هذه سياحة مع مخلوق من مخلوقات الحي الذي لا يموت . الحمار المفترى عليه . بسبب نكتة و صلتني عبر الواتساب من إحدى القروبات استخفت بذلك الحمار منعوتاً بالغباء , وليت الأمر وقف عند هذا الحد بل وصل طرف السوط بل كل السوط المساس بالوطن في استخفاف لا ينم عن معرفة حق الوطن الغالي في رمزية تصرف الحمار , فكان لقلمي هذه السطور
لم أسمع مصرياً واحداً سبَّ أو لعن مصر بل لسانه رطباً بعبارتي تحيا مصر و عَمَار يا مصر , بينما الكثير من بني وطني هداهم الله , للأسف يكيلون السباب و اللعن لوطنهم ومنهم صاحب النكتة الذي يتهكم و يتندر و يسخر بوطنه مشبهاً إياه بالغباء كالحمار الذي لا يستطع الطيران .
الحمار المُفترى عليه الموصوف بالغباء هو من أذكى الحيوانات لذا عزيزي القارئ أدعوك إلى محاور و نقاط يجب الوقوف عندها لنعرف فداحة الخطأ الذي وقع فيه كثير من الأساتذة وهم يصفون تصرفات طلابهم بالحمير عندما يفشلون في حل مسألة من المسائل , و الحمار وفق معايير الذكاء قد نال منها نصيباً .
الحمار بنوعيه الأهلي و الوحشي قد ورد ذكره في القرآن الكريم خمس مرات , ثلاثة بصيغة الجمع و اثنان بصيغة المفرد .
( أو كالَّذِي مَرَّ على قريةٍ وهيَ خاويةٍ على عُرُشِها قالَ أنَّى يُحيي هذه الله بعد موتِها فأماتهُ اللهُ مائَةَ عامٍ ثُم بَعثَهُ قالَ كم لبثتَ قالَ لبِثتُ يوماً أو بعضَ يومٍ قالَ بل لبثتَ مائَةَ عامٍ فانظُر إلى طَعَامِكَ و شَرَابِكَ لم يَتَسَنَّه و انظُر إلى حِمارِكَ و لِنَجعَلَكَ آيةً للناس ِ و انظُر إلى العِظامِ كيفَ نُنشِزُها ثم نَكسُوهَا لحماً فلما تَبَيَّنَ لهُ قال أعلمُ أنَّ اللهَ على كُلِ شيءٍ قديرٌ ) البقرة259 ) مَثَلُ الذين حُمِّلُوا التَّوراةَ ثُمَ لم يَحمِلُوها كَمَثلِ الحِمارِ يَحمِلُ أسفَاراً بِئسَ مثلُ القومِ الَّذينَ كَذَّبوا بآياتِ اللهِ و اللهُ لا يَهدِي القومَ الظالمينَ . ) الجمعة 5
( و الخيلَ و البِغَالَ و الحَمِيرَ لِتركَبُوها و زينَةً و يَخلُقُ ما لا تعلمُونَ ) النحل 8
( و اقصِد في مَشيِكَ و اغضُض من صَوتِكَ إنَّ أنكَرَ الأصوَاتِ لَصَوتُ الحَمِير ِ ) لقمان 19
( كَأنَّهُم حُمُرٌ مُستَنفِرةٌ .) المدثر 50
من أشهر الحمير عُفير وهو الحمار الذي أهداه المقوقس ملك مصر للحبيب المصطفى صلوات ربي و سلامه عليه , وقد ورد ذكر اسمه في حديث الصحابي الجليل معاذ بن جبل حيث جاء في الحديث : عن معاذ رضيَّ الله عنه قال : كنت رِدف النبي صلى الله عليه و سلم , على حمارٍ
يُقالُ له عُفير , فقال يا معاذ : هل تدري حق الله على عباده و ما حق العباد على الله ؟ قلت الله و رسوله أعلم , قال : فإنَّ حق الله على العباد أن يعبدوه و لا يشركوا به شيئاً , وحق العباد على الله أن لا يُعذب من لا يُشرك به شيئاً . فقلت يا رسول أفلا أبشِّر به الناس ؟ قال : لا تُبشِّرهم فيتكلوا .
