• ×
الخميس 28 مارس 2024 | 03-27-2024
صلاح شكوكو

لاولى النهى

صلاح شكوكو

 0  0  1198
صلاح شكوكو
صلاح محمد عبد الدائم ( شكوكو)

أبيي حالة خاصة وواقع معاش يمكن أن تتحكم فيه ظروف الجغرافية المكانية طالما أنه في حدود بلد او قطر واحد ن لكن إمكانية أن تتحول الى أزمة لتصبح أزمة حياة وبقاء لقبيلتين هما المسيرية وفرع من فروع الدينكا القاطنة في المنطقة والتي تسمى )نقوك ( أمر وارد بسبب الحد الفاصل الذي يحدد تبعية المنطقة في ظل المتغيرات التي ستطرأ على المكان، لكن الأزمة بدأت حقيقة مع توقيع إتفاقية السلام بين الحكومة المركزية والحركة الشعبية عند ما فكر الطرفان في رسم الحدود الإدارية بين الشمال والجنوب ، بإعتبار أن خيار الإنفصال واحد من الخيارين .

لكن الأزمة على الأرض بدأت من خلال التراشقات السياسية بين شريكي الحكم، والتي وصلت الى حد المشاكسة السياسية لتصبح (ماشاكوس مشاكسة) حقيقية وتطور الصراع حتى وصل الى التدويل ، والتدويل يعني عمليا عدم وجود ارضية مشتركة للإتفاق.

الخلافات السياسية والتدويل في المنطقة أرجع جذور الصراع في منطقة أبيي إلى حدودها وملكيتها، حيث يعتبر الدينكا أن المنطقة تغطي مساحة كبيرة من الأرض في الحدود الخاصة بهم التي تم تحديدها عام 1956، لكن الإدارة الأهلية التي كانت سائدة آنذاك استطاعت أن يقيم علاقة طيبة، وذا جائز في إطار الدولة الواحدة ، لكن يصبح الأمر مشكلة حينما يمر خط الحدود في المنطقة ويجعل خيار تحديدها أمر لابد منه .

ونتيجة للخلافات السياسية التي بدأت إبّان مفاوضات اتفاقية نيفاشا التي تعد من الناحية النظرية هي البداية الحقيقية لتصعيد الخلاف السياسي الذي أدّى للتدويل، أما الجانب العملي فقد بدأ بوصول أندرو ناتسيوس المبعوث الامريكي الخاص إلى السودان في أكتوبر 2007 م لحل الأزمة بين الشريكين التي وصلت إلى حد أن تسحب الحركة الشعبية وزراءها من الحكومة في أكتوبر 2007 م، وحينها تقدم أندرو ناتسيوس بمقترح من خمس نقاط بينها نقطتان بخصوص أبيي تمنح بعثة الأمم المتحدة في السودان حق مراقبة الوضع في أبيي، وأن تعود قوات كل من الطرفين (الحكومة المركزية والحركة الشعبية ) مسافة عشرين كيلومترا من الجانبين، بحيث تصبح المنطقة بينهما الأربعين كيلومترا منزوعة السلاح وتحت مراقبة قوة خاصة من الأمم المتحدة.

وقد كان الاجتماع الرئاسي بين البشير وسلفا كير في 2 نوفمبر 2007 م قد حلّ أربعاً من النقاط الخمس التي تقدم بها ناتسيوس. ورغم أن نتائج الاجتماع لم يُكشف كل تفاصيلها ، لكن مناقشة النقاط ومن ثم عودة وزراء الحركة الشعبية إلى الحكومة، يشير إلى أن هناك إتفاقا وقبولا قد تم في موضوع أبيي ، وتواصل بعد ذلك الصراع بين الشريكين حول تم الترسيم الأولي للمنطقة والذي إنتهى إلى اللجوء لمحكمة التحكيم الدولية التي قررت في يوليو 2009 م تقليص مساحة المنطقة فاقتطعت (%40) من أراضي دينكا نقوك، فتحولت حدود المنطقة من 18500 كلم مربع إلى 10 آلاف كلم مربع، وباتت الحدود الشمالية للمنطقة عند خط العرض 10 درجات،

هذا القرار منح الخرطوم السيطرة المباشرة على الأراضي الواقعة شمال هذا الخط، وهي منطقة هجليج والميرم، وهي أراضٍ غنية بالحقول النفطية، لكن من جانب آخر فإن إستفتاء أبيي يطرح تساؤلاً مهما وهو: هل ستكون هذه القطعة من الأرض في الشمال أم في الجنوب؟ لكن الإجابة على ذلك ليست سهلة، لأن استفتاء أبيي هو مفتاح السلام الدائم للبلاد، فعندما حُرم سكان المنطقة من حق تقرير المصير المنصوص عليه في اتفاق السلام عام 1972 م، تم دفع البلاد مرة أخرى في أتون حرب أهلية.

