* عندما أشارت عقارب الساعة للسابعة مساء كان الجميع قد تحلقوا حول شاشات قناة أبوظبي الرياضية ..هناك من جلس منذ وقت مبكر يتابع قراءة خالد بيومي وتحامل الزبير بيه عبر الأستديو التحليلي, بينما أنضم آخرون لقطار المشاهدة قبيل إنطلاق صافرة المغربي نواف شكر الله حكم مباراة النجم الساحلي والمريخ السوداني بدقائق معدودة, والأكف ترتفع للسماء متضرعة للمولى عز وجل أن ينعم بنتيجة إيجابية على الفرقة الحمراء ..!
* الكل يحدثك عن إنخفاض درجة الحرارة بسوسة .. النقص المؤثر والظروف التي يعاني منها المريخ والصفوة يضعون أياديهم على قلوبهم مع إنطلاقة المباراة ليحدث بعد حوالي ثلث ساعة فقط سيناريو أسود لم يكن في الحسبان على الإطلاق, فالغيابات تضاعفت والإصابات فتحت فكها لافتراس الفريق الذي يمضي نحو منصة التتويج بعزيمة وثبات ..!
* عندما حدث ذاك السيناريو اللعين وغادر الملعب ضياء الدين ومحمد الرشيد لم أجد ما أقوله سوى دعوة صديقنا الراحل المقيم محمود عبد العزيز (أبقوا الصمود) ..!
* استدعيت (الحوت) ودعوته وأحسب أنها كانت الأنسب وقتها, ولعل معظمكم يعرف أن محمود أحمر الانتماء ومريخي منذ صرخة الميلاد الأولى، ولا يجد أدنى حرج في الإفصاح عن عشقه للزعيم لأنه ليس من نوع الفنانين الذين يخافون خسران مستمع بسبب إعلان هويتهم الرياضية وميولهم الخاصة، ويدرك جيّداً حقيقة أن من يحبك بصدق ويعشق أغنياتك ويتفاعل مع أعمالك ويقتني ألبوماتك لن يضيره إن كنت (مريخابي أو هلالابي)، فمن حقك أن تشجع فريقاً رياضياً ترى أنه الأقرب إلى قلبك، وغير مطلوب منك بالطبع إعلان (مريخيتك) إذا كان كل من يستمعون لك من عشاق الأحمر الوهاج، أو تخرج للرأي العام لتقول للناس انك (هلالي الهوى) لأن إحصائية أكدت لك أن كل من يذوبون فيك وجداً وحباً وتغني من أنصار الموج الأزرق .. ولعمري أن الذين يخشون على انحسار جماهيريتهم جراء إعلان انتماءاتهم الرياضية هم من النوع الذي يقف على أرضيات هشة ولا يمتلكون قواعد جماهيرية مقنعة، وعلى ما يبدو أنهم لا يتكئون على مواهب حقيقية بقدر ما أنهم يخشون انخفاض تيرمومتر التفاعل معهم ويخافون الهبوط لإستنادهم على حائط آيل للسقوط..!!
* تمضي المباراة ويزداد الضغط على المريخ بلا حدود وتجدني أكرر قول محمود (أبقوا الصمود) ..!
* نعم ،كان محمود حاضرا في ذاكرتي وعبارته على شفتي طيلة زمن مباراة الأمس .. ولعل (الحوت) لو كان حياً بيننا لما قال سوى تلك العبارة الساحرة فالراحل كما تعلمون كان مريخياً متعصباً
عندما يدخل أخوان فيصل العجب للملعب فإن تركيزه كله ينصب مع الكتيبة الحمراء.. يُسدد برجله بعفوية كاملة عندما يصوب أحد رماة الأحمر الوهاج قذيفة نحو المرمى .. يتفاعل مع كل هجمة .. يحبس أنفاسه عندما يواجه المريخ ضغطاً من أي فريق من داخل أو خارج السودان .. ينفعل مع من حوله .. يدعى أنه يستطيع حضور معظم مباريات المريخ من داخل الإستاد ولكنه لا يقوى على فعل ذلك في كثير من الأحايين .. وسبق وأن قررنا أكثر من مرة أن ندخل معاً لمشاهدة بعض مباريات المريخ المهمة من داخل (الرد كاسل) ولكنه في اللحظات الأخيرة يفضل رؤية (الماتش) على شاشة التلفزيون، وكأنه لا يريد للجمهور أن يراه في حالة قلق وتوتر وشد وجذب، فقطعة الجلد المنفوخة بالهواء المسماة كرة قدم تفقد الكثيرين وقارهم وتخرجهم عن طورهم رغم محاولاتهم المتكررة في التسربل بأثواب الهدوء حتى لا يرأهم الناس وقد خلعوا أردية الرزانة..!!
* الظروف جميعها تلعب ضدك وخبرة المدرب الشاب ليست بالقدر المطمئن وإن كانت معظم النتائج في صالحه، لذا فكل ما يحتاجه فتية المريخ منا هو الدعوات لهم ومساندتهم حتى يجتازوا عقبة النقص غير المحدود؛ وكل ما نحتاجه من مقاتلينا هو الإرادة والتحدي والبسالة والصمود ..!
