعة) متحسرين على (المعز) وهاهم اليوم ينتقدون المعز حسرة على (الدعيّع).
 أحدهم سمى ليلة الأمس (جمعة الرحيل).
 حزنت لما سمعت أبواق السيارات تجوب بعض الشوارع.
--------------
ملء السنابل تنحني بتواضع ... والفارغات رؤوسهن شوامخ
--------------
صلاح محمد عبد الدائم (شكوكو)
shococo@hotmail.com





امسح للحصول على الرابط
بواسطة : صلاح شكوكو
 0  0
التعليقات ( 0 )
أكثر

للمشاركة والمتابعة

تصميم وتطوير  : قنا لخدمات الويب

Powered by Dimofinf CMS v5.0.0
Copyright© Dimensions Of Information.

جميع الحقوق محفوظة لـ "كفر و وتر" 2019