لكن خلافا جديدا قد طرأ حول أهلية الناخب الذي يحق له المشاركة في الإستفتاء على الرغم من أن قانون الاستفتاء وبروتكول أبيي ضمن اتفاق السلام الشامل ينص على أن الناخبين المؤهلين هم سكان منطقة أبيي، أي أعضاء مجتمع دينكا نقوك والسودانيون الآخرين المقيمين في منطقة أبيي حسب معايير الإقامة التي تحددها المفوضية، وأمّا عن الحدود فبعد مرور عام ونصف على تعريف حدود المنطقة من قبل محكمة التحكيم الدولية، لم يتم إحراز سوى تقدّم طفيف على ترسيم الحدود، وعليه فقد أعلنت الحكومة على لسان مستشار الرئيس نافع علي نافع تأجيل الاستفتاء على مستقبل منطقة أبيي.

لكن قراءة للواقع الجغرافي يمكن ان تعطي مؤشرات على الأرض حيث يملك المسيرية 10 ملايين رأس من الأبقار ترتبط حياتها بالنزوح وراء الماء والرعي في موسم الجفاف إلى الجنوب من بحر العرب، وصولاً إلى تخوم بانتيو، لمدة ستة أشهر من السنة، وقد نصّ بروتكول أبيي على حق قبيلة المسيرية في رعي مواشيها موسمياً بصرف النظر عن نتيجة الاستفتاء، وهو ما أكّد عليه من جديد تحكيم الحدود عام 2009 م.

ولكن المخاوف مازالت موجودة، إذا تم منع هؤلاء الرعاة من التوغل في الحدود الجنوبية وممارسة هذه الرحلة الرعوية بعد الإنفصال ، وهنا ربما يكون خيار المسيرية الوحيد هو الحرب، وهنا يمكن لشرارة الحرب أن تصبح مواجهة تنسف بكل الإتفاقية.

وقد كشفت التقارير الواردة أن قبيلة دينكا نقوك قد حرصت في الفترة الأخيرة على تسليح نفسها بشكل متطور بدون إذن أو موافقة من الحكومة، سواء في الشمال أو الجنوب، لأنهم اصبحوا لا يثقون في دعم الحركة الشعبية، بدليل أنها تخلت عنهم في الاشتباكات التي حدثت بينهم وقبيلة المسيرية عام 2008 م.

لكن إمكانية إندلاع حرب في المنطقة في حال التأخر في الوصول إلى تسوية أمر وارد ولا يمكن الجزم بالسيطرة عليه، ذلك أن الحل يكمن في أن نباعد بين القبيلتين خاصة وأن أرضية الإحتكاك قائمة وأضاف خاصة وأن الحكومة تريد ان تنفرد بالحلول طالما أن السلطة بايديها بينما وصفت الحركة الشعبية مشكلة أبيي بأنها خط أحمر، وقفلوا الأبواب والنوافذ وتشددوا في مواقفهم، بينما يقف الوسيط الأمريكي متراخيا حتى يحدث الإنفصال بإعتبار أن ليهم حسابات خاصة في المنطقة، ويبقى الوضع قابلا للإشتعال في ظل عدم وجود معالجات حكيمة للقضية بين القبيلتين المتداخلتين .

بيد أن الطرفين يناوران حول قضية البترول الذي يصبح معادلة صعبة وقضية أخرى تجعل الطرفين يتمترسان حولها لذا فإن الخطر المؤكد هو إذا لم تعالج بالتراضي قبل الاستفتاء فسيجعل المنطقة نقطة ملتهبة تتمحور حولها دولتان وربما تقضي على كل الجوانب الإيجابية التي تمت من قبل ، فيصبح الصراع حربا بين دولتين خرجت الثانية من رحم امها وبينهما أطول مساحة حدودية تقود الى أشرس أنواع الحروب ، يكررا ما حدث بين أرتيريا وأثيوبيا من قبل.

ولربما يصل الصراع الى أروقة التدويل مرة اخرى أن لم يستطيع الطرفان حلها وهذا ربنا أيسر الخيارات القادمة إذا كان العقل في القيادات قد غلب على المصالح ، خاصة وأن زيارة البشير الأخيرة الى جوبا قد ذوبت الكثير من الإحتقان الذي ظل يلازم القضايا بين الطرفين ، هذه الزيارة الموفقة التي دللت على وعي كبير لدى القيادة السياسية في السودان تجاه مىلات افنفصال الذي تشير معظم إتجاهاته الى أنه لابد واقع .
..........................
صلاح محمد عبد الدائم ( شكوكو)
كاتب وصحفي سوداني مقيم بدولة الإمارات العربية المتحدة .
متخصص في القضايا السياسية والقانونية والرياضية

امسح للحصول على الرابط
بواسطة : صلاح شكوكو
 0  0
التعليقات ( 0 )
أكثر

للمشاركة والمتابعة

تصميم وتطوير  : قنا لخدمات الويب

Powered by Dimofinf CMS v5.0.0
Copyright© Dimensions Of Information.

جميع الحقوق محفوظة لـ "كفر و وتر" 2019