كما يقال لا يأتي الموت متأخرا أبداً..!.وكما قال جبران خليل جبران ما زلت أؤمن أن الانسان لا يموت دفعة واحدة وإنما يموت بطريقة الأجزاء كلما رحل صديق مات جزء وكلما غادرنا حبيب مات جزء وكلما قُتل حلم من أحلامنا مات جزء فيأتي الموت الأكبر ليجد كل الأجزاء ميتة فيحملها ويرحل . ويقال أن من أبدع في حياته يموت مبتسماواعتقد أن صديقي الجميل على همشري مات مبتسما!! لأنه أبدع في حياته القصيرة وقد يذهب القارئ بفكره إلى إبداعه الفني والاعلامي والرياضي وهذا صحيح لأن الجميع يعرف همشري الشاعر وهمشري الاعلامي صاحب المفردة الأنيقة والمهذبة ويعرف الكل همشري مهندس الطيران البارع كما لا يجهل الناس همشري رجل الأعمال والقطب الهلالي الذي يعشق الهلال بطريقته المتفردة .... لكن ما لا يعرفه الناس إلا القلة من حياة هذا الشاب الوجيه .... الجانب المخفي من القمر ... الجانب الانساني ...!!
لا شك أن اكثر من سيفتقدون همشري هم بعض الأيتام والفقراء !! نعم همشري كان قريبا من الأيتام وقريبا من المساكين بصورة غريبة تجعلني أقول أنه كان يتوقع قرب أجله !! منذ سنوات وهو يهتم بهؤلاء لدرجة أنه يتصل بي ويسأل عن التأشيرات في قطر وهل هناك فرص عمل لبعض الشباب لدرجة يقول أنه مستعد أن يدفع أي مبلغفي سبيل ذلك وإذا سألته هل هو قريبك يقول لا هل قريب زوجتك يقول لا .. لكن هذا يتيم من ناس الجزيرة وهذا يتيم من الشمالية وقد تخرج حديثا وأريده أن يعمل لكي يتولى هو كفالة إخوته لأرى أنا غيرهم وهذا دليل أنه كانيكفل هذا اليتيم حتى تخرج من الجامعة ..!
العام الماضي عندما اشتد به المرض اتصل بي أكثر من مرة يوصيني بشدة على أحد الأيتام لكي أوصي له في مكتب العمل وأرسل لي البيانات فوجدته أيضا من الاسم لا علاقة له من قريب أو بعيدبهشمري وقد اجتهد المرحوم حتى وفقه الله في إيجاد عمل لهذا الشاب واليوم يعمل في وظيفة محترمة في قطر وأجزم أن دموع هذا الشاب لم تجف حتى الساعة !! وكذلك أمثال هؤلاء في البحرين والسعودية وكلهم اغتربوا بجهود جبارة من علي همشري , بعد أن حكى لى عن اشتداد مرضه العام الماضي سولت لي نفسي أن أطلب منه أسماء الأيتام الذين يعولهم ويتكفل بهم لكنني خشيت عليه أن أجرح قلبه الكبير وأدخل الحزن في نفسه أو أن أحسسه بأنه لن يعيش طويلا ...!!!
في قروب هلال وإعلام من وقت لآخر أقوم بنشر بعض الحالات التي تحتاج لمساعدة ويكون علي همشري أول المساهمين ... لكنه لا يساهم في العام ولا يعرف أحد في القروب أنه ساهم لأنه يتصل بي ويسألني مين حيستلم مني المساهمة ؟! أرسل ليك في الدوحة ولا في الخرطوم ؟! لا يسأل عن أي تفاصيل أخرى عن الحالة غير محتاجين كم وأسلم المبلغ لمين ؟! وأشهد الله أن آخر مساهمة له قبل فترةحيث ساهم في إخراج أحد الغارمين من سجن دنقلا !! أي والله في سجن دنقلا !! كثير من الإخوان في القروب يقولون لي أن همشري هو أول من يساهم معهم وأن هشمري أرسل له في الخاص مساهمته !!!
