كثيرا ما تحدثتُ عن الفوارق الكبيرة بين الكلام العاطفي الذي يكون نابعاً عن حب فقط وعن الكلام العقلاني الذي يكون حسب الواقع دون تضخيم أو مبالغة.. ومن أكبر مشاكل الإعلام الرياضي بشكل عام والإعلام الهلالي بشكل خاص أنه يتعامل مع الأمور أو الأحداث بمنطق عاطفي بحت.. ونفس الأمر ينطبق على الجمهور بالضرورة.. فالهلال هو الأقوى والأروع في كل الاحوال (في نظرهم) لمجرد أنه الهلال الفريق الذي ينتمون إليه ويعشقونه.. والهلال يجب أن يفوز في أي مباراة لأن حسابات المباريات بالنسبة لهم هي الفوز أو الفوز أو الفوز.. فلا يوجد شيء إسمه تعادل ولا يوجد نتيجة إسمها الخسارة.. حتى ولو كان الأمر يتعلق بالمباريات الودية التجريبية.. بل أن وصول المنافس لشباك الهلال ثلاث مرات أمر صادم بالنسبة للبعض حتى ولو كان هذا الأمر في مباراة ودية وحتى ولو كانت المباراة إنتهت بفوز الهلال برباعية مثلما حدث قبل ايام في مباراة الاتحاد الليبي.

لهذا عندما يتعرض الهلال للخسارة او حتى التعادل يتعامل هؤلاء مع الموضوع وكأنه كارثة.. فيبدأون في لطم الخدود وشق الجيوب من خلال أعمدتهم او من خلال نقاشاتهم إذا كانوا مشجعين.. رغم أن الهلال ورغم انه فريق كبير ويُنظر إليه بإعتبار أنه أفضل فريق في هذه البلاد إلا أنه ينتمي لكوكب الأرض.. بمعنى أنه لم يأتي إلى هذه البلاد قادماً من كوكب آخر.. وفي هذا الكوكب هناك رياضة إسمها كرة القدم.. وفي كرة القدم هناك فوز وتعادل وخسارة.. والأهم من ذلك هناك أندية تلعب ضد الهلال وتمتلك طموحات ايضاً.. فالطموح ليس حصرياً على الهلال.. ولكن المشكلة الكبيرة هي أن الإعلام الازرق ينظر للهلال على أنه فريق مثالي رغم أنه حتى فرق مثل برشلونة وبايرن ميونخ لم تصل لمستوى المثالية.

بالتالي عندما يلعب الهلال أمام أي فريق يكون تركيز الجمهور والإعلام الهلالي على أداء لاعبي الهلال ولا ينتبه أو يكترث لأداء لاعبي المنافس.. وإذا نجح المنافس في الخروج بنتيجة ايجابية لأنه قدم مباراة كبيرة أمام الهلال فإن نظرة الإعلام والجمهور تكون كلها إنكار وإستياء ودهشة.. فنسمع العبارات المعروفة.. الهلال كان سيئاً.. الهلال لم يكن في يومه.. إلخ.. رغم أنه ليس بالضرورة ان يكون الهلال سيئاً ليخسر.. فقد يقدم الهلال عرضاً جيداً ورغم ذلك يخسر لأن المنافس قدم مباراة أكثر جودة على الأقل من الناحية التكتيكية.. ولكن كما قلتُ أعلاه المتابع الهلالي لا يتابع إلا فريقه.. ولا يهمه من قريب او بعيد أن يتابع أداء او مستوى الفريق المنافس.. لدرجة أنه إذا قلت له من هو أبرز لاعب في لاعبي الفريق المنافس من خلال المباراة فإنه سيتلعثم ثم سيهز رأسه أفقياً (نظام ما عارف) ولن يعطيك أي إجابة لأنه كان منفعلاً مع كاريكا ونزار وبشة وبقية لاعبي الهلال.

أقول هذا الكلام رغم فوز الهلال بالأمس في مباراته الودية الأخيرة في تونس على نادي هرقلة التونسي بثلاثية نظيفة ورغم أن الهلال بهذا الإنتصار أصبح مجموع إنتصاراته في معسكر تونس أربعة إنتصارات مقابل تعادل وحيد أمام الصفاقسي التونسي.. أقول هذا الكلام لأن هذه الإنتصارات رفعت سقف توقعات الإعلام والجمهور كالعادة.. وبالتالي فإن التعثر في الدوري الممتاز الذي سينطلق خلال هذا الشهر أو حتى الظهور بمظهر باهت في بعض المباريات الرسمية (وهو أمر متوقع) سيعني هجوم ناري من الإعلام على الجهاز الفني وعلى اللاعبين وسيعني ايضا غضب الجمهور.. وهذا هو الأمر الذي أحذر منه من خلال هذا المقال ومنذ الآن.. فتجارب الأعوام الماضية علمتنا أن لفت النظر والتحذير أفضل من النقد الذي يأتي بعد وقوع الفاس في الراس.. وكلنا يتذكر كيف تم الإستغناء في العام الماضي عن المدرب البلجيكي باتريك رغم أن الهلال كان يسير معه بشكل جيد.. وكيف تم تضييق الخناق على النابي في العام قبل الماضي.. وكلنا يتذكر كيف هاجم بعض الإعلاميين لاعبين مثل بشة وكاريكا وبصورة قبيحة لمجرد انخفاض مستواهما في فترة ما.

منذ الآن يجب أن يعلم الجميع أن إنتصارات تونس الودية لا تعني أن الهلال جاهز بنسبة 100% للدوري الممتاز ولا يعني أنه سيقدم عروض رائعة في مباراتي هلال كادوقلي وهلال الأبيض والمباريات التالية.. فالمباريات الودية شيء والرسمية شيء آخر.. وتذبذب المستوى في المباريات الأولى أمر متوقع لأن الإنسجام لا يحدث بسرعة.. ومنذ الآن نقول يجب أن لا نقسو على لاعبي الهلال.. فالاخطاء الدفاعية متوقعة في المباريات الاولى.. وتقديم كبار النجوم لمستويات غير مقنعة أمر وارد في المرحلة الأولى.. أتمنى أن يفكر الإعلام والجمهور في دعم لاعبي الهلال والجهاز الفني في الربع الأول من الموسم.. فالدعم يعني تركيز الجهاز الفني واللاعبين.. لأنه يعني الأجواء الصحية.. والأجواء الصحية تعني تطور الفريق مع الوقت.