* كان المريخ بالأمس صامداً صلباً صلداً
يا عزيزي محمود رغم النقص والغيابات والإصابات والظروف .. كانت الهمة حاضرة والتضحية تجري في الملعب على ساقين والفدائية عنواناً لأداء اللاعبين، فطبيعي أن تبتسم المستديرة لمن شكلوا ترسانة في وجه الهجوم الكثيف، ويحالف الحظ فتية الأحمر الأشاوس في الكرات التي تمر من تحت أقدامهم على مدار الشوطين، وبالطبع لن ننسى فارساً مغواراً
وحارساً أميناً استبسل في سبيل الشعار وزاد عن العرين أسمه علي عبدالله أبو عشرين ..!
* كان أبو عشرين أمس بمائة فارس وبألف مقاتل ومليون حارس ..!
* خسر الزعيم أمام النجم الساحلي بهدف وحيد وكسب حارساً عنيداً..!
* الذين كانوا ينتظرون من المريخ هجوماً
كاسحاً وإندفاعاً كاملاً
وفتح للملعب من كافة أرجائه حالمين يتحدثون عن مباراة لا يعرفون ظروفها وطبيعتها وكيفية التعامل معها فمثل هذه اللقاءات المفصلية لا تدار بالأحلام الوردية فهناك شئ أسمه العقلانية ومدرسة تدعى الواقعية ..!
* إن كانت الواقعية في الأدب والفنون مذهباً معروفاً يعتمد على البعد عن المبالغة والخيال والتجميل والزخرفة ويستند على تصوير الطبيعة والحياة الاجتماعية عارية كما هي في الواقع, فإن الواقعية في كرة القدم تعني وضع كل المعطيات على الطاولة بوضوح شديد مع استصحاب طبيعة المباراة وما ينقصها من غيابات وما يدعمها من مراكز قوى دون إغفال دراسة الخصم ومكان المعركة وما تتطلبه من أرقام واحصاءات وقراءات بالورق والقلم حتى لا تفرط في الأحلام لتخسر كل الحسابات فحينها لا يجدي البكاء على اللبن المسكوب وعض بنان الندم ..!
* كان يامن الزولفاني أمس واقعياً تماماً رغم فقدانه أثنين من أهم عناصر فريفه أحدهما صمام الأمان الذي يمثل العقل المفكر للدفاع والركيزة التي يستند عليها الخط الخلفي, فأمير كمال يلعب بعقله ويستصحب مهاراته ويستنفر كل قدراته وما دخل مباراة كبيرة إلا وأستفاد من خبراته, أما العقرب بكري المدينة فهو يمثل رمانة الفريق وروحها فالفتى صاحب حيوية دافقة وديناميكية كبيرة وحركة لا تنقطع وعزيمة لا تفتر لذا فإن الدفاع يعول دائماً على رجوعه السريع والهجوم يعتمد على قراءاته الصائبة وتمريراته القاتلة وذكائه البديع ..!
* عندما تفقد أثنين من أعمدة فريقك بحجم أمير كمال وبكري المدينة فذاك نقص لا تكمله البدائل مهما أرتفعت إمكانياتهم ولا يسد فراغهما الموجودون على الدكة مهما كانت قدراتهم .
* من الطبيعي أن يزعزع نقص الثنائي الزولفاني والرجل بات على بعد خطوتين من نهائي البطولة الحلم فأجتهد للتعويض وأعتمد على التكتل للخروج بأقل خسارة مع الإعتماد على الهجمات المرتدة لإحراز هدف يغير به مجريات المباراة مرتكزاً في الوقت نفسه على لاعبين لياقتهما الذهنية والبدنية عالية وبإمكانهما أن يشكلا حائط صد للدفاع وقوة دفع للهجوم, ولكن شاءت الأقدار أن يفقدهما معا بسبب الإصابات والمباراة لم يمض من زمنها سوى الجزء اليسير فدخل في دوامة فراغ جديد وارتبكت حساباته وباتت مهمته في الخروج بنتيجة مطمئنة تعد ضرباً من ضروب المستحيل ..!
* دخل الزولفاني مباراة النجم وتجلت معاني (الريليسم) في قراءاته المسبقة ومعالجاته الآنية ولم تخذله كتيبة المحاربين .
* صمدوا بكل ما أؤتوا من قوة وبسالة، وكأنهم يا صديقي الراحل محمود تذكروا جيداً الكلمات التي خطها الشاعر المرهف إبراهيم محمد إبراهيم في رائعتك (خوف الوجع) :
منك طلع خوف الوجع
سيبك بلاش ماتبقي خوف
ابقي الصمود ماتبقي زيف
ابقي احتمال نبض الحروف
ماتبقي خوف ابقي الصمود
* الصمود هو ما كنا نحتاجه أمس؛ والرد كان سريعاً،و(الكسرت في مباراة النجم في تونس تجبر في الخرطوم) ..!
نقش أخير
* ابقوا المباهج والضريح خلونا في (التأهل) نستريح
نعبر (فرق) أعمق خيال نتغني (بالنصر) الصريح
(كأساتنا جاية) ومافي خوف (جاية تتحدى) الظروف
مرسومه في لوحة جمال مرتاحه في القلب الجريح
ماتبقوا خوف ابقـوا الصمود ..!