قال الدميري في كتاب حياة الحيوان الكبرى : ( الحمار جمعه حمير و أحمره , أنثى الحِمار حِمارة و هي الأتانُ . )
على ذكر الأتانُ يجب ذكر حِمارة مُرضعة الرسول صلى الله عليه و سلم و ذلك عندما ذهبت مرضعات بني سعد و من بينهم حليمة السعدية وهي من أمهات النبي عليه أفضل الصلاة و السلام من الرضاع , حيث كانت تركب أنثى حمار ضعيفة جداً في طريقها للذهاب إلى مكة من أجل أخذ رضيع ترضعه كما جرت العادة السائدة لديهم مقابل نفع مادي يُصيبهم جراء ذلك العمل , فكانت أتانُ حليمة السعدية في آخر الركب لا تستطيع المشي . عند أخذ حليمة السعدية رضيعها اليتيم المبارك سيد الأولين و الآخرين الحبيب المصطفى صلوات ربي و سلامه عليه , وهي في طريق عودتها إلى ديارها كانت سحب البركات قد نزلت عليها بدءً من الحالة الصحية و اللياقة التامة لحمارتها التي كانت لا تستطع المشي فأصبحت الأولى عدواً فسبقت الركب لدرجة الحيرة التي غشيت و غطت أعين المرضعات الأخريات و هُنَّ يُكثرنَّ التساؤل أهذه الحِمارة التي أتت بها ؟
كم هو مسكين هذا الحمار الذي يُعاني من الإنسان هضم حقوقه الحيوانية وهو الحيوان الذي يتعلم و يفهم و رغم ذلك نجده يتحمل الإنسان .
للحمار كنية يقال له أبو صابر , و أبو زياد .
قال الشاعر : زياد لست أدري من أبوه ... ولكن الحمار أبو زياد .
أما كُنية الحمارة فهي أم نافع و أم تولب و أم جحش و أم وهب .
كثير من علماء الحيوان يؤكدون ذكاء الحمار و لكن لماذا اتهم بالغباء ؟ ربما يرجع إلى عناده الكبير وهو يحب أن يفعل ما يريد و ليس ما يريد صاحبه إلا لو تعرض للضرب مما يجعل الناس يعتقدون أنه غبي .
المقارنة بين الحصان و الحمار من خلال النظرة الدونية بينهما قد تُلصق صفة الغباء للحمار وهذه حالة نفسية .
في سوداننا الحبيب يطلقون باللهجة العامية الدحيش على صغير الحمار الجحش بالدال بدلاً عن الجيم , و من أشهر من حمل لقب الدحيش في السودان نجم الكرة السودانية و هلال الملايين اللاعب السابق عز الدين الدحيش صاحب الرأس الذهبية و سبب ذلك اللقب السرعة الفائقة التي كان يتمتع بها في مرحلة الصبا , حيث كان يمتاز عز الدين الدحيش بتطويع كرة القدم ممارساً بها كل فنون اللعبة .
في التاريخ العربي كان مروان الحمار , لقب التصق بآخر خلفاء بني أمية مروان بن محمد الذي قامت ضده الكثير من الثورات و كان يخرج من معركة إلا و يدخل في أخرى . التصق به ذلك اللقب لتحمله الصعاب و القدرة على القيام بالأعباء و المهام دون كلل أو ملل إضافة للذكاء الذي كان من صفاته .
الغباء بعيد عن الحِمار و قريب من الفراشة و النعام حيث الفراشة تقع في النار عند رؤيتها لها و النعام يدفن رأسه في الرمل عند مواجهته لعدوٍ ظناً أنه قد اختفى من عدوه .
لقوة تحمل الحمار و ذكائه نجده حاضراً في السياسة الأمريكية حيث الحمار هو شعار و رمز الحزب الديمقراطي .
كما في السياسة و المجتمع المصري كان الحِمار حاضراً رمزاً يُعالج به الكاتب توفيق الحكيم . الحمار يُفكر , الحِمار يؤلف , سوق الحمير , و حصص الحبوب . أربع مشاهد كان لها الأثر في ذلك المجتمع من خلال ما تضمنته مسرحية الحمير لتوفيق الحكيم .
ففي قصص و روايات المجتمع نجد الشخصية الأسطورية جحا و حماره .
أما فيما يخص القدرة البصرية للحمار فهي تتفوق على القدرة البصرية للإنسان و هنا يجب أن نردد الصلاة على النبي قائلين اللهم صل و سلِّم على سيدنا محمد وهو الصادق المصدوق , فجاء في الحديث : ( قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا سمعتم أصوات الديكة فسلوا الله من فضله فإنَّها رأت ملكاً , و إذا سمعتم نهيق الحمار فتعوَّذوا بالله من الشيطان فإنه رأى شيطاناً . )
ها هو الاكتشاف العلمي الذي أبهر العالم يُعيد لنا ما أنبأنا به الحبيب المصطفى صلى الله عليه و سلم في الحديث أعلاه .. الحمير ترى الأشعة الحمراء و الشيطان هو من الجان خُلق من نار أي الأشعة تحت الحمراء .
كما الدَّيَكة ترى الأشعة البنفسجية و الملائكة مخلوقة من نور أي من الأشعة البنفسجية لذا تراها الدَّيَكة .
* آخر الأوتاد :
لكل من يُزعج الآخرين برفع صوته عليه أن يُغضض من صوته لأنَّ أنكر الأصوات لصوتُ الحمير .
حافر الحصان و لا وش الحمار