• ×
الخميس 25 أبريل 2024 | 04-24-2024
صلاح شكوكو

لاولي النهى

صلاح شكوكو

 0  0  1600
صلاح شكوكو
الوفاء بالوعد
كلما تذكرت زيارتي لأخي الحبيب (صلاح أحمد على) بعد إصابته في قدمة، أستحضر صورتين كانتا مقترنتين بالزيارة، الصورة الأولى كانت محادثة هاتفية من رجل عزيز الى قلبي أحس بأنني أغلب نفسي كلما مر خاطره في خيالي، والعجيب أنه يمر عليّ كثيرا وأحسه طيفا يرفرف حولي، وقد كانت المحادثة حينذاك إعلامية، فقد كان الرجل في الطرف الآخر يخبرني بدنو موعد سفرة للقاهرة.

وحينما علم مُحدثي أنني في تلك اللحظة أعود أخي صلاح لامني على عدم التنسيق معه لهذه الزيارة لأنه كان أحرص الناس على زيارة المرضي ، ثم إستأذنني في الحديث الى الأخ صلاح أحمد علي ووعده بزيارة خاصة له بعد عودته من سفره إن شاء الله.

وكان محدثنا في الطرف الآخر أخي الحبيب الفقيد (عزالدين محمد خير- الصبابي) وما فتيء أخي صلاح يذكرني بتلكم المحادثة كلما جاء ذكره بيننا ، وكيف كان الوعد باللقيا، ليغيب الرجل عن ناظرينا في فراق أبدي كنا نتحسّب أنه فراق جغرافي قصير، وهكذا هي الحياة تكون على محمل ظننا وإستباق إرادة الخالق عز وجل .

والصورة الثانية لرجل من أهل النقاء إلتقيته لأول في تلكم الزيارة وهو في رحاب أخي صلاح ، والرجل عفوي الخاطر، تالفه النفس منذ الوهلة الأولى، يتسرّب الى دواخلك دون مقدمات وبلا إستئذان، لأن كل عبارة يقولها كانت تتأتى صادقة نقية.

وبينما كان عمنا (محمد عبد القوي إسماعيل) ينساب بحديثه العذب، عرفت أن للرجل تاريخ وثيق بالرياضة لا ينفصم، بل هو أحد أقطاب ورواد الحركة الرياضية بمنطقة أم درمان، وأم بده بصفة خاصة، قدم خلال مسيرته الثرة عطاءا وجهدا شهد له القاصي والداني.

ولأن الرجل بهذا الجهد والمراس وهذا العطاء والإيمان العميق بالرياضة ودورها في المجتمع لم يبخل بالغالي والنفيس لدفع الحركة الرياضية في المنطقة كلها وبصفه خاصة ناديه (العلم) وفي سبيل ذلك باع سيارتين كان يملكهما من أجل دفع الحركة الرياضة في المنطقة .

وهذا ديدن الرجال الذين يؤمنون بقضاياهم ويعملون لها، باذلين الجهد والوقت في سبيل تحقيق المرامي الكبرى للرياضة في الوطن، حتى أصبح عنوانا معروفا في المنطقة قاطبة، فما أن جاء ذكره حتى شُيّع بعبارات التقدير والوفاء.

وكان الوفاء الأكبر من الدولة يوم إفتتاح إستاد العزة للناشيئن، ليكون هذا الإفتتاح مناسبة طيبة يفرح لها الرجل ويعتبر نفسه أحد الذين وضعوا لبناته بالبذل والعطاء والمكابدة والجهد المخلص، وكمناسبة أحس فيها بالعزة والإباء.

ولأن جهد الرجل لا يضيع من صفحات التاريخ ، فقد تم إختياره ضمن عشرة رياضيين لتكريمهم على يد السيد رئيس الجمهورة الذي شرف ذلكم الأفتتاح، وفي معيّه والى الخرطوم ولفيف من الوزراء ، حيث كان الحدث في 28/2/2010 .

وتم تسليمه خطابا رسميا بذلك مع تسعة آخرين، وبتوقيع رئيس هيئة البراعم والناشئين بالولاية بأن يُمنح كل فرد من هؤلاء مبلغا من المال، لكن ذلك لم يحدث، وإنتهى الأمر كأن شيئا لم يكن، وقد أجمعَ العلماءُ على أن مَن وعد إنساناً شيئاً ليس بمنهيّ عنه فينبغي أن يفي به .

