• ×
الخميس 25 أبريل 2024 | 04-24-2024
صلاح شكوكو

لاولى النهى

صلاح شكوكو

 0  0  1217
صلاح شكوكو
الكلمة كالرصاصة
خبر عابر في صحيفة إجتماعية تهتم بأخبار الحوادث والمعاركات التي تحدث في المجتمع ، أثار الخبر إنتباهي لأن كلمة قتل كانت من بين العناصر المكونة للعنوان .. وربما لأننا جميعا تهزنا كلمة القتل التي تعتبر أكبر إعتداء على النفس التي كرمها الله تعالي .

لكن كلمة قتل وحدها لم تكن هي (الوحدة الجاذبة) في صلب الخبر فقد كانت هناك كلمة تسببت في هذا القتل الشنيع وهي كلمة (ماسورة) هذه الكلمة التي إستحدثها الشارع العام ثم شاعت فيه حتى وصلت الى صلب الإعلام وواجهات الصحف لتنتهي بقاعات القضاء ..حيث كان عنوان الخبر يقول: (الحُكم بإعدام تاجر قتل شاباً وصف بضاعته بالماسورة).

أما متن الخبر فيقول :- (أصدرت إحدى محاكم الجنايات أمس حكماً بالإعدام شنقاً على تاجر موبايلات قتل آخر طعناً داخل السوق جنوبي الخرطوم قبل أشهر، وحسب الاتهام فإن المتهم والمجني عليه يعملان بتجارة الموبايلات، ويوم الحادث جاءت فتاتان لشراء موبايل من المتهم واثناء المساومة على موبايل تدخل المجني عليه ووصف موبايل التاجر بأنه ماسورة وحذر الفتاتين من شرائه ونشبت عراك أفضى الى وفاة المتدخل) -إنتهى الخبر.

والمتأمل للباعث الحقيقي للقتل في هذا الخبر نجد أنه بسبب كلمة واحدة أدت لكل هذه المآلات الخطيرة، ولعل الكلمة مأخوذة من لغة الشارع أو ما يطلق عليه إصطلاحا لغة ( الرندوك) والتي أصبحت متدولة في كثير من الأجهزة الإعلامية المختلفة، وهاهي الآن في مضابط الشرطة حتى وصلت الى قاعة المحكمة لتكون حية في أضابير القضاء حتى النطق بالحكم، ترى هل تحرّج القاضي أمامها لتفنيدها ومعرفة مدى الإستفزاز الذي فيها؟.

والعجيب أننا حذرنا من مجرد أن تكون هذه الكلمة في الصحف الرياضية لأنها تورث قبحا في اللغة المتداولة حتى فوجئنا بها تتأجج من قبل في موضوعات سوق الفاشر، لتدخل عنوة وإقتدارا الى السياسة وتتصدر العناوين وأقوال الناس.

وهاهي مآلتها العجيبة وإسقاطاتها تتسع لتكون سببا للقتل، وما كان للكلمة أن تكون سببا قويا ليموت بسببها شخصان لو لم يكن لها معنى إستفز الآخر ليفضي لهذا الموت الشنيع، إذن من أين أخذت الكلمة هذا المعنى (الحارق) وهذه المداليل البغيضة؟ وما الذي فيها لتحرك كوامن النفس وتدفعها دفعا للثأر؟.

الإجابة ببساطة هي أن الكلمة قد إنزلقت من معناها العام المعروف في عاميتنا السودانية والتي تعني صنبور الماء.. ويمتد المعنى أكثر ليشمل القضيب المعدني المجوف (الخرطوم) الذي ينقل الماء للمنازل كذلك ينسحب المعنى ليشمل مواسير الإسبيتوس مجازا ثم تصبح حمالة للمعاني.

والماسورة أصلا هي الشكل الإسطواني الأجوف الذي يسمح بمرور السوائل عبره.. لذا فإن أهل الرياضة مع أهل الرندوك.. قد أسقطوا الكلمة على اللاعب الذي يُستقدم كمحترف من الخارج، بمبالغ مقدرة وتواكب ذلك ضجة إعلامية كبيرة.. ثم يكون أدائه مخيبا للآمال.

لذا فإن هذا اللاعب من الناحية الفنية يعتبر (إجوفا) وخاليا من المضمون، وبتعبير أخواننا المصريين اخدنا فيه (بمبه) أي مقلب.. لتدخل الكلمة الى مدارج الأجهزة الإعلامية عبر الصحافة الرياضية وتنتهي الى منصات القضاء.

لكن الكلمة تمددت أكثر وضمت تحت جناحيها معان أخر.. حيث دخلت للعامية من باب لغة الشارع (الرندوك) والرندوك لغة تأوليه يقوم الشارع المتحرك بإختراعها أو تطويعها للتعبير الخفي عن بعض الأشياء في صورة أقرب الى التورية.. وسبب الإخفاء أن المعنى أحيانا لا ينسجم مع الذوق العام.

بل تعدت كل ذلك لتكون مفردة وصفية لها دلالة عنيفة وتفضي الى الثار، وحينما تستوى كلمة مع فعل قاتل تكون الكلمة هنا رصاصة لا يستطيع المرء أن يتحسس مداها أو يدرك مآلاتها .

و(الماسورة) بمرونتها في التاويل تنسحب الى معان أخر.. ووصوف تأويلية لا تستقيم مع الخلق القويم.. بل أنها تتعارض تماما حينما يتم إستخدامها للوصف في بعض المواضع التي نربأ عن ذكرها.. لذا فإن الكثيرين ممن يسمعونها للوهلة الأولى يتحرجون أن يجدوها نهارا جهارا على طاولات التداول.

لكن الأغرب ليس التأويل ولا هذه اللغة المتحركة في الشارع.. بل الغرابة أن نجد هذه المفردات في الإعلام عبر بواباته الواسعة، دونما رقيب أو حسيب.. ففي البدء كنا نقرأ هذه المفردات في الصحف الرياضية، وذلك في حمية المناكفات بين الشريكين أقصد (الفريقين الكبيرين) وحسبناها سجالا في اللهو البريء والدعابة والمناكفة.

لكن ذلك يعني أننا لا نقوى على الدفاع عن ثقافتنا بالقدر الكافي ضد التغول العشوائي للكلمات الدخيلة والعارضة، وكيف لكلمات كهذه أن تتغلب على اللغة الرصينة وتفرض نفسها ككلمة وصفية (جارحة) تفضي الى القتل، ولا نجد رادعا في دواخلنا لرفضها؟ بل كيف تتوغل فينا للدرجة التي تثير فينا الكوامن وتؤدي الى إزهاق الأرواح معاركة وقضاءا ؟.
.................
ملء السنابل تنحنى بتواضع ... والفارغات رؤوسهن شوامخ
.................
صلاح محمد عبد الدائم ( شكوكو)
shococo@hotmail.com
امسح للحصول على الرابط
بواسطة : صلاح شكوكو
 0  0
التعليقات ( 0 )
أكثر

للمشاركة والمتابعة

تصميم وتطوير  : قنا لخدمات الويب

Powered by Dimofinf CMS v5.0.0
Copyright© Dimensions Of Information.

جميع الحقوق محفوظة لـ "كفر و وتر" 2019