o بالكو
عرفت همشري منذ أيام المنتديات وقبل ظهور ثورة الاتصالات الأخيرة وكنا في منتديات الهلال وغيرها من المنتديات نلتقي يوميا ونتناقش ونتحاور وتشتد النقاشات والحوارات وتسخن الأجواء لدرجة الغليان وحد الشتائم لأن هناك عشرات الآلاف وكل شخص له أخلاقه وتربيته ومزاجه العام .... إلا أن همشري هو كان همزة الوصل بين الجميع وهمشري هو الوحيد الذي يبتسم ويوزع الابتسامات والقفشات ليعيد التوازن بين الفرقاء وهكذا بدايتي معه حتى كان معسكر الهلال في الدوحة 2007 ثم معسكر الهلال 2009 وهمشري يوميا يتصل بي باعتباري المسؤول الاعلامي للمعسكر ورابطة الهلال ... يسأل عن أحوال الهلال ... كل التفاصيل الدقيقة ليطمئن على معشوقه ويؤكد لي أن أبلغه بموعد أي مباراة ودية ليكون حضورا فهو على استعداد أن يأتي من البحرين قبل المباراة بدقائق ويعود بعدها مباشرة كما فعل أكثر من مرة حتى في معسكرات المنتخب فهو أول من يهتم من الاعلاميين بمتابعة المنتخب بنفسه وقد جاء خصيصا أكثر من مرة لمتابعة المنتخب في معسكرات الدوحة وقد التقطت له بنفسي بعض الصور التذكارية وهو يبعث جو من الود والحب بين اللاعبين والاداريين والجهاز الفني كما كان يفعل المرحوم صاحب القلب الكبير عبد المجيد عبد الرازق رحمه الله .
منذ بداية الأسبوع الماضي بدأت المناكفات بيننا في قروب هلال وإعلاممع الأساتذة اسماعيل حسن ومزمل ومعاوية دفع الله وقد تصدر همشري الردود على الثلاثي ووعدهم بأن المريخ تنتظره علقة ساخنة في المقبرة وأن لا يغرنهم ذهاب النقاط بأمر الفيفا !! وآخر مداخلاته مع مزمل وهو يقول له ... النقاط الست تاني بجلكوز ما بترجع لكن ان شاء الله ناس النقعه ينستروا معانا ثم رد عليه معاوية دفع الله بأن الهلال مرشوش مرشوش ... فكان آخر ردوده .. بذكرك يوم السبت !!! ثم دخل في غيبوبته الأبدية !!!
منذ تلك اللحظة وأنا جربت كل هواتفه لأن همشري لديه عدد مهول من الأرقام البحرينية والسعودية والسودانية لدرجة أنني لكي أفرز الأرقام أكتب همشا وأبوالهماشر وهمشور وهمشري ... لكن جميع الهواتف كانت مغلقة حتى اتصلت على أخيه خالد يوم الخميس فطمأنني بأنه قد تحسن ... وظللت أدعو له ليلة الجمعة حتىبعد صلاة الفجر جلست في المسجد أقرأ لبعد الشروق عندها صليت ركعتين وبدأت أدعوا له بالشفاء لكنني كنت اخطئ وأقول اللهم أغفر له بدلا من أللهم أشفه ... لا أدري لماذا .. كنت في حالة غير عادية ... لدي إحساس بأن اليوم هو يوم وداع علي همشري حتى خرجت من المسجد بعد السادسة بقليل وذهبت إلى البيت وفتحت الجوال فإذا أول رسالة تأتيني من ذاك اليتيم الذي كان الشغل الشاغل لهمشري ولم يهدأ له بال حتى وظفه واستلم راتبه وتولى أمر إخوته وأمه واذكر والله جيدا يوم أن استلم هذا الشاب راتبه اتصل بي وهو يكاد يطير من الفرح وكأن ابنه من صلبه هو من استلم راتبه !!
ولكل ما سبق أحب الناس هذا الشخصولكل ما سبق مات همشري يوم الجمعة ولكل ما سبق فإنه بإذن الله سيرافق معلم الناس الخير في الفردوس الأعلى لأن هذا وعد من رسولنا الكريمعليه أفضل الصلاة وأتم التسليم حين قال أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة وأشار بالسبَّابة والوسطى، وفرَّج بينهما شيئًا؛وقال أيضا ألا أخبركم بمن يحرم على النار، أو بمن تحرم عليه النار؟، تحرم على كل قريب هين لين سهل . وجاء رجل يشكو قسوة قلبه لرسول اللهفقال له نبي الرحمة: "أتحب أن يلين قلبك وتدرك حاجتك؟ ارحم اليتيم وامسح رأسه وأطعمه من طعامك يلن قلبك وتدرك حاجتك .
ولأن علي همشري كان كافلا لليتيم كان هينا لين القلب قريب من الناس ولأن همشري كان كل ذلك أسأل الله أن يكون قد أدرك حاجته عند مليك مقتدر !!
رحيل صديقي الجميل همشري أفقدني طعم كثير من الأشياء ولأول مرة في حياتي أن لا أتابع مباراة للهلال ولا أعرف نتيجته إلا في اليوم التالي !!
إنا لله وإنا إليه راجعون !!!