وعمّنا الحاج (محمد عبد القوي) يسأل عن هذا الأمر بإستحياء، ليس للقيمة المادية التي وعد بها، بل للقيمة المعنوية التي يجملها التكريم، وقد علم أن الوفاء الأكبر هو الوفاء بالإلتزام، وقد قدم الرجل عطاءا كبيرا وكان بعض تقدير له، لتستمر مسيرة العطاء بين الناس .

والسؤال هو .. هل كان الوعد مجرد تطيب للخواطر أم أنه وعد حقيقي يحتمل التنفيذ ؟؟ ومعلوم أن الوفاء بالوعد قيمة عليا في العلاقات الإنسانية بين الناس، حيث تفرض طبيعة الحياة البشرية على الإنسان أن يتبادل الثقة مع الآخرين.

لأن الثقة المتبادلة بين الناس هي الأساس المتين الذي يمكن أن يشيـّد عليها صرح العلاقات الإنسانية، وبدون هذا الأساس فان البنيان بأسره يكون معرضا للإنهيار والسقوط، والحقيقة أن الإخلاص هو أمر ذو قيمة عليا في حياة الناس، فالإنسان الوفي والمخلص له قيمتة في الحياة، ومن المفترض على الإنسان أن يشيع فضيلة الوفاء من خلال إتاحة الفرص للآخرين للتعبير عن إخلاصهم، وبذلك يجعلهم يشعرون بقيمة أكثر تجاه أنفسهم وتجاه الآخرين.

ومن المهم ان تكون الأجهزة الرسمية وفيه في إلتزامها وأن لا تتبدل المواقف لتغيير الأحوال والشخوص، فعندما يقطع المسؤول وعدا يكون ذلك وعدا ملزما للجهة الإعتبارية التي يمثلها ، لتستقيم حركة العطاء ويحس الناس بقيمة ما يفعلون.

والواقع انه لا توجد أية طريقة للعزلة بين الناس أصعب من عدم الإيفاء بالوعد.. خاصة حينما يكون الوعد قرينا بالوفاء على العطاء، لأن هذا الوفاء قد جاء مستبقا الوفاء ومباردة من الذات، وحينما جاء التقدير وفاءا جعل لهذا الوفاء قيمة بين الناس، مما يجعل عدم الوفاء من جانب آخر قتلا لروح العطاء وجذوتها في الناس .

والحقيقة أن أزهى ما عرف به صديقي الرجل (عزالدين الصبابي) هو الوفاء وحرصة على أن يوفيه لأهله ، فقد كان وفيا في علاقاته بالناس ووعده، ومما حيّر الناس بعده أن الأخوة الذين تولوا أمر تصفية مكتبه دعوا كل اصحاب القضايا التي كان يتولاها، وسألوا كل واحد فيهم عن إتفاقه المالي مع المرحوم فلم يجدوا قيمة للمال عنده، لكنهم أجمعوا على أنه كان حريصا جدا على الوفاء بإلتزماته تجاههم.

وأشهد أنني لم أشهد وفاءا كوفاء صديقي الراحل، الذي رحل عن دنياواتنا بهدوء عجيب وترك خلفه آثارا كلما تأملناها أحسسنا أننا فقدنا جزءا عزيزا من ذواتنا، فقد كان دعائه الذى يحرص عليه يقول فيه:- (اللهم أسترنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض) ، له الرحمة والمغفرة ، وقديما قال الشاعر :-

كل شيء في الهوى مستحسن**ما خلا الغدر وإخلاف الوعود

اللهم أجعلنا من الموفين بالوعود والعهود والعقود، وغيض للرجل من يجعل الوفاء قرينا بالعطاء.
..................
ملء السنابل تنحني بتواضع .. والفارغات رؤوسهن شوامخ
..................
صلاح محمد عبد الدائم (شكوكو)
shococo@hotmail.com





امسح للحصول على الرابط
بواسطة : صلاح شكوكو
 0  0
التعليقات ( 0 )
أكثر

للمشاركة والمتابعة

تصميم وتطوير  : قنا لخدمات الويب

Powered by Dimofinf CMS v5.0.0
Copyright© Dimensions Of Information.

جميع الحقوق محفوظة لـ "كفر و وتر" 2019