• ×
الجمعة 29 مارس 2024 | 03-28-2024
صلاح شكوكو

لاولى النهى

صلاح شكوكو

 0  0  1427
صلاح شكوكو
كرة الشراب ( الدافوري)

المهارات في كرة القدم لها دور مؤثر وفاعل في بنيان كل اللاعبين الرياضيين.. بل أن المهارات بصفة عامة هي التي تميز لاعبا عن آخر.. وكلمةالمهارة تعني الحذاقة الأدائية للاعب.. وهذه لا تتأتي للاعب إلا من خلال الممارسة والتعود حتى يصل اللاعب الى مرحلة الإجادة.. وهذه الإجادة لها أساليب ومناهج لترسيخها عند اللاعب، لذا فإن المدرب هو الذي يعطي هذه الجرعات للاعب، بطريقة تتناسب مع مقدرات اللاعب، ومراحله العمرية، حتى يستوعبها ببطء وتدرج، لتترسب في المنظومة العصبية عنده، وليصبح أداءها تلقائيا.
لكننا في السودان نفتقد الى هذا التنظيم الدقيق للتدريب، فقد كنا في الماضي نعتمد على الممارسة التقليدية في تنشئة اللاعبينن، فقد كانت (كرة الشراب) هي التي تعطي الجرعات المهارية للاعب، ولأن الكثيرن من شبابنا ربما لا يعرفون ما تعنيه عبارة (كرة الشراب)، نقول أنها كرة تصنع من أحد الجوارب بحشوها بقصصات من القماش وربما كانت نواتها من نواة ثمرة (الدوم) .
ومما يزيد الأمر صعوبة أن (كرة الشراب) فيها قدر كبير من السعة والممارسة، وليس فيها تقييدات كرة القدم، إذ هي بلا تسلل ولا رميات ركنية وبها القليل من ( الفالات) ، لذلك تحتوي (كرة الشراب) على درجة من العنف المشروع وغير المشروع، كما انها لا تتقيد بزي معين، فكل لاعب يرتدي مايريد وهنا أيضا تتجلى مهارة التمييز بين الخصم والزميل، وكل لاعب فيها يلعب وفق ظروف اللعب دون الاعتماد على تنظيم او خطة معينة والاهم فوق كل ذلك ان تتجنب الهزيمة باي طريقه، مع تجويد ميزة الكر والفر.
قد يستغرب شبابنا من هذه الكورة، وقد يستغربون أكثر من جعلها مادة لحديثي ونحن على أعتباب هذا القرن، لكنهم لا يدركون أنها كانت سيدة الساحات والشوارع والميادين والطرقات، بل أن اللعب بها يكون أكثر إمتاعا للاعب من أي كرة أخرى، رغم طبيعة المكونات التي تدخل في صناعتها، والتي تجعلها عصية على التطويع والتمرير والمراوغة.. مما يعني أن الحذاقة الأدائية فيها تتطلب قدرا هائلا من التركيز والمهارة، والقدرة على تحديد الزملاء، بين هذه الجموع التي تشكل غابة من السيقان المتحفزة.
لكن الأصعب تمرير الكرة الى قدم الزميل، ثم التمكن من إحراز هدف، حيث يكون لهذا الهدف وقع خاص، لأنه يجيء بعد مخاض عسير، ذلك أن كرة الشراب كرة غير مطاوعة، مما يجعل إصابتها للهدف بعد تجاوز هذا الكم الكبير من المدافعين، أمرا يحتاج الى جهد جبار، وهذا ما يجعل كرة الشراب قليلة الأهداف .
أما اللاعبون فيها، فيتحركون بحرية في محاورمراكزهم، ويجيدون الكر والفر بكل صنوفه، كما أن خاصية التسلل تنعدم غالبا، لتمكين اللاعبين من الإنتشار في أرجاء الملعب بصورة ديناميكية، تتيح قدرا هائلا من المرونة.
والعجيب أنني كلما تابعت مرانا للفرق العالمية، أجد أنها تمارسا في تدريباتها أسولوبا أقرب الى (كرة الشراب)، حيث أنهم لا يميلون في مراناتهم الى التقسيمات التقليدية، بل للتلاحم الجماعي في مساحات ضيقة.
لكنني إكتشفت أن هذا الأسلوب التدريبي في المراحل السنية الأدنى، هو الأسلوب الأنسب، لتمنية المهارات الذهنية، كالحيل والتمويه ونحو ذلك، كما أنها تنمي مهارات التكنيك الخاصة باللاعب، ذلك أن التكنيك يعني العلاقة بين اللاعب والكرة.. بينما هي كذلك تنمي مهارات التكتيك، وهو العلاقة بين اللاعب والكرة والخصم، الى جانب أنها تمني مهارة المناورة، وتقتل الأنانية، بسبب الضغط العنيف على اللاعب.. الى جانب أنها تنمي مهارة التصويب المضغوط، الذي يعتمد على ضرب الكرة في مركزها تماما، لجعلها متوازنة في مسيرها نحو الهدف، أو الوصول لقدم الزميل، وفي أقل فترة زمنية.
الى جانب أنها تنمي مهارة المكاتفة والألتحام القوي، بأن يكون اللاعب متيقظا لأي إحتكاك أو صدام أو مدافعة، للإستحواذ على الكرة.. الى جانب أنها أيضا تعلم اللاعب على اللعب الممرحل، ليصل الى الهدف، علاوة على أنها أيضا تنمي مهارة حماية الكرة بين الأقدام لأقصى مدى ممكن.. لذا أطلق عليها إسم آخر مرادف لكرة الشراب وهو (الدافوري)، وهذا الإسم تأتي من الألتحام الذي يولد المدافعة، وهو مايعرف في دارجيتنا (بالدفر)، ومنها أيضا جاءت كلمة (الدفار) كمركبة مكتظة تستوجب المدافعة والمكاتفة و(الدفر).
بهذه السمات تصبح كرة الشراب معينا زاخرا لإكتساب المهارات الأدائية، بل تعتبر كرة الشراب هي المعين الذي أعان قدامى لاعبينا لأن يكونوا مهارين من الطراز النادر.. ومازالت كرة الشراب مزدهرة في بلاد أخرى، بينما إندثرت في السودان تماما، بسبب إنتشار الكرات البلاستكية الحديثة، التي سهلت الأداء لكنها بالنسبة لنا في السودان كانت خصما على المستوى المهاري لللاعب، وذلك ليس لسوء في ذاتها بل لأننا نفتقر الى الأساليب التدريبية البديلة، التي من خلالها يمكن تنمية المهارات الأساسية للآعبين، وبذا نكون نحن الخاسر الأكبر في عملية تطوير المادة التي تصنع منها الكرة، لعدم وجود البديل العلمي.
وبإنتهاء حقبتها إنتهت المهارات العالية، وأصبح اللاعبون متساوون في الأداء العام والكلي، وغابت الحذاقة إلا عند القليين، وإنتهت الى غير رجعة مهارات (جكسا) ورأسيات (الدحيش) وتمويها وترقيصات (كمال عبد الوهاب) وتصويبات (قاقارين) وتهديفات (بشير عباس) والتقاطات (سبت دودو) وتمريرات المايسترو (يوسف مرحوم) وقيادة (بشارة) ومهارة(كسلا) وحسن أداء الموردة وجمال الهلال وروعة المريخ.
لكن من التجني الحديث عن ضرورة عودة هذه الكرة الى الوجودمرة أخرى، لأن زمانها ولى .. ومفهوم إنتشارها قد إندثر، ولم يعد العقل يستوعبها ، بل أننا لو جئنا بها الآن فلن نجد إلا الذين يسخرون منا ومنها، لذا فلابد أن نكون واقعينن ودعونا نبحث عن أساليب جديدة لتنمية هذه المهارات، بدلا من التغني على الماضي الذي لن يعود.
لكن من المنطق ان نعترف كذلك بأن أساليب اللعب ذاتها قد تغيرت لصالح اللعب الجماعي، لكن من الضروري أن يكون الأفراد بالفريق مهاريين في فريق يلعب كرة جماعية.
 ترى كيف نعيد المهارة لملاعبنا ؟
............
ملء السنابل تنحني ببتواضع ...... والفارغات رؤوسهن شوامخ
......................
صلاح محمد عبدالدائم ( شكوكو(
shococo@hotmail.com
امسح للحصول على الرابط
بواسطة : صلاح شكوكو
 0  0
التعليقات ( 0 )
أكثر

للمشاركة والمتابعة

تصميم وتطوير  : قنا لخدمات الويب

Powered by Dimofinf CMS v5.0.0
Copyright© Dimensions Of Information.

جميع الحقوق محفوظة لـ "كفر و وتر" 2019